< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / حقّ الزوجة للامتناع بعد تحقّق الدخول

 

الفرع الرابع: حقّ الزوجة للامتناع بعد تحقّق الدخول

إذا رضيت الزوجة بالدخول قبل استيفاء المهر وتحقّق الدخول، فهل يحقّ لها أن تمتنع من تمكين الزوج من نفسها حتّى وفائه بالمهر؟

في المسألة قولان:

القول الأول: يحقّ لها الامتناع

قال الشيخ في المبسوط: «لها أن تمنع نفسها منه حتّى يقبضها الصداق، فإن سلّم المهر سلّمت نفسها، فإن امتنع فاختارت تسليم نفسها إليه قبل قبض المهر، فهل لها أن يمتنع أم لا؟ نظرت؛ فإن لم يكن دخل بها كان لها الامتناع عليه... بلا خلاف فيه. وأمّا إن كان دخل بها فليس لها أن يمتنع بعد ذلك وكان لها المطالبة بالمهر فقط. وقال قوم: لها أن تمتنع حتّى تقبض المهر؛ وهو الذي يقوى في نفسي.»[1] ومثله کلام القاضي في جواهر الفقه.[2]

ونسبه بعض إلى المفيد ولكنّه لم يصرّح به في المقنعة[3] ، غير أنّهم حملوا إطلاق كلامه عليه، وإن كان يشكل الأخذ بإطلاقه.

القول الثاني: عدم حقّ الامتناع

قال السيّد المرتضی في الانتصار: «إنّ المهر المتقرّر الذي ينعقد به النكاح بينهما متى دخل بها فقد وجب كاملاً، وإذا كانت قد قبضت بعضه فلها أن تطالب بالباقي، إلا أنّه ليس لها أن تمنع نفسها حتّى توفّي المهر، وإن كان ذلك لها قبل الدخول.»[4]

وقال الشيخ في الخلاف: «إذا سمّى الصداق ودخل بها قبل أن يعطيها شيئاً، لم يكن لها بعد ذلك الامتناع من تسليم نفسها حتّى تستوفي، بل لها المطالبة بالمهر، ويجب عليها تسليم نفسها؛ وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لها أن تمتنع حتّى تقبض، لأنّ المهر في مقابلة كلّ وطء في النكاح.

دليلنا: أنّ البضع حقّ استحقّه، والمهر حقّ عليه، وليس إذا كان عليه حقّ جاز أن تمنع حقّه؛ لأنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل.»[5]

وهو المشهور بين الأصحاب.

والحقّ في الفرض المذكور أن لا يحقّ لها الامتناع، لأنّنا حتّى لو اعتبرنا حقّ امتناعها من باب العوضيّة بين المهر والبضع، فبما أنّ المعوّض في الفرض هو مسمّى البضع لا مجموع دفعات الوطء، فبالنتيجة تمّ دفع المعوّض إلى الزوج بتحقّق الوطء ولا يمكن الامتناع من دفعه بعدئذٍ.

وإذا اعتبرنا حقّ الزوجة للامتناع من التمكين متوقّفاً على التقابل بين حقوق الزوجين ـ كما تقدّم سابقاً ـ فرضا الزوجة بالوطء يوجب سقوط حقّها للامتناع من التمكين ولا وجه لرجوع الحقّ من غير دليل شرعيّ.

وأمّا إذا أرغمها الزوج على التمكين، فهل يزول حقّ الامتناع أيضاً؟

قال ابن حمزة: «للمرأة الامتناع من الدخول بها ـ وإن أفضى إليها كرهاً ـ حتّى تستوفي المهر.»[6]

وقال الشهيد الثاني في المسالك: «هل يشترط في القبض وقوعه طوعاً أم يكتفى به مطلقاً؟ وجهان؛ من حصول الغرض وانتقال الضمان به كيف اتّفق، ومن تحريم القبض بدون الإذن فلا يترتّب عليه أثر الصحيح.

والحقّ‌ أن بعض أحكام القبض متحقّقة ـ كاستقرار المهر بالوطء كرهاً ـ وبعضها غير متحقّق قطعاً ـ كالنفقة ـ ويبقى التردّد في موضع النزاع حيث يدخل بها كرهاً، هل لها الامتناع بعده من الإقباض حتّى تقبض المهر أم لا؟»[7]

واستشکل عليه صاحب الجواهر فقال: «لا وجه للتردّد هنا، ضرورة عدم دليل على سقوط حقّ الامتناع بالوطء حتّى أنّه يصدق مع الإكراه، وإنّما هو حقّ اقتضته المعاوضة التي لا فرق في اقتضائها بين حالي الاختيار والإكراه، بخلاف استقرار المهر الذي كان الحقّ عليه فيه لا له، فإنّ إكراهه لها أولى في إفادة الاستقرار.»[8]

ولكنّ الحقّ أنّ حكم المسألة يختلف حسب المبنى المعتمد في تقرير حقّ الزوجة للامتناع من التمكين، بمعنى أنّه لو أخذنا حقّها للامتناع مبنيّاً على العوضية بين البضع والمهر، فإنّ المعوّض قد استوفي بتحقّق الدخول، ولا وجه لامتناع الزوجة بعدئذٍ، إذ عوض المهر هو مسمّى البضع، ومعلوم أنّه لا يمكن استرداده بعد الوطء.

وأمّا إذا اعتبرنا حقّها مبنيّاً على تقابل حقوق الزوجين، فسقوط حقّها للامتناع متوقّف إمّا على أخذ المهر أو إسقاطه من قبل الزوجة، وفي فرض الوطء المكره عليه، لم يتحقّق أيّ من الأمرين.

كما أنّه لو كان المستند هو صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، فالمفهوم المستفاد منه أنّ الزوجة يحقّ لها الامتناع من التمكين حتّى استيفاء المهر ما دامت لم تمكّنه من نفسها، ويترتّب عليه أنّ تحقّق الوطء الإكراهيّ لا يوجب سقوط هذا الحقّ.

وقد رتّب الشهيد الثاني على هذا الفرع مسألة أُخرى وقال: «لو سلّم الوليّ‌ من ليست بكاملة ولم يقبض الصداق، فهل لها الامتناع بعد الكمال حتّى تقبضه‌؟ وجهان، وأولى بعدم الجواز هنا، لأنّ تسليم الوليّ‌ شرعيّ‌، إلا أن يمنع من جواز تسليمه لها قبل قبض المهر كغيره من المعاوضات فتساوي المكرهة في الحكم.»[9]

ولكن من المعلوم أنّه لا ملازمة بين جواز تسليم الصغيرة إلى زوجها من قبل الوليّ مع تمكينها إيّاه من نفسها، لأنّ التمكين من فعل الزوجة لا الوليّ ولا يعدّ من الأفعال التي يمكن إعمال الولاية فيها، فلا دليل إذن لسقوط حقّ الزوجة للامتناع من التمكين في الفرض المذكور.

إلا إذا كان المراد من التمكين أعمّ من التمكين العامّ والخاصّ، ففي هذه الصورة بما أنّه يحقّ للزوج في هذه الصورة ـ حسب مقالة الأصحاب ـ أن يستمتع بالصغيرة إلا بالوطء، فقد يقال بأنّه بعد تحقّق الاستمتاع لا يبقى وجه لبقاء حقّ الامتناع لها بعد كبرها.

ولكنّه مبنيّ أوّلاً على أن نعتبر التمكين أعمّ من التمكين العامّ والخاصّ، ممّا سيأتي الحديث عنه لاحقاً إن شاء الله.

وثانياً: حتّى لو فرض التمكين أعمّ من الاثنين، فبما أنّ استمتاع الزوج بالصغيرة ليس معلّقاً على تمكينها، فلا يمكن اعتبار عمله موجباً لسقوط حقّ الزوجة وإن لم يكن فعل الزوج محظوراً، كما لو دخل الزوج بزوجته وهي نائمة فيما لم تعلن الزوجة رضاها ولا امتناعها من التمكين. نعم، لو اعتبرنا حقّ الزوجة للامتناع متوقّفاً على العوضيّة بين البضع والمهر، فلسقوط حقّها في هذه الصورة وجه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo