< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس/الغرر/ مدلول قاعدة الغرور

المطلب الثالث: مدلول قاعدة الغرور

المستفاد من قاعدة الغرور أُمور نشرحها فيما يلي:

1ـ إذا توجّه للمغرور ضرر مستنداً إلى الغرور، يحقّ للمغرور مطالبة الضمان من الغارّ، سواء أكان توجّه الضرر إليه من الغرور مباشرة ـ كما لو عرّض الغارّ مال المغرور للتلف بيده ـ أو كان الغرور سبباً لإتلاف مال الغير بواسطة المغرور ممّا يوجب عليه الضمان، وبالنتيجة يتسبّب بضرر له بسبب دفع عوض عن مال الغير.

ولا فرق في المسألة في أن يعود نفع مالي أو غير مالي على المغرور عوضاً عن الضرر أو لا، لأنّ إطلاق الأدلّة شامل للمورد كما أنّ سيرة العقلاء قائمة على اعتبار الغارّ ضامناً في مثل هذه الموارد أيضاً.

إذن الملاك الوحيد لجريان قاعدة الغرور هو استناد الضرر إلى المغرور بالغرور الناتج عن فعل الغارّ بنحو لو لم يكن فعل الغارّ لم يكن ليصدر فعل من المغرور حتّى يتوجّه إليه الضرر.

2ـ يشترط في تحققّ الغرور ـ كما تقدّم ـ علم الغارّ ومن دونه لا يتحقّق غرور. وحتّى لو لم نقبل بما مرّ في معناه اللغوي، فلا أقلّ من ثبوت شبهة مفهوميّة في خصوص اشتراط علم الغارّ في الغرور، ومن الضروري الاكتفاء بالقدر المتيقّن في الأخبار وهو فيما كان الغارّ عالماً بالواقع.

كما أنّه لو كان بناء العقلاء مستنداً للقاعدة فهو من الدليل اللبيّ الذي يلزم فيه أيضاً الاكتفاء بالقدر المتيقّن.

على أنّه لو قلنا بأنّ صدق الغرور لا يشترط فيه علم الغارّ، فهناك توالي فاسدة كثيرة مترتّبة عليه ممّا لا يمكن الالتزام بها.

فمثلاً لو شهد اثنان على ملكيّة أحد على مال معيّن بواسطة أمارة كاليد واشترى آخر ذلك المال بناءً على هذه الشهادة ثم تبيّن أنّ المال لشخص ثالث وتوجّه الضمان بذلك للمشتري، فلو لم نشترط علم الغارّ في تحقّق الغرور، وجب القول بأنّ للمشتري أن يعود على الشاهدين، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به، بل الالتزام به قد يسدّ باب الشهادة.

لا يقال: إنّ أدلة الشهادة تختصّ بما إذا كانت الشهادة عن حسّ، إذن لا تجوز الشهادة علی المسبّبات كالملكيّة والزوجية، لأنّها لا تستند إلى الحسّ، بل الشهادة ممكنة فقط علی الأسباب التي تحصل عن حسّ كالعقد.

لأنّه يقال في جوابه: إنّ لزوم استناد الشهادة إلى الحسّ لا يعني عدم إمكانيّة الشهادة على المسبّبات، لأنّها مفروغ عنها بين الأصحاب، بل المراد أنّ على الشاهد أن يشهد بما يعلم أو اطمأنّ به ولا يكفي الظنّ، فإن تحصل هذا العلم والاطمئنان بالطرق العرفيّة لكان كافياً، في أيّ مورد كان.

لذلك قال صاحب الجواهر مستشكلاً على دعوى صاحب الرياض من ضرورة كون المشهود عليه ممّا يدرك بالحواس[1] ، أنّه: «هو من غرائب الكلام، ضرورة اقتضائه عدم صحّة الشهادة لنا الآن لأمير المؤمنين(ع) بنصب النبيّ(ص) له إماماً يوم غدير خمّ، لأنّه واصل إلينا بطريق التواتر ولم نكن حاضرين وقت النصب، ولا على أبي بكر وعمر بغصب فدك من الزهراء البتول(س)، بل ولا غير ذلك ممّا وصل إلينا بالتواتر أو بالأخبار المحفوفة بالقرائن، بل وليست شهادتنا أن لا إله إلا الله تعالى شأنه وأنّ محمّداً(ص) عبده ورسوله شهادة حقيقة، لعدم الحضور فيها.

وبالجملة لا ريب في سقوط الكلام المزبور خصوصاً مع ملاحظة ما ورد من صحّة شهادة الأعمى إذا أثبت زيادة على ما عرفت من كون المدار على العلم، بل لعلّ الأصحاب لا يخالفون في ذلك، وإنّما غرضهم في الكلام المزبور استثناء ما يثبت بالسماع وإن لم يصل إلى حدّ العلم في الأُمور السبعة أو الأزيد كما تعرف، لا اعتبار كون الشهادة بطريق البصر بحيث لا يجوز غيره وإن حصل العلم القطعي حتّى بالتواتر ونحوه ممّا ينتهي إلى المشاهدة أيضا بالواسطة.»[2]

وبذلك يتّضح وجه إشكال دعوى صاحب العروة أيضاً.

قال صاحب العروة في حاشيته علی المکاسب: «قاعدة الغرور من القواعد المحكمة المجمع عليها. ولا فرق على الظاهر بين كون الغارّ عالماً أو جاهلاً. وما يحتمل أو يقال من عدم صدق الغرور مع جهل الغارّ كما ترى.»[3]

3 ـ تقدّم سابقاً أنّ رجوع المغرور على الغارّ يستدعي توجّه ضرر مستند إلى الغرور إلى المغرور، بحيث يكون الغرور تمام العلّة أو جزء العلّة في توجّه الضرر إليه، ويمكن دعوى أنّه لو لم يكن غرور لما توجّه الضرر إليه أصلا.

إذن، لو أراد شخص أن يخدع أحداً فرغّبه في عمل تسبّب بتوجّه الضرر إليه ولكنّ الثاني كان عالماً بالواقع ومع ذلك قام بالفعل، فليس له أن يرجع إلى الشخص الأوّل لجبران الضرر، إذ في هذه الصورة لا يستند توجّه الضرر إليه إلى خداع الشخص الأوّل وغروره، بل لا يصدق في مثل ذلك وقوع الخداع، لأنّ صدقه متوقّف على وجود الخادع والمنخدع، بينما لا انخداع مع وجود العلم في طرف الخدعة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo