< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / حدّ المهر من حيث القلّة و الکثرة

 

قال المحقّق الحلّي:

«ولا تقدير في المهر بل ما تراضى عليه الزوجان وإن قلّ ما لم يقصر عن التقويم، كحبّة من حنطة. وكذا لا حدّ له في الكثرة.

وقيل بالمنع من الزيادة عن مهر السنّة، ولو زاد ردّ إليها؛ وليس بمعتمد.»[1]

لا خلاف في أنّه لا حدّ للمهر من حيث القلّة إلا أنّه يجب أن لا يكون بنحو لا يصدق عليه عنوان «المال» عرفاً.

قال المحقّق الثاني: «لا خلاف عند أصحابنا في أنّ المهر لا يتقدّر قلّة إلا بأقلّ ما يتملّك.»[2] ومثله کلام الشهيد الثاني في المسالك[3] والمحدّث البحراني[4] .

بل ادّعی بعض الأصحاب الإجماع عليه.

قال الفاضل الآبي: «أمّا الأوّل ـ وهو عدم تقدّره قلّة ـ فإجماعيّ.»[5]

وقال السيّد العاملي: «أجمع الأصحاب على أنّ المهر لا يتقدّر قلّة إلا بأقلّ‌ ما يتملّك.»[6]

علماً بأن التعبير بـ «أقلّ ما يتملّك» الوارد في كلمات الأصحاب فهو تعبير غير دقيق، والتعبير الدقيق هو ما ورد في عبارات المحقّق، أي: «أقلّ ما يتموّل» لأنّه لا حدّ للملكيّة بحيث يمكن حتّى تملّك قشّة أو حبّة قمح وإن لم يكن لهما ماليّة.

والدليل على عدم الحدّ للمهر من حيث القلّة قبل الإجماع، هي الروايات المتقدّمة في صدر البحث الدالّة على أنّ تعيين الصداق قلّةً وكثرةً بيد الزوجين، وإطلاقها يشمل كلّ ما يصدق عليه المال وإن كان في أدنى قدر من الماليّة.

بل ورد في بعض الأخبار بشأن مقدار المهر من حيث القلّة، ما يدلّ على ذلك:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(ع)، قال: «قلت له: ما أدنی ما يجزئ من المهر؟ قال: تمثال من سکّر.»[7] [8]

قال المولی محمّد باقر المجلسي في شرحها في الملاذ: «التمثال من السكّر تمثيل لأقلّ ما يتموّل كما ذكره الأصحاب.»[9]

ولكن ورد في بعض آخر من الأخبار ما يدلّ على أنّه لا ينبغي جعل المهر أقلّ من 10 دراهم، وهو خبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه(ع)، قال: «قال علي(ع): إنّي لأکره أن يکون المهر أقلّ من عشرة دراهم لئلا يشبه مهر البغيّ.»[10] [11]

ولكنّه ـ مضافاً إلی ضعفه سنداً ـ لا يدلّ على الحرمة ولا يمكنه أن يعارض إطلاق الأخبار السابقة وكذا صحيحة محمّد بن مسلم.

فلذا قال الصدوق بعد نقله الخبر في العلل: «جاء هذا الحديث هكذا، فأوردته في هذا المكان لما فيه من ذكر العلّة. والذي أعتمده وأُفتي به أنّ المهر هو ما تراضيا عليه، ما كان ولو تمثال سكّرة.»[12]

ولصاحب الجواهر كلام في هذه المسألة يظهر منه أنّ المهر ينبغي أن لا يكون سفهيّاً حيث قال: «لا تقدير في المهر في جانب القلّة بل ما تراضي عليه الزوجان وإن قلّ ما لم يقصر عن التقويم كحبّة من حنطة ونحوها ممّا يعدّ نقله عوضاً من السفه والعبث.»[13]

ولكن إشكاله أوّلاً: أنّ الموجب لفساد المعاملات المعاوضيّة الماليّة هو سفاهة طرف العقد، ولا دليل على بطلان المعاملة السفهيّة.

وثانياً: حتّى لو سلّمنا بفساد المعاملات المعاوضيّة الماليّة فيما إذا کانت سفهيّة، ولكن لا علاقة لذلك بما نحن فيه، إذ كرّرنا سابقاً أنّ المهر ليس عوضاً عن البضع، بل هو حكم شرعيّ موضوعه النكاح أو الوطء المحترم.

وأمّا بالنسبة إلى الكثرة، فللأصحاب قولان:

القول الأول: عدم الحدّ من جهة الكثرة للمهر.

وهو المشهور بين الأصحاب.

قال العلامة في المختلف: «المشهور عند علمائنا: أنّ‌ المهر لا يتقدّر كثرة، فيجوز العقد على أكثر من مهر السنّة أضعافاً مضاعفة، ذهب إليه الشيخان، وابن أبي عقيل، والظاهر من كلام الصدوق في المقنع، ونصّ‌ عليه سلار، وأبو الصلاح، وابن البرّاج، وابن إدريس.»[14]

وقال الصيمري: «أمّا في طرف الكثرة فالمشهور عدم تقديره أيضاً، لأنّه عقد معاوضة يرجع فيه إلى تراضي المتعاوضين.»[15]

بل ادّعى جماعة الإجماع عليه.

قال ابن زهرة: «المهر ما تراضی عليه الزوجان، دائماً كان العقد أو مؤجّلاً، ممّا له قيمة ويحلّ تملّكه، قليلاً كان أو كثيراً... بدليل إجماع الطائفة.»[16]

وقال الفاضل الآبي: «وأمّا الثاني ـ وهو عدم تقدّره كثرة مع تراضيهما بذلك ـ ...عليه الفتوى والإجماع اليوم.»[17]

وقال في الرياض: «لا تقدير للمهر في القلّة ما لم يقصر عن التقويم... ولا في الكثرة على الأشبه، بل يتقدّر بالتراضي بينهما، وهو الأشهر بين الطائفة، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة، وربما أشعر بحكايته عبارة العلامة، وحكي صريحاً عن بعض الأجلّة.»[18]

القول الثاني: عدم جواز جعل الزائد على مهر السنّة

قال الصدوق في الفقيه: «السنّة المحمّديّة في الصداق خمسمائة درهم، فمن زاد علی السنّة ردّ إلی السنّة. فإن أعطاها من الخمسمائة درهم درهماً واحداً أو أکثر من ذلك ثمّ دخل بها، إنّما لها ما أخذت منه قبل أن يدخل بها.

وکلّ ما جعلته المرأة من صداقها ديناً علی الرجل فهو واجب لها عليه في حياته وبعد موته أو موتها.

والأولى أن‌ لا يطالب‌ الورثة‌ بما لم‌ تطالب‌ به‌ المرأة‌ في حياتها ولم‌ تجعله‌ ديناً لها على زوجها. وكلّ‌ ما دفعه‌ إليها ورضيت‌ به‌ عن‌ صداقها قبل‌ الدخول‌ بها، فذاك‌ صداقها.

وإنّما صار مهر السنّة خمسمائة‌ درهم‌ لأنّ‌ الله‌ تبارك‌ وتعالى أوجب‌ على نفسه‌ أن‌ لا يكبّره‌ مؤمن‌ مائة‌ تكبيرة‌ ولا يسبّحه‌ مائة‌ تسبيحة‌ ولا يهلّله‌ مائة‌ تهليلة‌ ولا يحمّده‌ مائة‌ تحميدة‌ ولا يصلّي‌ على النبيّ‌ وآله(ع)‌ مائة‌ مرّة‌ ثمّ‌ يقول‌: اللهمّ‌ زوّجني من‌ الحور العين‌ إلا زوّجه‌ الله‌ حوراء‌ من‌ الجنّة‌ وجعل‌ ذلك‌ مهرها.»[19] ونظيره کلامه في الهداية.[20]

وقال السيّد المرتضی في الانتصار: «وممّا انفردت به الإماميّة أنّه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جياداً قيمتها خمسون ديناراً، فما زاد على ذلك ردّ إلى هذه السنّة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.

والحجّة بعد إجماع الطائفة: أنّ قولنا: «مهر» يتبعه أحكام شرعيّة، وقد أجمعنا على أنّ الأحكام الشرعيّة تتبع ما قلنا به إذا وقع العقد عليه، وما زاد عليه لا إجماع على أنّه يكون مهراً، ولا دليل شرعيّاً، فيجب نفي الزيادة.»[21]

ثمّ إنّ القائلين بالقول الأوّل قد استدلّوا ـ مضافاً إلى إطلاق الأخبار السابقة من كون مقدار المهر بيد الزوجين كثرة وقلّة ـ بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾[22] .

قال في تفسير الميزان: «المعنى: إن أردتم أن تطلّقوا بعض أزواجكم وتتزوّجوا بأُخرى مكانها، فلا تأخذوا من الصداق الذي آتيتموها شيئاً وإن كان ما آتيتموها مالاً كثيراً وما تأخذونه قليلاً جدّاً.»[23]

ولکن قال فخرالدين الرازي: «قالوا: الآية تدلّ على جواز المغالاة في المهر... وعندي أنّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة، لأنّ قوله: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً﴾ لا يدلّ على جواز إيتاء القنطار، كما أنّ قوله: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾[24] لا يدلّ على حصول الآلهة. والحاصل أنّه لا يلزم من جعل الشي‌ء شرطاً لشي‌ء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع.»[25]

لكن من الواضح عدم نهوض استدلال الفخر الرازي، لأنّ المترتّب على الشرط في الآية الشريفة هو عدم جواز استرجاع المال المبذول، بينما لو لم يكن إعطاء ذلك المال جائزاً فإنّ المرأة لم تكن تملكه شرعاً، فكان يجوز استرجاعه.

إلا أن يقال: قد يكون إعطاء المال الكثير للمرأة محرّماً تكليفاً، ولكن بعد إعطائها إيّاه فهي تملكه وضعاً.

لكنّه لا يتوافق مع دعوى من ذهب إلى فساد المهر في الزائد على مهر السنّة، على أنّه لا يتوافق مع ظاهر قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً[26] إذ يظهر منه تجويز إعطائها المال الكثير.

فإن قيل: لم يرد في الآية عنوان الصداق، وقد يكون المراد من المال الكثير فيها ما أعطاها الرجل من أمواله لا بعنوان الصداق.

فيجاب بأنّ سياق الآيات التي وردت في ضمنها الآية المذكورة ظاهر في كون المهر هو المراد من المال الكثير في الآية الشريفة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo