< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: کتاب النکاح / التدليس / قاعدة الغرور

 

قال السيّد الإمام الخميني: «ثمّ‌ لا يخفى أنّ‌ عناوين «الغرور» و«الخدعة» و«التدليس» بحسب اللغة والعرف ودلالة الأخبار ترجع إلى شيء واحد، وقد فسّر في اللغة كلّ‌ بالآخر.

وقوله(ع) في الرواية المتقدّمة: «كما غرّ الرجل وخدعه» ظاهر في أنّهما بمعنى واحد، لا أنّ‌ الغرور قاعدة والخدعة قاعدة أُخرى، أو كلّ‌ من العنوانين جزء موضوع وهو واضح.

وقد ورد في باب تدليس الجارية لفظ «الغرور» في رواية «دعائم الإسلام» فقال في القرن والجذام ونحوهما: «ويرجع بالمهر على‌ من غرّه بها، وإن كانت هي التي غرّته رجع به عليها».

فيظهر منها أنّ‌ التدليس والغرور أمر واحد، فيصحّ‌ الاستدلال لقاعدة الغرور بروايات باب التدليس، كمعتبرة رفاعة بن موسى... وقريب منها غيرها، ويظهر من ذيلها ومن بعض روايات أُخر التفصيل بين العالم والجاهل، والظاهر أنّ‌ الجاهل خارج موضوعاً لا أنّه مدلّس ولا حكم له، واعتبار العلم في مادّة الخديعة والتدليس ظاهر من العرف واللغة...

وبعد ما كان الغرور بمعنى الخدعة وقد أُخذ فيها العلم، يتّضح حال الغرور أيضاً، مع أنّ‌ عدم الإحراز والشكّ‌ كافٍ‌ في عدم جواز التمسّك بقاعدة الغرور في مورد الجهل.

كما أنّ‌ التفصيل المستفاد من الرواية المتقدّمة وغيرها سارٍ في قاعدة الغرور أيضاً بعد كونهما معنى واحداً.

فإثبات الضمان بقاعدة الغرور في الجاهل بالواقعة في غاية الإشكال بل غير ممكن، لأنّه متوقّف على إثبات كون الغرور غير التدليس والخديعة، وإثبات أعمّيته من حال العلم والجهل، وهما في معرض المن

ثمّ‌ إنّ‌ الظاهر من نحو قوله(ص): «المغرور يرجع إلى‌ من غرّه» وكذا موارد سائر الروايات أنّ‌ الحكم بالرجوع ثابت فيما إذا كان الغرور والخديعة دخيلاً بنحو من الدخالة في إقدام المغرور، كما لو دعاه إلى ارتكابه وزيّنه في نظره وأغراه به أو أخفى العيب بحيث لو كان ظاهراً لما أقدم عليه، كموارد روايات التدلي

وأمّا لو كان للفاعل داعٍ‌ إلى الإقدام بحيث لم تؤثّر دعوته ولا إغراؤه فيه وكان ممّن يرتكب حتّى مع علمه بالواقعة، فهو خارج عن القاعدة.

كما أنّ‌ الظاهر أنّ‌ الرجوع إنّما هو في الخسارات الواردة عليه لأجل غروره، فلو لم تحصل له خسارة فلا رجو

فحينئذٍ لو كان الرجل عازماً على اشتراء الطعام لأكله وأكل عائلته، فقدّم إليه طعام الغير أو طعام نفسه فأكله، وكانت قيمته مساوية لما عزم على اشترائه أو أقلّ‌ منه، لم يقع في خسارة وضرر عرفاً.

أو أراد استئجار محلّ‌ لسكناه بقيمة فسلّم إليه داراً ليسكنها فاتّضح أنّها لنفسه أو لغيره، لم يكن واقعاً في خسارة عرفاً، وفي المنافع المستوفاة أيضاً كذلك إذا كان محتاجاً إليها بحيث لو لم تكن حاصلة له لحصّلها بطريق آخر.

ففي جميع تلك الموارد لم يقع في خسارة وهو خارج عن مفاد القاعدة، فما هو المعروف من الضمان ليس على إطلاقه متّجهاً.

وما يظهر من روايات التدليس من أنّها حكمت بالضمان مع حصول النفع له لا ينافي ما ذكرناه، لأنّ‌ حصول النفع شيء وعدم تحقّق الخسارة شيء آخر، فالمهر في تلك الروايات الحاكمة بضمانه خسارة على الزوج، وليس الدخول بها مقابلاً له حتّى يقال بعدم تحقّق الخسارة.»[1]

بعد ذكر كلمات الأصحاب، نتناول دراسة قاعدة الغرور في مطالب عدة.

 

المطلب الأول: معنى الغرور لغةً

قال ابن منظور في لسان العرب: «غَرّهُ يغُرّه غَرّاً وغُروراً وغِرّة ـ الأخيرة عن اللِحياني ـ فهو مغرور وغَرير: خدعه وأطعمه بالباطل...

والغَرور: الشيطان، يغُرّ الناسَ بالوعد الكاذب والتمنية. وقال الأصمعي: الغُرور، الذي يغُرّك...

والغَرور: الدنيا، صفة غالبة.

أبو إسحاق في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكـَرِيمِ﴾؛ أي ما خدعك وسوّل لك حتّى أضَعتَ ما وجب عليك. وقال غيره: ما غرّك، أي ما خدعك بربّك وحملك على معصيته والأمن من عقابه فزيّن لك المعاصي والأمانيّ الكاذبة فارتكبت الكبائر ولم تخفه وأمنت عذابه، وهذا توبيخ وتبكيت للعبد الذي يأمن مكر الله ولا يخافه. وقال الأصمعي: ما غرّك بفلان، أي كيف اجترأت عليه. ومن غرّك من فلان ومن غرّك بفلان، أي من أوطأك منه عَشوةً في أمر فلان...

وقال أبو زيد: ...الغُرور، الباطل؛ وما اغتررت به من شيء، فهو غَرور.

وغرّر بنفسه وماله تغريراً وتَغِرّةً: عرّضهما للهلكة من غير أن يعرف، والاسم: الغَرَر، والغَرَر الخطر. ونهى رسول الله(ص) عن بيع الغرر...

وقيل: بيع الغرر المنهيّ عنه ما كان له ظاهر يغُرّ المشتري وباطن مجهول...

أبو عبيد: الغَرير المغرور والغَرارة، من الغِرّة والغِرّة من الغارّ والغَرارة والغِرّة واحد؛ الغارّ: الغافل والغرّة الغفلة، وقد اغترّ، والاسم منهما الغِرّة. وفي المثل: الغِرّة تَجلُب الدِرّة، أي: الغفلة تَجلُب الرزق؛ حكاه ابن الأعرابي.

ويقال: كان ذلك في غرارتي وحَداثتي، أَي: في غرّتي.

واغترّه، أي: أتاه على غِرّة منه. واغترّ بالشيء: خُدع به...

والغِرار: نقصان لبن الناقة، وفي لبنها غِرار؛ ومنه غِرار النوم: قلّته.

قال أبو بكر: في قولهم: غرّ فلان فلاناً: قال بعضهم: عرّضه للهلكة والبوار، من قولهم: ناقة مُغارّ إذا ذهب لبنها لحدث أو لعلّة. ويقال: غرّ فلان فلاناً، معناه: نقصه، من الغِرار وهو النقصان. ويقال: معنى قولهم: غرّ فلان فلاناً، فعل به ما يُشبه القتل والذبح بغِرار الشفرة، وغارّت الناقةُ بلبنها تُغارّ غراراً، وهي مُغارّ: قلّ لبنها؛ ومنهم من قال ذلك عند كراهيّتها للولد وإنكارها الحالبَ[2]

يستفاد من مجموع ما تقدم أنّ مفردة «الغرور» تستعمل في معانٍ مختلفة، ولكنّ المستعمل منها في قاعدة الغرور هو المعنى الأوّل الوارد في عبارة ابن منظور وفيها خداع ومكر، لأنّ مجرد الوقوع في الخطأ بفعل شخص آخر غافلٍ عن حقيقة الأمر، فإنّه أنسب بمعنى «الغرر» أو «الغِرّة» منه إلى معنى «الغرور».

ولو لم نقبل بذلك، لكان المورد من الشبهات المفهوميّة التي سيأتي مقتضاها في المطلب الآتي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo