< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / تعيين مهر كلّ مرأة في الفرض المذكور

 

لم يذكر في وجه بطلان المهر إلا لزوم الجهل بمهر أيّ من المرأتين، وما قيل في الجواب هو أنّ العقد لكونه واحداً فيكفي العلم بمجموع المهر، على أنّه يكفي في معلوميّة المهر أن يمكن التعيين ولو لاحقاً وإن لم يكن معلوماً حين العقد.

لكن يشكل الجواب الأوّل بأنّه كما تقدّم في المقام الأوّل، فإنّ العقد في هذه الموارد ينحلّ إلى عقود بعدد الزوجات، فلا يمكن القول بأنّ المهر الواحد مقرّر ضمن العقد ويكفي معلوميّته وإن لم يتمّ تعيين حصّة كلّ منهما.

ولا يتمّ الجواب الثاني إلا بما تقدّم سابقاً من أنّه هل يجب في تعيين المهر معلوميّة مقداره حين العقد أم يكفي معلوميّته في الواقع، وإن كان المقدار حين العقد مجهولاً للطرفين؟ وبما أنّه تقدّم في المسألة السابقة أنّ المعتبر في المهر هو تعيينه حين العقد لا معلوميّته عند الطرفين حين العقد، فيكفي في تعيينه أن يكون له واقع يمكن كشفه ولو لاحقاً حتّى لو لم يعلمه الطرفان حين العقد، فإذا قلنا بوجود طريق لتعيين المهر بعد العقد بحيث يراه العرف معيّناً في مثل هذه الموارد، فيمكن القول بصحّة المهر في الفرض المذكور، لأنّ مجموع المهر عندما يكون معلوماً فبناء على حصّة كلّ مرأة من المجموع يكون لكلّ منهنّ مهرٌ في الواقع وإن عُلم به لاحقاً.

وأمّا كيف يتمّ تعيين مهر كلّ مرأة في الفرض المذكور؟

في المسألة قولان:

القول الأول: تقسيط المهر بالسويّة

قال الشيخ في المبسوط: «إذا تزوّج أربع نسوة بعقد واحد بألف درهم، صحّ العقد والمهر. وقال بعضهم العقد صحيح والمهر على قولين... وعند بعضهم أنّ الصداق باطل في النكاح... لأنّ ما يستحقّ كلّ واحدة منهنّ تنقسط على مهر مثلها وذلك مجهول. وإذا قلنا: إنّ العقد صحيح والصداق صحيح، وكان لكلّ واحدة منهنّ ربع الألف وذلك ليس بمجهول.»[1] ومثله کلام ابن البرّاج في المهذّب.[2]

القول الثاني: تقسيط المهر بنسبة مهر المثل

قال العلامة في المختلف: «لو تزوّج امرأتين وأكثر بمهر واحد قال الشيخ في المبسوط: يكون بالسويّة بينهما... عملاً بالأصل. وقيل: يقسّط على مهور الأمثال كما لو تزوّج وباع، وهو الأقوى.»[3]

وقال صاحب الحدائق: «على تقدير القول بالصحّة يقسّط المسمّى على كلّ واحدة ليعرف مقدار ما يخصّها من المهر، وفيه وجهان بل قولان:

أحدهما: وهو قول الشيخ في المبسوط وتبعه ابن البراج أنّه يقسّم بينهنّ بالتسوية، فيقسّم على الزوجين أنصافاً وعلى الثلاث أثلاثاً و هكذا.

وعلّل بأنّه الأصل في إطلاق الاستحقاق إذا قيل: «لفلان وفلان كذا» والترجيح على خلاف الأصل.

والثاني: وهو اختيار المحقّق والعلامة والأكثر ومنهم المحقّق الشيخ علي والشهيد الثاني في المسالك وغيره التقسيط على مهور أمثالهنّ، وتعطى كلّ واحدة ما يقتضيه التقسيط.»[4]

ولا يخفی أنّه لا نصّ في هذه المسألة التي قد وردت إلى كلمات الأصحاب عن كتب العامّة.

قال في المغني: «إذا تزوّج أربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد... فالنكاح صحيح والمهر صحيح؛ وبهذا قال أبو حنيفة. وهو أشهر قولي الشافعيّ؛ والقول الثاني: إنّ المهر فاسد ويجب مهر المثل، لأنّ ما يجب لكلّ واحدة منهنّ من المهر غير معلوم.

ولنا: أنّ الفرض في الجملة معلوم، فلا يفسد لجهالته في التفصيل...

إذا ثبت هذا، فإنّ الصداق يقسّم بينهنّ على قدر مهورهنّ في قول القاضي وابن حامد؛ وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والشافعيّ.

وقال أبو بكر: يقسّم بينهنّ بالسويّة، لأنّه أضافه إليهنّ إضافة واحدة، فكان بينهنّ بالسواء، كما لو وهبه لهنّ أو أقرّ به لهنّ، وكما لو اشترى جماعة ثوباً بأثمان مختلفة ثمّ باعوه مرابحة أو مساومة كان الثمن بينهم بالسواء وإن اختلفت رؤوس أموالهم. ولأنّ القول بتقسيطه يفضي إلى جهالة العوض لكلّ واحدة منهنّ وذلك يفسده.

ولنا: أنّ الصفقة اشتملت على شيئين مختلفي القيمة، فوجب تقسيط العوض عليهما بالقيمة، كما لو باع شقصاً وسيفاً، أو كما لو ابتاع عبدين فوجد أحدهما حرّاً أو مغصوباً؛ وقد نصّ أحمد في من ابتاع عبدين فإذاً أحدهما حرّ أنّه يرجع بقيمته من الثمن. وكذلك نصّ في من تزوّج على جاريتين، فإذاً إحداهما حرّة أنّه يرجع بقيمة الحرّة. ولو اشترى عبدين فوجد أحدهما معيباً فردّه لرجع بقسطه من الثمن؛ ما ذكره من المسألة غير مسلّم له، وإن سلّم فالقيمة ثمّ واحدة بخلاف مسألتنا.

وأمّا الهبة والإقرار فليس فيهما قيمة يرجع إليها وتقسّم الهبة عليهما بخلاف مسألتنا، وإفضاؤه إلى جهالة التفصيل لا يمنع الصحّة إذا كان معلوم الجملة.

ويتفرّع عن هذه المسألة، إذا خالع امرأتين بعوض واحد أو كاتب عبيداً بعوض واحد أنّه يصحّ مع الخلاف فيه ويقسّم العوض في الخلع على قدر المهرين، وفي الكتابة على قدر قيمة العبيد. وعلى قول أبي بكر يقسّم بالسويّة في المسألتين.»[5]

أقول: أوّل ما يتبادر إلى الذهن عن هذه المسألة أنّ العرف في المعاوضات يعتبر عوض كلّ شيء متناسباً مع قيمته، فمثلاً لو باع الشخص بيتاً وسيّارة ضمن بيعين وذكر ثمناً واحداً لمجموعهما، فالبيع لدى العرف يقع لكلّ من البيت والسيّارة على نسبة قيمته السوقيّة من مجموع قيمتهما السوقيّة من الثمن المعلوم حين العقد.

ولكن في غير المعاوضات فما يحكم به العرف هو تقسيم المال بنسبة متساوية، فمثلاً لو وهب الشخص مالاً لاثنين، فيقسّم المال بينهما سواء.

وعليه فنقول فيما نحن فيه: إنّ المهر بما أنّه لا يعتبر عوضاً عن البضع فالعرف يقضي بتقسيمه بين النساء بالتساوي.

لكن يشكل ذلك بأنّ المهر وإن لم يعتبر عوضاً عن البضع، ولكن لا شكّ في دخل خصائص المرأة ومميّزاتها في تعيينه، فلا يتساوى مهرهنّ.

فينبغي أن يقال: بما أنّ النساء يختلفن من حيث الرغبة فيهنّ، فهذه الرغبة هي الملاك في تعيين المهر كما أنّ مهر مثل المرأة يعيّن على هذا الأساس، فالحقّ أن يتمّ تقسيط المهر بينهنّ بنسبة مهر مثل كلّ منهنّ.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo