< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / لابدية تعيين المهر بما يرفع الجهالة

 

ذكرنا في الجلسة السابقة أقوال بعض الأصحاب في المسألة.

وقال المحقّق الکرکي: «الذي يقتضيه صحيح النظر أنّ ما سمّاه للأب على أنّه من جملة المهر إن قصد كونه للأب ابتداءً لا من قبل الزوجة فهو باطل، لأنّ بعض المهر يمتنع كونه ابتداءً لغير الزوجة، وعليه تنزّل رواية الوشّاء السالفة.

فإن كان قد سمّى المجموع للزوجة مهراً وشرط عليها أن تدفع إلى أبيها منه شيئاً على جهة التبرّع منها والإحسان، فالفساد لا وجه له، لأنّ ذلك شرط لا يخالف الكتاب والسنّة، فلا وجه لإبطاله.»[1]

والحقّ في المسألة ما ذهب إليه المحقّق الثاني ويمكن الالتزام بتفصيله للمسألة، وإن لم يخلُ تنزيل صحيحة الوشّاء على فرض الاشتراط منذ البداية بكون جزء من المهر ملكاً لأبي الزوجة من إشكال، إذ كما تقدم سابقاً فإنّها ظاهرة فيما كان المجعول لأبيها زائداً على مهرها.

ولا فرق في المسألة بين أن يتمّ الاشتراط من قبل الزوج ـ كما في فرض كلام المحقّق الحلّي ـ أو الزوجة ـ وهو فرض كلام ابن جنيد ـ بل للزوج أيضاً أن يشترط على الزوجة أن تهبه جزءاً من مهرها.

غير أنّ صاحب الجواهر فصّل المسألة من جهة أُخرى وقال: مفروض المسألة أن يشترط الأجنبيّ ابتداءاً أن يتملّك جزءاً من مهر الزوجة، ومثل هذا النحو من الشرط يخالف الكتاب والسنّة، وما قال ابن جنيد بصحّته فهو مورد اشتراط الزوجة لهذا الشرط، ومعلوم أنّه لو اشترطه أحد أطراف العقد فلا وجه لفساد ذلك الشرط[2] .

لكنّ الظاهر من كلمات الأصحاب وكذا ظاهر المسألة التي طرحها المحقّق أن يشترطه طرفا العقد ضمن العقد، لا أن يشترط شخص غيرهما في ضمن العقد أن يتملّك جزءاً من المهر. هذا، مع أنّه يمكن في الصورة الثانية أيضاً القول بصحّة الشرط في بعض الموارد، كما لو اشترط الأب للإذن في الزواج أن تعطيه الزوجة جزءاً من المهر ـ لا أن يدخل إلى ملكه ابتداءاً ممّا يخالف الكتاب والسنّة ـ فإذا كان مُجري صيغة العقد هو الأب وكان يحقّ له هذا الاشتراط ولايةً أو وكالةً، فلا إشكال في صحّته.

قال المحقّق الحلّي:

«ولابدّ من تعيين المهر بما يرفع الجهالة. فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها، ولو أبهم فسد المهر وكان لها مع الدخول مهر المثل. وهل يجب تعيين الحرف؟ قيل: نعم، وقيل: لا ويلقّنها الجائز، وهو أشبه. ولو أمرته بتلقين غيرها لم يلزمه، لأنّ الشرط لم يتناولها.

ولو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة، جاز، لأنّه ثابت في الذمّة، ولو تعذّر التوصّل كان عليه أُجرة التعليم.

ولو أصدقها ظرفاً على أنّه خلّ فبان خمراً، قيل: كان لها قيمة الخمر عند مستحلّيه. ولو قيل: كان لها مثل الخلّ كان حسناً. وكذا لو تزوّجها على عبد فبان حرّاً أو مستحقّاً.»[3]

قد درسنا أكثر الموارد التي ذكرها المحقّق الحلّي في هذا المطلب سابقاً في مبحث اشتراط معلوميّة المهر، ويتّضح حكم بعضها الآخر أيضاً منه، ولكن نعيد بيان حكمها تتميماً للفائدة.

قد تقدّم سابقاً، أنّه لا يشترط في تعيين المهر حين العقد معلوميّته لدى الطرفين، ولكن يجب تعيينه بنحو يكون له واقع معيّن وإن أمكن العلم به فيما بعد، كما قلنا أنّه لو جعل المهر ما له أفراد مختلفة ـ كالبيت والخدم ـ فيحمل عرفاً على الحدّ الأوسط من أفراده، والروايات أيضاً تؤيّد ذلك.

فلو كان المهر تعليم سورة من القرآن وقلنا بأنّ للسورة أيضاً كالبيت والخدم حدّ وسط، فيمكن القول بأنّ مهرها أن تُعلّم سورة من السور المتوسّطة، وأمّا لو لم نقل بوجود حدّ وسط لها واختلفت الأفراد من جهات مختلفة بحيث لم يمكن عرفاً تعيين حدّ وسط لها، فيجب القول بفساد المهر، وفي هذه الصورة فحكم مهرها هو حكم مهر مفوّضة البضع.

قال الشيخ في المبسوط: «إذا أصدقها تعليم قرآن فلا يجوز حتّى يكون القرآن معلوماً؛ إن أصدقها تعليم سورة عيّن عليها، وإن كان تعليم آيات عيّنها، لأنّ ذلك يختلف.»[4] ومثله عبارة القاضي في المهذّب[5] والشهيد الثاني في الروضة[6] والمسالك[7] وغيرهم.

وقال بعض بأنّه بدلاً من تعيين السورة أو الآية، يمكن جعل المهر منافع الزوج من جهة تعليم القرآن في مدّة معلومة، حيث يجب على الزوج في هذه الصورة أن يشتغل في المدّة بتعليمها القرآن، وتختار الزوجة الموضع الذي تريد تعليمه إيّاها من القرآن.

قال العلامة في التحرير: «لابدّ من تعيين المهر من السورة أو الآيات المشترطة، ويجوز أن يقدّره بالمدّة كاليوم والشهر وتتعلّم هي ما شاءت، ولو أبهم فسد المهر ووجب مهر المثل مع الدخول.»[8]

لا يقال: في باب النذر إذا نذر أن يقرأ سورة من القرآن فنذره صحيح، ويكفيه في مقام الوفاء بالنذر قراءة أيّ قدر من القرآن ممّا يصدق عليه السورة ـ وإن كانت أصغر السور ـ ففيما نحن فيه أيضاً يمكن القول بصحّة المهر وكفاية أيّ مقدار يصدق عليه السورة أو الآية من القرآن.

إذ الجواب أنّ إبهام النذر لا يخلّ بصحّته والنذر قد أوقع على النحو المذكور، فيكتفى لإبراء الذمّة بالقدر المتيقّن منه. بينما سبق في تعيين المهر المسمّى وجوب أن يكون بنحو يعتبر العرف تعيينه بحيث لا يقع اختيار المهر بعد العقد بيد أحد، وعدم تعيين السورة أو الآية في الفرض الذي لا يوجد فيه حدّ وسط لها فإنّه يوجب الإبهام في المهر وكذا تخويل الزوج تعيينه بعد العقد، وبالنتيجة فإنّ العرف لا يرى هذا النحو من البيان كافياً لتعيين المهر.

وبعبارة أُخرى ففي النذر بعد أن يفترض اشتغال الذمّة مفروغاً عنه، يأتي البحث عن كيفيّة إفراغ الذمّة، فيقال إنّه يتحقّق بالقدر المتيقّن الذي ينطبق عليه المنذور، بينما ليس البحث هاهنا عن إفراغ ذمّة الزوج حتّى يقال يكفيه القدر المتيقّن من السورة أو الآية، بل الكلام عن صدق تعيين المهر المسمّى.

ولكن أشكل جماعة في لزوم تعيين السورة أو الآية، وسنذكر عباراتهم في الجلسة الآتية إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo