< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / كفاية المشاهدة في المهر

 

قال المحقّق الحلّي:

«ويكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضراً ولو جهل وزنه أو كيله، كالصبرة من الطعام والقطعة من الذهب...

ولو تزوّجها على خادم غير مشاهد ولا موصوف، قيل: كان لها خادم وسط. وكذا لو تزوّجها على بيت مطلقاً، استناداً إلى رواية علي بن أبي حمزة، أو دار، على رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن(ع).»[1] .

هل يشترط معلوميّة مقدار المهر في تعيينه ـ بالنحو الذي يجب معلوميّة المبيع ـ أم أنّه يكفي تعيينه إجمالاً؟ أم أنّه لا يشترط التعيين حين العقد أساساً، ويمكن ذكره مبهماً حينه؟

قال العلامة في القواعد: «إنّما يفيد ذكره التعيين والتقدير، فيشترط في صحّته مع ذكره التعيين، إمّا بالمشاهدة ـ وإن جهل كيله ووزنه كقطعة من ذهب أو قبّة من طعام ـ أو بالوصف الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر، فلو أبهم فسد وصحّ‌ العقد[2]

وقال في المسالك: «لمّا كان النكاح ليس على حدّ المعاوضات الحقيقيّة والركن الأعظم فيه الزوجان والمهر دخيل على العقد، لم يعتبر في العلم به ما يعتبر في غيره من أعواض المعاوضات كالبيع، بل يكفي مشاهدته عن اعتباره بالكيل والوزن والعدّ، و إن كان الأصل فيه الاعتبار بأحدها، لزوال معظم الغرر بالمشاهدة واغتفار الباقي في هذه المعاوضة[3]

وقال صاحب الحدائق: «قد صرّح الأصحاب بأنّ المهر إذا ذكر في العقد، فلابدّ من تعيينه ليخرج عن الجهالة، إمّا بالإشارة ـ كهذا الثوب وهذه الدابة ـ أو بالوصف الذي يحصل به التعيين.

وظاهرهم أنّه يكفي فيه المشاهدة وإن كان مكيلاً أو موزوناً وأمكن استعلامه بها، بل صرّح بذلك جملة منهم، كالصبرة من الطعام والقطعة من الفضّة أو الذهب، ومرجع ذلك إلى المعلوميّة في الجملة من غير استقصاء لجميع طرقها، قالوا: والوجه فيه أنّ النكاح ليس على حدّ المعاوضات الحقيقيّة، والركن الأعظم فيه الزوجان، والمهر دخيل فيه لم يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من المعاوضات المحضة.»[4]

وقال في الرياض: «تكفي فيه المشاهدة عن اعتبار كيله أو وزنه أو عدّه، كقطعة من ذهب مشاهدة لا يعلم وزنها، وقبّة من طعام لا يعلم كيلها، لارتفاع معظم الغرر بذلك واغتفار الباقي في النكاح، لأنّه ليس معاوضة محضة بحيث ينافيه ما زاد منه، كما قطع به الأصحاب.»[5]

فالمستفاد من كلماتهم أنّه لا يمكن ذكر المهر كلّيّاً مبهماً ـ فيقول مثلاً: «جعلت مهرك مالاً» ـ ولكن لا يشترط في صحّة المهر تعيين الأوصاف والمقادير بالدقّة المطلوبة في معاوضات كالبيع، بل يكفي تعيينه بالوصف أو الإشارة.

فإذا عُلم أنّ بداخل الإناء المغلق مالٌ ولم يُعلم وصفه و مقداره ونوعه، فلا يصحّ أن يقال: «إنّ المهر هو كلّ ما في داخل الإناء».

ولكن أشكل صاحب الجواهر (ره) على ذلك وقال: «لكنّ التأمّل التامّ يورث إشكالاً في المقام، ضرورة أنً المهر إن كان مع ذكره يعتبر فيه ما يعتبر في المعاوضات ـ كما صرّح به غير واحد، بل نفي عنه الخلاف، بل ربما نسب إلى قطع الأصحاب ـ ينبغي أن لا يكتفى فيه بالمشاهدة ـ التي قد عرفت نفي الخلاف عن الاكتفاء بها أيضاً ـ كما لم يكتف فيها.

وإن لم يعتبر فيه ذلك فلا وجه للبطلان بالجهالة في بعض الأوصاف والقدر ونحو ذلك، ضرورة كونه حينئذٍ من قبيل الخطابات الشرعيّة في الزكاة والكفّارة والعتق والنذر والوصية ونحوها ممّا لا يعتبر فيها المعلوميّة، ويكفى المطلق عنواناً لها.»[6]

على أنّ بعض روايات الباب ذكر فيها خلاف دعوى الأصحاب.

منها: معتبرة عليّ‌ بن‌ أبي حمزة‌، قال‌: «قلت‌ لأبي الحسن‌ الرضا(ع):‌ تزوّج‌ رجل‌ امرأة‌ على خادم؟‌ قال:‌ فقال‌ لي: وسط من‌ الخدم.‌ قال:‌ قلت:‌ على بيت؟‌ قال: وسط من‌ البيوت.»[7] [8]

ومنها: معتبرة أُخری لعليّ‌ بن‌ أبي حمزة‌، قال‌: «سألت‌ أبا إبراهيم‌(ع)‌ عن‌ رجل‌ زوّج‌ ابنته‌ ابن‌ أخيه‌ وأمهرها بيتاً وخادماً ثمّ‌ مات‌ الرجل؟‌ قال:‌ يؤخذ المهر من‌ وسط المال‌. قال:‌ قلت:‌ فالبيت‌ والخادم؟‌ قال:‌ وسط من‌ البيوت والخادم‌ وسط من‌ الخدم.‌ قلت:‌ ثلاثين‌ أربعين‌ ديناراً والبيت‌ نحو من‌ ذلك‌. فقال:‌ هذا سبعين‌ ثمانين‌ ديناراً أو مائة‌ نحو من‌ ذلك‌.»[9] [10]

وهاتان الروايتان وإن كانتا مرويّتين عن عليّ بن أبي حمزة الواقفيّ الملعون، إلا أنّ الراوي عن أبي حمزة في الرواية الأُولى هو ابن أبي عمير وفي الثانية عليّ بن الحكم وكلاهما من أجلاء الأصحاب، وقلنا فيما سبق أنّه إن كان الرواة عن علي بن أبي حمزة من الأجلاء فهذا قد يشكّل قرينة على أنّ نقلهم عنه كان في زمن سلامة عقيدته، فمن البعيد أن ينقل عنه هؤلاء بعد وقفه وما صدر بحقّه من الذمّ واللعن عن الإمام الرضا(ع)، ولذلك لا يبعد اعتبار الروايتين.

ومنها: مرسلة ابن‌ أبي عمير عن‌ بعض‌ أصحابنا عن‌ أبي الحسن(ع)‌: «في رجل‌ تزوّج‌ امرأة‌ على دار؟ قال:‌ قال:‌ لها دار وسط.»[11] [12]

المستفاد من هذه الأخبار كفاية مجرّد ذكر عنوان المهر لتعيينه وعدم ضرورة ذكر الوصف والكيفيّة، بل ينبغي حمل المهر على القدر المتوسّط منه على الرغم من ذكر العنوان، وادّعي عليه عدم الخلاف والإجماع أيضاً.

وللکلام تتمّة نأتي به في الجلسة القادمة إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo