< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس/الغرر/ صدور الغرور من إثنين أو أكثر

إذا صدر الغرور من اثنين أو أكثر، فقد ذهب صاحب الجواهر فيه إلى اشتراكهم في الضمان وقال: «لو حصل الغرور بينهما (الوکيل والأمة) رجع بنصفه علی الوکيل حالاً ونصفه عليها بعد العتق.»[1]

وقد تبع في هذه المسألة كلام العلامة في القواعد[2] .

ولكن صحّة هذه الدعوى متوق[فة على تحقيق أنّه لو كان الغارّ أكثر من واحد، فما على المغرور في الرجوع عليهم؟ وكيف يستقرّ الضمان على عهدتهم؟

والمستفاد من أخبار الباب أنّ للمغرور حقّ الرجوع على الغارّ لأخذ التعويض عن الضرر، وإطلاقها يشمل ما إذا كان الغارّ أكثر من واحد أيضاً. ولكن لا دليل على وجوب مطالبة المغرور كلاً منهم بنسبة تدليسه بالتعويض، بل يقتضي الإطلاق أنّ له الرجوع إلى أيّ منهم ومطالبته بكلّ التعويض وإن تعدد الغارّون، إذ يصدق عنوان الغارّ على كلّ منهم.

وهذا يصحّ أيضاً لو استندت قاعدة الغرور إلى بناء العقلاء، إذ كما تقدّم فالغرور لا يتسبّب باشتغال ذمّة الغارّ بالمغرور بمجرّد الغرور أو توجّه الضرر إلى المغرور، بل غاية الأمر تعهّد الغارّ بدفع التعويض عن الضرر في صورة رجوع المغرور عليه. إذن لو رجع المغرور إلى أحدهم فقط، فيجب عليه أن يدفع كلّ البدل ولا يحقّ له الرجوع على سائر الغارّين لتقسيط البدل، لأنّ الرجوع عليهم من حقّ المغرور لا أحد الغارّين، والفرض أنّه لم يرجع عليهم.

فإن قيل: ليس المتفاهم عرفاً في أمثال المقام ـ حيث يسند الضرر إلى عدّة أفراد ـ أن يدفع شخص واحد كلّ التعويض، بل يرى العرف كلّهم ضامنين بنسبة دخلهم في توجّه الضرر.

فالجواب أنّه إنّما يمكن الالتزام بذلك بلا إشكال فيما اشتغلت ذمّة المضرّ بواسطة توجيه الضرر، ولكن تقدّم أنّ مجرّد الغرور أو توجيه الضرر إلى المغرور بواسطة الغرور، لا يؤدّي إلى اشتغال ذمّة الغار، بل يحتاج شغل ذمّته إلى رجوع المغرور عليه، وبالنتيجة إذا رجع المغرور على أحد الغارّين فقط، فلا وجه لاشتغال ذمّة الباقين.

ونظير المسألة في نفقة الأقارب، فمثلاً لو كان لفقير ابنان متمكّنان، فتجب نفقته على کليهما، ولكن لو طلب الفقير جميع النفقة من أحدهما، فليس له بعد دفع نفقة الأب أن يرجع على أخيه ليطالبه بإرجاع النصف.

وعليه فلو لم يكن بعض المدلّسين يملك مالاً أو لم يكن في متناوله أو كان عبداً أو أمة، فهذا لا يمنع من إمكان جبران جميع الضرر للزوج، بل له أن يطالب التعويض عن جميع الأضرار من سائر المدلّسين، بل حتّى لو أمكن الرجوع على الباقين، فلا يجب على الزوج أن يرجع عليهم جميعاً، بل يجوز له مطالبة بعضهم فقط بالتعويض عن الأضرار.

ثمّ لو تزوّج العبد بامرأة شرطَ حريّتها فتبيّن كونها أمة، فالعلامة يقول في ذلك في القواعد: «لو تزوّج العبد على أنّها حرّة فظهرت أمة فكالحرّ؛ فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء، وبعده المسمّى على سيّده أو في كسبه، ويرجع به على المدلّس ويكون للمولى.

ولو أُعتق قبل الفسخ فالأقرب أنّ‌ المرجوع به للعبد...

ولو أولد كان الولد رقّاً لمولاه إن كان المدلّس سيّدها، أو أذن لها مطلقاً، أو في التزويج به، أو بأيّ‌ عبد[3]

والحق أنّه لو تزوّج العبد بإذن مولاه واشترط حريّة الزوجة ضمن النكاح، ففي خصوص جواز الفسخ، وعدم المهر في حال الفسخ قبل الدخول، وثبوت المهر لمولى الأمة ـ إذا لم يكن المولی مدلّساً ـ إذا فسخ العبد العقد بعد الدخول، ورجوع مولى العبد على المدلّس لمطالبة عوض المهر، فالحكم كما قرّره العلامة.

لكن هنا مسألة وهي أنّه في نكاح العبد أو الأمة إذا وجدت موجبات الفسخ لأحد الزوجين، فهل يتعّلق حقّ الفسخ بأحد بالزوجين أو مواليهما أو الزوجين بإذن الموالي؟

الظاهر من الأخبار أنّه من حقّ الزوجين، وإطلاقها يشمل ما إذا كان الزوجان رقّاً أيضاً. إلا إذا قلنا: أنّ العبد والأمة محتاجان في جميع التصرّفات إلى إذن المولى فلا يحقّ لهما الفسخ بغير إذنه، ولكن لا وجه لقدرة المولى على الفسخ بغير طلب من الزوجين الرقّين ورضاهما ببقاء النكاح.

ثمّ إن أُعتق العبد فعلم بالتدليس في خصوص حريّة الزوجة، فالتعويض المطالب من المدلّس هل يملكه الزوج أو مولاه السابق؟

إنّ ما تقدّم في كلام العلامة كان تقريباً لكون ما يؤخذ من المدلّس ملكاً للزوج، وقال المحقّق الثاني في شرحه في جامع المقاصد: «وجه القرب أنّ الأصل في العوض وجوبه على من ملك المعوّض، فإنّ ذلك مقتضى المعاوضة، وإنّما يجب على غير المعاوض كما في المملوك إذا زوّجه مولاه، فإنّه لا يملك شيئاً، فإذا وقع النكاح بإذن المولى وجب عليه المهر لئلا يلزم الإضرار بالزوجة.

وكذا إذا زوّج الأب ابنه الصغير المعسر، فإذا دفع الأب والمولى المهر كان دفعه عن الابن والعبد، لأنّه وإن وجب عليهما إلا أنّ الوجوب بالتحمّل للعارض، فإذا طلّق الابن بعد بلوغه رجع نصف المهر إليه، لأنّ دفعه عنه في قوّة الهبة له...

وكذا القول في العبد إذا طلّق بعد عتقه، فإنّه يستحقّ نصف المهر، ولأنّ المهر قد خرج عن ملك المولى بدفعه إلى الزوجة وملكته، فإذا اقتضى الفسخ ملكه كان ملكاً مبتدئاً ناشئاً عن إخراج المعوّض عن الملك، فيكون للمعتق، لأنّه في مقابله، ولأنّ وجوبه بسبب فسخ النكاح وهو متعلّق بالمعتق ولا تعلّق للمولى به، فيكون له كسائر ما يكتسبه بعد الحرّيّة، لأنّ المانع من ملكيّته ـ وهو رقّه ـ منتفٍ.

ويحتمل عوده إلى المولى لأنّ المقتضي لوجوبه ـ وهو العقد ـ وقع متزلزلاً، فيكون وجوبه متزلزلاً، فإذا حصل الفسخ عاد إلى المولى، لعدم انقطاع علاقته به.

وفيه ضعف، لأنّ وجوبه ثبت واستقرّ بالدخول وانقطعت علاقة المولى عنه، وتزلزل العقد لا يقتضي تزلزله، لأنّ الواجب بالفسخ غيره.

وقد يوجّه الاحتمال بأنّ المهر لم يدخل في ملك العبد بحال حين دفعه المولى، لأنّه لا يملك، فلا يعود إليه.

وفيه نظر، لأنّ وجوبه على المولى بالتحمّل عن العبد، فله به علاقة، وعدم ملكه إيّاه لوجود المانع ـ وهو الرقّيّة ـ لا يمنع ملكه إيّاه بسبب الفسخ الذي هو حقّه بعد زوال المانع، ومن هذا يظهر أنّ ما قرّبه المصنّف قريب.»[4]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo