< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / جواز الدخول قبل دفع المهر

 

6 ـ موثّقة سَماعة‌، قال‌: «سألته‌ عن‌ رجل‌ تزوّج‌ جارية‌ أو تمتّع‌ بها ثمّ‌ جعلته‌ من‌ صداقها في حلّ‌، أيجوز له‌ أن‌ يدخل‌ بها قبل‌ أن‌ يعطيها شيئاً؟ قال:‌ نعم، إذا جعلته‌ في حلّ‌ فقد قبضته‌ منه،‌ فإن‌ خلاها قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها ردّت‌ المرأة‌ على الزوج‌ نصف‌ الصداق.‌»[1] [2]

والوجه في التمسّك بهذه الرواية لتجويز امتناع الزوجة من التمكين قبل استيفاء المهر أنّ المفهوم من قوله «إذا جعلته‌ في حلّ‌ فقد قبضته‌ منه» أنّه إذا لم تفعل ذلك، فالزوج ليس في حلّ وعليه دفع المهر إليها قبل الدخول.

غير أنّ الاستدلال غير تامّ، لأنّ السائل يعلم أنّ الزوجة إذا أبرأت ذمّة زوجها فليس الزوج مديوناً لها بعدئذٍ، ولكنّه يتصوّر أنّه يجب عليه دفع مال آخر للزوجة، فأجابه الإمام(ع) بأنّ إبراء الزوجة لذمّة الزوج يكون بحكم قبضها للمال.

فالرواية في عداد الروايات السابقة التي ورد فيها أنّه يجب على الزوج أن يدفع مالاً للزوجة قبل الدخول ـ سواء أكان المهر أم غيره ـ ولا يدلّ على وجوب دفع المهر قبل الدخول، بمعنى أنّ المفهوم منه أنّ الزوجة إذا لم تبرئ ذمّة الزوج، فيجب على الزوج أن يدفع إليها مالاً قبل الدخول، لا أن يجب عليه دفع المهر.

الفئة الثالثة: النصوص الدالّة على جواز الدخول قبل دفع المهر أو أيّ مال غيره

1 ـ حسنة أحمد بن‌ محمّد بن‌ أبي نصر، قال‌: «قلت‌ لأبي الحسن(ع): الرجل‌ يتزوّج‌ المرأة‌ على الصداق‌ المعلوم،‌ يدخل‌ بها قبل‌ أن‌ يعطيها؟ قال‌: يقدّم‌ إليها ما قلّ‌ أو كثر، إلا أن‌ يكون‌ له‌ وفاء‌ من‌ عَرَض‌ إن‌ حدث‌ به‌ حدث‌ أُدّي‌ عنه‌، فلا بأس‌.»[3] [4]

2 ـ حسنة عبد الحميد بن‌ عوّاض‌ الطائيّ،‌ قال‌: «سألت‌ أبا عبدالله(ع)‌ عن‌ الرجل‌ يتزوّج‌ المرأة‌ فلا يكون‌ عنده‌ ما يعطيها، فيدخل‌ بها؟ قال‌: لا بأس‌، إنّما هو دين‌ لها عليه‌.»[5] [6]

3 ـ موثّقة عبد الحميد بن‌ عوّاض‌، قال‌: «قلت‌ لأبي عبدالله(ع):‌ المرأة‌ أتزوّجها، أيصلح‌ لي أن‌ أُواقعها ولم‌ أنقدها من‌ مهرها شيئاً؟ قال: نعم،‌ إنّما هو دين‌ عليك.‌»[7] [8]

4 ـ خبر عبد الحميد الطائيّ، قال‌: «قلت‌ لأبي عبدالله(ع): أتزوّج‌ المرأة‌ وأدخل‌ بها ولا أُعطيها شيئاً. قال: نعم،‌ يكون‌ ديناً عليك.»[9]

5 ـ ما رواه في الوسائل عن النوادر بسند موثّق عن زرارة‌ قال‌: «سألت‌ أبا عبدالله(ع) عن‌ رجل‌ تزوّج‌ امرأة‌، أيحلّ‌ له‌ أن‌ يدخل‌ بها قبل‌ أن‌ يعطيها شيئاً؟ قال:‌ نعم.»[10]

ولکنّ الموجود في النوادر قوله(ع): «لا، حتّی يعطيها شيئاً».[11]

ويتوقّف التمسّك بهذه الأخبار فيما نحن فيه على إمكان التمسّك بإطلاقها بنحو يشمل صورة مطالبة الزوجة لمهرها أيضاً، بينما قد يقال بأنّه لا يُعلم كون الإمام(ع) في مقام البيان من هذه الجهة.

إذن فالمتحصّل من هذه الفئات الثلاث من الأخبار أنّه يستحبّ للزوج أن يدفع جزءاً من المهر أو مالاً غيره ـ قليلاً کان أو كثيراً ـ للزوجة قبل الدخول بها.

ولكن أن يحقّ لها الامتناع من التمكين حتّى استيفاء كامل المهر فهو متوقّف على الاعتراف بدلالة ذيل صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج على ذلك وعدم حملها على مورد وجود شرط ارتكازيّ ضمن العقد بين الطرفين بهذا الخصوص.

بل قد يقال: إنّ إطلاق الفئة الأُولى من الأخبار دليل على عدم وجوب دفع المهر للزوجة قبل الدخول، إذ المستفاد منها أنّه يجب على الزوج دفع مال ولو قليلاً أو من غير المهر للزوجة ليجوز له بدفعه الدخول، وإطلاقه يشمل المورد الذي تطالب الزوجة بالمهر أيضاً.

إلا إذا قيل أنّه لا يُعلم كون الإمام(ع) في مقام البيان من هذه الجهة، فلا يمكن الأخذ بإطلاق الأخبار أيضاً.

وأمّا كون الحقوق متقابلة في الزوجية فهو وإن كان مسلماً به في الجملة، ولكن أوّلاً: فهذا لا يعني أنّ هناك تقابل في جميع الحقوق بينهما، وثانياً: فليست نتيجته أن يحقّ لها خاصّة الامتناع من التمكين قبل استيفاء المهر، بل للزوج أيضاً أن يمتنع من إعطاء المهر قبل تمكينها.

فالمسألة إذن محلّ تأمّل.

وأمّا لو قلنا بأنّ للزوجة أن تمتنع من التمكين قبل استيفاء المهر، فستترتّب على المسألة فروع كما يلي:

الفرع الأول: إعسار الزوج عن دفع المهر

إذا كان الزوج معسراً لا يستطيع دفع المهر، فهل يحقّ للزوجة أن تمتنع من التمكين قبل استيفاء المهر؟

فيه قولان:

القول الأول: لا يحقّ لها الامتناع

قال ابن إدريس: «للمرأة أن تمتنع من زوجها حتّى تقبض منه المهر إذا كان غير مؤجّل والزوج مؤسراً به قادراً على أدائه.»[12]

القول الثاني: يحقّ للزوجة أن تمتنع

قال العلامة في القواعد: «لها أن تمتنع قبل الدخول من تسليم نفسها حتّى تقبض المهر، سواء كان الزوج مؤسراً أو معسراً.»[13]

وهو قول الأکثر.

قال الشهيد في غاية المراد: «إنّ الشيخ نجم الدين والمصنّف لم يفرّقا بين المؤسر والمعسر. ويلوح من كلام ابن إدريس التفرقة وأنّه لا امتناع في المعسر، لأنّه لا يحلّ مطالبته ما دام معسراً.

ووجه الأوّل إلحاقه بالمعاوضة، ويتفرّع على ذلك وجوب النفقة مع الامتناع، فمع اليسار تجب النفقة إذا بذلت التمكين بشرط المهر بخلافه مع الإعسار. ولا إثم عليها على الأوّل وعلى الثاني تأثم.»[14]

وقال في جامع المقاصد: «يفهم من عبارة ابن إدريس في السرائر أنّه ليس لها الامتناع مع الإعسار، لمنع مطالبته.

ويضعّف بأنّ منع المطالبة لا يقتضي وجوب التسليم قبل قبض العوض.»[15]

أقول: إنّ مذهب القائلين ببقاء حقّ الزوجة في الفرض المذكور مبنيّ على العوضيّة بين البضع والمهر وهو غير مقبول عندنا.

فإذا كان المستند لجواز امتناع الزوجة قبل استيفاء المهر هو الإجماع أو السيرة العقلائيّة في اعتبار التقابل بين الحقوق، فلا يمكن في هذا الفرض أن نتمسّك بهما مع الشك، إذ لا يمكن الأخذ بإطلاقهما.

ولكن إذا كان المستند صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج، فيمكن التمسّك بإطلاقها.

وإذا كان المستند فيه هو الشرط الصريح أو المرتكز لدى الطرفين في ضمن العقد، فالجواز أو عدمه متوقّف على كيفيّة الاشتراط.

والأخذ بإطلاق روايات الفئة الثالثة لجواز الدخول وعدم استحقاق الزوجة الامتناع في صورة إعسار الزوج فهو مشكل بمثل ما أشكل سابقاً من عدم إحراز كون الإمام(ع) في هذه الأخبار في مقام البيان من هذه الجهة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo