< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / تعلّق الشيء بالعهدة أو تعلّقه بالذمّة

 

بناءً على ما تقدّم في الجلسة السابقة في الفرق بين تعلّق الشيء بالعهدة أو تعلّقه بالذمّة، فنقول فيما نحن فيه: إن تعهّد الزوج بأن يعلّم زوجته القرآن أو يعلّمها صناعة فقط من غير أن يملّكها منفعة ذلك التعليم، فذمّته غير مشتغلة في هذه الصورة ولم تملك الزوجة شيئاً، بينما لو ملّكها منفعته من حيث التعليم، فالزوجة تملك ذمّته ويجب عليه أن يبرئ ذمّته بتعليمها.

وأمّا في خصوص صحّة كلّ من النحوين المذكورين في المهر، فقد تقدم سابقاً أنّ ابن إدريس قال في توجيه تعارض كلمات الشيخ في النهاية والخلاف أنّ الذي قال الشيخ بفساده في النهاية هو النحو الأوّل، وما صحّحه في الخلاف فهو النحو الثاني[1] .

كما أنّ ظاهر ما قاله المحقّق هنا هو اعتبار المهر بالنحو الثاني، ولذلك ذهب إلى اشتغال ذمّة الزوج، ويظهر من حسنة محمّد بن مسلم أيضاً جعل المهر بهذا النحو. بل إنّ مقتضى القاعدة أيضاً أنّه إن كان المهر منفعة من منافع الحرّ فيجب أن يكون بالنحو الثاني حتّى تملكه الزوجة، إذ لو تعهّد الزوج بفعل شيء فقط ولم تشتغل ذمّته به، فالزوجة لم تملك شيئاً.

فإن كان الزوج حين العقد فاقداً للصلاحيّة المطلوبة للتعليم، فذمّته مشتغلة بزوجته، وإذا لم يشترط أن يقوم هو بالتعليم ووقع التعليم مهراً سواء قام به الزوج أو غيره، فللزوج أن يبرئ ذمّته باستخدام من يمكنه التعليم.

وإن اشترط أن يعلّمها الزوج بنفسه أو لم يوجد من يعلّمها، ففي هذه الصورة يجب على الزوج من باب مقدّمة الواجب أن يتعلّم الصناعة أو القراءة ثمّ يعلّمهما لزوجته، لأنّ قدرة الزوج على المهر حين العقد وفعليّة المهر حينئذٍ ليست من شروط صحّة العقد.

نعم، قال في المبسوط: «إن قال: على أن أُلقّنك أنا إيّاها، قيل: فيه وجهان؛ أحدهما: يصحّ، لأنّ الحقّ وجب في ذمّته فلا يلزم أن يكون مالكاً له، والثاني: لا يصحّ، لأنّه لا يصحّ أن يصدقها منفعة شيء بعينه وهو لا يقدر عليها، كما لو أصدقها منفعة عبد لا يملكه، فإنّه لا يصح.»[2]

ولكن إشكال الوجه الثاني واضح، لأنّ منفعة العبد لا تقع على ذمّة الزوج، بينما تقع على ذمّته منفعة نفسه.

وأمّا إذا لم يمكن التعليم لا بواسطة الزوج نفسه ولا بواسطة غيره، فقد قيل إنّ الزوجة تستحقّ أُجرة مثل التعليم، لأنّ مقتضى القاعدة أن يدفع للمرأة بدل المهر عند عدم إمكان دفع المهر، وبدل التعليم هو أُجرة مثله. بل قال العلامة في القواعد أنّ الزوجة لو تعلّمت بنفسها، ولم يبق محلّ للتعليم، فالحكم كذلك.[3]

قال صاحب الجواهر: «ظاهر الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين أن يكون قد اشترط تعليمها بنفسه فعرضت له ما منعه من ذلك وغيره، بل لا فرق بين أن يكون منفعة عين مخصوصة وتعذّرت وغيرها، كلّ ذلك لأدلّة وجوب المهر وكونه مضموناً على الزوج حتّى يوصله إلى الزوجة بالمثل أو القيمة.»[4]

واحتمل جماعة ـ كالمحقّق الكركيّ[5] وكاشف اللثام[6] ـ أنّه يجب على الزوج دفع مهر المثل في هذا الفرض. والوجه فيه أنّه كما قيل في الإجارة، فعند عدم إمكان استيفاء المنفعة بسبب تلف العين المستأجرة، فالإجارة باطلة، وهنا كذلك يجب أن يقال عند عدم إمكان استيفاء المنفعة أنّ المهر باطل ويجب دفع مهر المثل.

لكنّ الجواب أنّ المنفعة ركن في عقد الإجارة، وعند عدم إمكان استيفائها فقد انتفى ركن العقد فيبطل العقد. ولكن فيما نحن فيه فالمهر ليس ركناً للعقد، فيمكن القول بأنّه لو تعذّر لأيّ سبب كان، فإنّه ينتقل إلى المثل أو القيمة. على أنّه قيل في إجارة الأشخاص أيضاً أنّه لو تقبّل الأجير القيام بعمل في ذمّته، فإنّ الإجارة لا تبطل بموته.

قال في العروة: «تبطل إذا آجر نفسه للعمل بنفسه من خدمة أو غيرها، فإنّه إذا مات لا يبقى محلّ‌ للإجارة... ولو جعل العمل في ذمّته، لا تبطل الإجارة بموته، بل يستوفى من تركته.»[7]

ولكن صاحب الجواهر أشكل على بعض فروع المسألة حيث قال: «قد يشكل وجوبها فيما لو تعلّمت بنفسها مع بذل الزوج التعليم واستناد التقصير إليها بترك التعلم، وكذا لو أمهرها منفعة عين مخصوصة مدّة وقد بذلها لها فلم تستوف منفعتها، والظاهر سقوط مهرها في الثاني، أمّا الأوّل فقد سمعت ما في القواعد وإطلاق غيرها، ولعلّ وجهه ما عرفت، لكنّه محتاج إلى التأمّل.»[8]

ولكنّ الحقّ أنّه لا وجه لردّ أُجرة المثل للزوجة حتّى في الفرض الأوّل، إذ كما يستند الإتلاف إلى الزوجة في الفرض الثاني، فهذا الإسناد موجود في الفرض الأوّل أيضاً.

وأمّا الفروض الأُخرى المتقدّمة في كلمات المحقّق الحلّي فيمن جعل الإناء مهراً ظنّاً منه أنّه يحوي خلاً ثمّ تبيّن أنّه يحوي خمراً، أو جعل العبد مهراً للزوجة ثمّ علم أنّه حرّ، فقد تقدّم تفصيلها سابقاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo