< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / جواز النكاح بأكثر من امرأة في عقد واحد

 

قال المحقّق الحلّي:

«ويجوز أن يتزوّج امرأتين أو أكثر بمهر واحد ويكون المهر بينهنّ بالسويّة. وقيل يقسّط على مهور أمثالهنّ، وهو أشبه.»[1]

ينبغي دراسة الفرع الذي طرحه المحقّق الحلّي (ره) في مقامين:

المقام الأول: جواز النكاح بأكثر من امرأة في عقد واحد

قال المحدّث البحراني: «الظاهر أنّه لا خلاف ولا إشكال في صحّة النكاح لو تزوّج امرأتين فصاعداً في عقد واحد بمهر واحد.»[2]

بل قال جماعة بجواز إنكاح عدّة رجال بعدّة نساء في عقد واحد.

قال الشهيد الثاني في المسالك: «لو زوّج أمتيه من رجل على صداق واحد، صحّ‌ النكاح والصداق قولاً واحداً، لأنّ المستحقّ‌ هنا واحد، فهو كما لو باع عبدين بثمن واحد. ولو كان له بنات ولآخر بنون فزوّجهنّ‌ صفقة واحدة بمهر واحد ـ بأن قال: زوّجت بنتي فلانة من ابنك فلان، وفلانة من فلان إلخ بألف ـ ففي صحّة الصداق كالسابقة وجهان، وأولى بالبطلان هنا لو قيل به ثَمّ، لأنّ تعدّد العقد هنا أظهر، لتعدّد من وقع العقد له من الجانبين.»[3]

ويستفاد ممّا أشار إليه في تعليقه والاقتصار على الوجهين في مجرد صحّة المهر وبطلانه، أنّ صحّة العقد عنده مفروغ عنها.

وأمّا في خصوص المراد من اتّحاد العقد، فقد قال صاحب الجواهر: «المراد باتّحاد العقد اتّحاد إيجابه وقبوله أو أحدهما، فتعدّده يكون بتعدّدإيجابه وقبوله.»[4]

ثمّ فرّع على ذلك فقال: «وعلى ذلك يمكن اجتماع البيع والنكاح وغيرهما من العقود بعقد واحد فضلاً عن اجتماع المنقطع والدائم بأن يقول: «بعتك العبد وآجرتك الدار وزوّجتك فاطمة بكذا» فيقول الرجل مثلاً: «قبلت كلّ ذلك»؛ لإطلاق الأدلّة وعمومها من الأمر بالوفاء بالعقود وغيره.»[5]

ولكنّ الحقّ أنّ مجرّد وحدة الإيجاب أو القبول لا يؤدّي إلى وحدة العقد، بل يجب أن يكون الإيجاب واحداً مضافاً إلى كون مورد العقد بنحو يمكن اعتباره واحداً.

تحقيق المسألة أنّه إذا تعدّد الإيجاب، فلا يكفي مجرّد وحدة القبول لفظاً، لأنّ الاكتفاء بلفظ واحد في القبول يكون لحذف باقي ألفاظ القبول بقرينة لفظيّة ـ كما لو تعدّدت أطراف العقد وقال الأوّل: «بعتك داري بمائة دينار» وقال الثاني: «آجرتك بيتي شهراً بخمسين درهم» وقال الثالث: «زوّجتك بنتي» فقال القابل لجميع هذه الإيجابات بلفظ واحد: «قبلت» فلا يعني ذلك وحدة العقد، بل هو حذف لسائر ألفاظ القبول بقرينة لفظيّة واكتفاء بلفظ واحد للقبول بعدّة عقود، وبعبارة أُخرى فمعنى عبارته: «قبلت الجميع» ـ وهذا لا يكفي في وحدة العقد.

إذن، فالشرط الأوّل في وحدة العقد هو وحدة الإيجاب وبالنتيجة لا يمكن الالتزام بما قاله صاحب الجواهر من أنّه يمكن البيع والنكاح وغيرهما بعقد واحد.

ولكن كما تقدّم فمجرّد وحدة الإيجاب لا يكفي في وحدة العقد، لأنّها إنّما تدلّ على وحدة العقد إذا أمكن اعتبار مورد العقد واحداً، كمن باع بيته وسيّارته معاً بثمن معيّن، ففي هذه الصورة يمكن أخذ البيت والسيارة شيئاً واحداً بمثابة المثمن اعتباراً. أو يبيع بيته مقابل مائة دينار مع سيّارة المشتري، فالمائة دينار مع السيارة يعتبران ثمناً واحداً، وذلك يجوز في طرفي البي

أمّا إذا كان العقد بنحو لم يمكن اعتبار الوحدة فيه ـ مثل أن يعقد علی امرأتين بإيجاب واحد، سواء تعدّد القبول أو ذكر القبول شخص واحد ولايةً أو وكالة عن المرأتين ـ فلا يمكن اعتبار العقد واحداً، بل يجب القول بأنّ العقد ينحلّ إلى عقدين عرفاً، ولذلك لو وجد موجب الفسخ في إحدى الزوجتين أو في الزوج، فللزوج أو لأيّ واحدة منهما أن يفسخوا العقد من غير أن يؤثّر ذلك على العقد الآخر، والحال أنّه إذا كان العقد واحداً، فإذا فسخ الزوج نكاحه بإحدى الزوجتين، فلا يمكن لنكاحه بالأُخرى أن يستمرّ.

ومن هنا قال صاحب الجواهر: «المتّجه بناءً على ما عرفت فسخ العقد بوجود العيب في إحدى الزوجتين أو أحد الزوجين، ضرورة اتّحاد العقد، ولا يتصوّر تبعيضه في الفسخ الطاري عليه ـ كما لو باع شيئين وكان أحدهما معيباً ـ ويلزم حينئذٍ ردّ نكاح الامرأة الصحيحة أو الرجل الصحيح من دون عيب ومع تراضي الزوجين وعدم إرادتهما الفسخ.

بل يتّجه حينئذٍ مع نظم العقود المتّحدة بقبول واحد فسخ النكاح منها وغيره بخيار في البيع مثلاً، لكون المفروض اتّحاد العقد الذي لا يتبعّض بالنسبة إلى ذلك.

ولو سلّم إمكان التزام تعدّد العقد في هذا الفرض وفرض تعدّد الزوجة، فلا محيص عن الحكم باتّحاده مع تعدّد الزوجة واتّحاد الزوج، فإنّ الإيجاب فيه والقبول كذلك، ومقتضاه انفساخ نكاح الصحيحة بفسخه في المعيبة، فينافي ما دلّ على عدم ردّ المرأة بغير العيوب السابقة.

كما أنّه قد يتوقّف من نظم العقود بتعدّد إيجابها واتّحاد قبولها وعوضها في اندراجها تحت اسم أيّ عقد، ومع فرض خروجه عنها ـ لكنّه يندرج تحت «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ـ يشكل جريان حكم كلّ عقد على متعلّقة، ويشكل فسخ النكاح بفسخ البيع وبالعك

ومن ذلك ونحوه قد يشكّ في أصل تعلّق عقد النكاح الواحد بالمتعدّد وإن لم يظهر فيه خلاف بينهم، بل قد يفرق بينه وبين البيع في ذلك ـ فضلاً عن غيره ـ بإمكان ملاحظة جهة الوحدة في المبيع ـ وإن تعدّد ـ على وجه يكون المجموع من حيث كونه كذلك، ولذا يثبت له خيار تبعّض الصفقة بخلافه في النكاح، فإنّ جهة الوحدة في النساء على معنىً يكون المجموع من حيث كونه كذلك منكوحاً غير صحيح.

وحينئذٍ يكون المدار في جواز التعدّد وعدمه في العقود على ذلك.

لكنّه منافٍ لكلام الأصحاب الذي يمكن ملاحظة جهة الوحدة الاعتباريّة فيه أيضاً، كما أنّه يمكن اعتبار ملاحظتها في الصحّة، للعمومات التي لا ينافي العمل بها التزام ما سمعته من الأحكام مع فرض اتّحاد العقد.

نعم، قد يمنع الاتّحاد عرفاً في بعض الصور المزبورة، بل كلّ صورة تعدّد فيها الإيجاب والقبول، ضرورة عدم أولويّة إلحاقه بالمتّحد باعتبار الاتّحاد في أحدهما من إلحاقه بالمتعدّد باعتبار التعدّد فيهما.

فالأولى حينئذٍ إلحاق حكم المتّحد من جهة والتعدّد من أُخرى، فيجري عليه حكم الواحد بالنسبة إلى مقابلة المهر، فلا يقدح جهالة التقسيط وحكم المتعدّد بالنسبة إلى الفسخ ونحوه، فتأمّل جيّداً فانّي لم أجده محرّراً.»[6]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo