< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / تزوّج الرجلان بإمراتين

 

قال العلامة في المختلف: «الرواية ضعيفة مرسلة، وتحمل على أنّ‌ المرأتين ليس لهما ولد، فيرجع الزوجان بالنصف ممّا دفعاه مهراً على سبيل الميراث.»[1]

ولكن توجيهه وإن صحّ في صورة موت الزوجة، لكنّه لا يبرّر تنصيف المهر حال موت الزوج.

وقال الشهيد الثاني في المسالك: «هذا الحمل ـ مع بعده ـ يتمّ‌ في جانب الزوج دون الزوجة، لحكمه لها أيضاً بالنصف. مع أنّ أوّل الرواية تضمّن حصول الغشيان ووجوب الصداق وآخرها اقتضى ثبوت النصف بالموت، وحملها على ما لو وقع ذلك قبل الدخول خلاف ظاهرها. وعلى كلّ‌ تقدير فاطّراح الرواية لما ذكر من وجه الضعف أولى من تكلّف حملها على ما لا تدلّ‌ عليه.»[2]

وأجاب عنه صاحب الحدائق: «إنّ كلاً من المرأتين المذكورتين لها صداقان، أحدهما ـ وهو مهر المثل ـ على الواطي لها، وهو المذكور في صدر الرواية، والمهر الآخر المسمّى في العقد على الزوج، وهذا هو الذي وقع السؤال عن وجوبه كملاً أو تنصيفه بالموت، وهي مسألة مشهورة وأخبارها من الطرفين مأثورة، وهذا الخبر من جملتها، وبذلك يظهر أنّه لا طعن من هذه الجهة لوجود القائل، ودلالة الأخبار على تنصيف المهر في الموضعين، ولا ضرورة إلى ما تكلّفه في المختلف ولا غيره.»[3]

وأجاب صاحب الجواهر عن إشکال الشهيد الثاني: «المحتاج إلى التأويل فيها التنصيف بموت الزوجة دون العكس الذي ستسمع دلالة كثير من النصوص عليه.»[4]

والحقّ في المسألة ما ذهب إليه صاحب الحدائق، وكما أنّ هناك روايات تدلّ عل تنصيف المهر في حالة موت الزوج قبل الدخول، فهناك روايات تدلّ على تنصيف المهر في حالة موت الزوجة قبل الدخول، وهذا ما دعى الشيخ إلى التفصيل، وسيأتي البحث عن تنصيف المهر أو عدمه في الصورتين في مباحث المهر إن شاء الله.

ولا وجه لحقّ الزوج للفسخ للتدليس في فرض المسألة وإن كان الزوج قد اشترط ضمن العقد على الزوجة البكارة حتّى الدخول بها، لأنّه يرجع إلى اشتراط عدم الفعل ومخالفة هذا الشرط لا يعدّ من مصاديق التدليس، كما لا يمكن الأخذ بالخيار في النكاح من باب تخلّف الشرط.

ولكن رجوع كلّ من الزوجين على الغارّ الذي تسبّب بحدوث هذا الخطأ للمطالبة بالتعويض عن الضرر المتوجّه لهما من حيث لزوم دفع مهر مثل زوجة الآخر بسبب وطء الشبهة، فهو مطابق لقاعدة الغرور، بشرط أن يصدق الغرور، ومجرّد الخطأ الحاصل عن غير علم وعمد ليس من مصاديق الغرور.

نعم إذا أقدمت كلّ من الزوجتين على ذلك عالمةً عامدةً، فلن تستحقّ مهرها، وهذا لا علاقة له بقاعدة الغرور وإنّما بسبب عدم استحقاق البغيّ للمهر.

ولکن قال المحقّق الثاني: «إن تعمّد الوليّ والزوجة أو كانا جاهلين، فالغرم عليها دون الوليّ، لأنّ سببيّتها أقوى. نعم، يستثنی لها أقلّ ما يصلح مهراً.

وإن تعمّد أحدهما خاصّة فالغرم مختصّ به، فإن تعمّدت هي فلابدّ من استثناء الأقلّ، ولو علم الزوج بالحال وجهلت المرأة غرم مهر المثل ولا يرجع به على أحد، وينبغي تأمّل هذا التفصيل لأنّي لم أجد به قائلاً.»[5]

واستشکل عليه صاحب الجواهر قائلاً: «قلت: مع أنّ فيه منافاة لقاعدة عدم المهر لبغيّ مع فرض كونها المتعمّدة، فلا وجه لاستثناء أقلّ ما يصلح، بل يقال: بأنّ له الرجوع على كلّ منهما مع فرض كون الغرور من كلّ منهما إذا كانا جاهلين أو توزّع الغرامة عليها. اللهمّ إلا أن يكون غرور الوليّ منها فغرّ الزوج، فإنّ القرارٍ حينئذٍ عليها.»[6]

والحقّ صحّة بعض ما ذكره صاحب الجواهر، فأوّلاً: في صورة علم الزوجة، فهي زانية لا مهر لها. وثانياً: في فرض وجوب المهر أيضاً، فلا وجه لاستثناء أقلّ ما يتموّل به. وثالثاً: في صورة الاشتراك في الغرور، فلا وجه لترجيح أحد الغارّين على الآخر في الرجوع، لأنّ قاعدة الغرور لا تستند إلى أقوائية السبب وإنّما إلى مجرّد وجود الغرور.

ولكن لا يمكن تصوير تعدد الغارّ بنحو طوليّ، لأنّ الفرد الثاني لو تسبّب من غير علم باشتباه المغرور، فلا يصدق عليه عنوان الغارّ، وإذا كان يعلم بالواقع، فلا يصدق عليه عنوان المغرور. إذن لو تسبّب أحد باشتباه شخص والثاني أوقع شخصاً آخر في الاشتباه وتوجّه الضرر إليه، فلو علم الثاني بالواقع، فللمتضرّر أن يعود عليه ويطالبه بالتعويض عن الضرر، ولا يحقّ له الرجوع إلى الأوّل. وإن لم يكن للثاني علم بالواقع، فليس للمتضرّر أن يرجع على أحد، لأنّ عنوان الغارّ لا يصدق على من أوقعه في الاشتباه، ومن أوقع الثاني في الاشتباه عامداً فلا تستند إليه الأضرار المتوجّهة للمتضرر، إلا إذا قام بذلك قاصداً الإضرار بالمتضرّر.

لكن ما تقدم في كلام المحقّق الثاني من دعوى أنّه لو كان الزوج وكذا الزوجة ووليّها جاهلين، فالغُرم على الزوجة، وكذا إسناد ذلك إلى أقوائيّة سببيّة الزوجة، فهذه دعوى غير صحيحة، إذ في فرض انتفاء العلم، لا غرور، وبالنتيجة إمّا أن يستند ذلك إلى قاعدة التسبيب التي يلزم منها أقوائيّة السبب ـ أي الزوجة ـ عن المباشر، ممّا لا يمكن الالتزام به، لأنّ قاعدة التسبيب إنّما تجري فيما عدّ المباشر كالآلة عرفاً وليس ما نحن فيه من هذا القبيل.

وإمّا إلی أُمور أُخری نذکرها في الجلسة الآتية إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo