< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / إشتراط كونها بكراً فوجدها ثيّباً

 

قال المحقّق الحلّي: «الخامسة: إذا تزوّج امرأة وشرط كونها بكراً فوجدها ثيّباً، لم يكن له الفسخ، لإمكان تجدّده بسبب خفيّ، وكان له أن ينقص من مهرها ما بين مهر البكر والثيّب، ويرجع فيه إلى العادة. وقيل: ينقص السدس، وهو غلط.»[1]

المسألتان الثالثة والرابعة متعلّقتان بالعبيد والإماء ولا جديد فيهما يفيدنا في المسائل المبتلی بها في عصرنا فنترك ذكرهما.

أمّا المسألة الخامسة فمهمّة وهي محلّ ابتلاء في عصرنا.

وعلينا أوّلاً لتحقيق المسألة أن ندرس معنى: «البكر» و«الثيّب» بدقّة.

قال الخليل في کتاب العين: «البكر: التي لم تُمسّ من النساء بعد... والبكر من كلّ شئ: أوّله... وابتكر الرجل المرأة، أي: أخذ قِضّتها...»[2] ومثله کلام صاحب بن عبّاد في «المحيط في اللغة»[3] .

وقال الجوهري في الصحاح: «البِكر: العذراء، والجمع: أبكار، والمصدر: البَكارة، بالفتح.»[4] ومثله کلام الفيروزآبادي في القاموس.[5]

وقال الخليل أيضاً: «الثيّب: التي قد تزوّجت وبانت ـ بأيّ وجه كان ـ بعد أن مسّها، ولا يوصف به الرجل، إلا أن يقال: ولد الثيّبين، وولد البكرين.»[6]

وقال ابن أثير في النهاية: «الثيّب: من ليس ببكر، ويقع على الذكر والأنثى. رجل ثيب وامرأة ثيّب، وقد يطلق على المرأة المبالغة وإن كانت بكراً مجازاً واتّساعاً.»[7]

وقال الجوهري: «رجل ثيّب وامرأة ثيّب، الذكر والأُنثى فيه سواء. قال ابن السكّيت: وذلك إذا كانت المرأة قد دخل بها، أو كان الرجل قد دخل بامرأته. تقول منه: قد ثُيّبت المرأة.»[8]

وقال ابن منظور في لسان العرب: «قال الأصمعي: امرأة ثيّب ورجل ثيّب: إذا كان قد دُخل به أو دُخل بها، الذكر والأُنثى في ذلك سواء.»[9]

وقال في القاموس: «الثيّب: المرأة فارقت زوجها، أو دُخل بها.»[10]

يعلم ممّا تقدم أنّ البكر في اللغة هي غير الممسوسة والعذراء، والقدر المتيقّن منه غير المدخول بها ـ سواء بالنكاح أو بغيره ـ وأمّا إذا تزوّجت المرأة ثمّ انفصلت عن الزوج من غير دخول، فليس من المتيقّن صدق البكر عليها.

كما أنّ المراد من الثيّب هو المرأة التي تقابل البكر، والقدر المتيقّن منه المرأة المدخول بها، وأمّا إذا تزوّجت المرأة وانفصلت عن الزوج من غير دخول، فصدق الثيّب عليها مشكل، كما أنّ أهل اللغة أيضاً اختلفوا في ذلك، فعلّق بعضهم ثبوت الثيبوبة على تحقّق الدخول بعد النكاح وقبل الفراق، بينما ذهب آخرون إلى أنّ مجرد النكاح كافٍ للثيبوبة، فجعلوه قسيماً للدخول.

لكنّ القدر المتيقّن من كلمات أهل اللغة هو أنّه لم يجعل أيّ منهم البكارة بمعنى وجود غشاء البكارة ولم يقولوا بكون الثيبوبة على عكسه. فالحقّ أنّ وجود غشاء البكارة أمارة عرفيّة على البكارة، وبالنتيجة إذا زالت بغير الدخول فهي لا توجب عدم صدق البكر عليها، كما أنّه لو دُخل بإمرأة ولكن طبيعة جسدها كان بنحو لم يزل غشاء بكارتها على حاله، أو أنّها أصلحته بعد الدخول، فهذا لا يمنع من صدق «الثيّب» عليها.

وأمّا الأخبار الواردة في المقام فلا تزيد على اثنين:

1 ـ صحيحة محمّد بن‌ القاسم‌ بن‌ فضيل‌ عن‌ أبي الحسن‌(ع)‌: «في الرجل‌ يتزوّج‌ المرأة‌ على أنّها بكر فيجدها ثيّباً، أيجوز له‌ أن‌ يقيم‌ عليها؟ قال:‌ فقال:‌ قد تفتق‌ البكر من‌ المركب‌ ومن‌ النزوة.»[11] [12]

والظاهر منها أنّ السائل بما أنّه احتمل زنا المرأة لثيبوبتها، فقد سألة الإمام(ع) عن جواز استمرار نكاحها، وليس يسأل عن جواز الفسخ أو عدمه.

ويظهر من إجابة الإمام(ع) أيضاً أنّه(ع) أراد بيان عدم إحراز الموضوع، بمعنى أنّ عبارة السائل حيث قال: «فوجدها ثيّباً» بما أنّه يستفاد منها أنّ الدليل على الثيبوبة ليس إلا فقد غشاء البكارة، فالإمام(ع) يقول في الإشكال على هذا الدليل: إنّ انعدام غشاء البكارة لا يدلّ على الثيبوبة، إذ يمكن زوالها بأمر غير الدخول بها.

فالمستفاد من الرواية أنّه على الرغم من أنّ وجود غشاء البكارة أمارة شرعيّة على البكارة إلا أنّ عدمها ليس أمارة شرعيّة على الثيبوبة.

وبعدم إحراز التدليس لا وجه لاستحقاق الزوج الفسخ.

2 ـ صحيحة محمّد بن‌ جزّك‌، قال‌: «كتبت‌ إلى أبي الحسن(ع) أسأله‌ عن‌ رجل‌ تزوّج‌ جارية‌ بكراً فوجدها ثيّباً، هل‌ يجب‌ لها الصداق‌ وافياً أم‌ ينتقص؟ قال:‌ ينتقص‌.»[13] [14]

وهذه الرواية أيضاً لا تدلّ على جواز الفسخ أو عدمه، بل تتحدّث عن إمكانيّة التنقيص من المهر ممّا سنتحدّث عنه لاحقاً إن شاء الله.

فلا رواية في المقام للدلالة على جواز أو عدم جواز فسخ النكاح مع تدليس الزوجة.

وأمّا أقوال الفقهاء في المسألة فهي تصنّف إلى قسمين:

القول الأوّل: عدم جواز فسخ النكاح

قال الحلبي في الکافي: «وإن تزوّج بكراً فوجدها ثيّباً فأقرّت الزوجة بذلك حسب أو قامت به البيّنة، فليس بعيب يوجب الردّ ولا نقصاناً في المهر. وإن فقدت البيّنة والإقرار فقذفها الزوج بذلك عزّر.»[15]

وقال الشيخ في النهاية: «إذا عقد على امرأة على أنّها بكر فوجدها ثيّباً، لم يكن له ردّها، غير أنّ‌ له أن ينقص من مهرها شيئاً[16] ومثله کلام ابن إدريس في السرائر.[17]

وقال ابن حمزة: «ما سوى ذلك لا يؤثّر في الفسخ... وإذا عقد عليها على أنّها بكر فوجدها ثيّباً نقص شيئاً من مهرها إن شاء.»[18]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo