< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / وجوب دفع المهر مع عدم إمكان وطء الزوجة

 

الفرع الخامس: وجوب دفع المهر مع عدم إمكان وطء الزوجة

إذا لم يمكن وطئ الزوجة لسبب ما ـ كما لو كانت حائضة أو مريضة أو صغيرة ـ فهل يجب على الزوج أن يدفع إليها مهرها؟

قال الشيخ في المبسوط: «فإن كان كبيراً وهي صغيرة لا يجامع مثلها، فهل عليه نفقتها أم لا؟ ... فأمّا الكلام في الصداق هل عليه [تسليم] الصداق في هذه المسائل الثلاث‌؟ منهم من قال على القولين كالنفقة، ومنهم من قال يجب تسليم الصداق، والأقوى عندي أنّه لا يجب كما لا تجب النفقة، لأنّ الاستمتاع غير ممكن.»[1]

وقال الشهيد الثاني في المسالك: «ولو لم تكن المرأة مهيّأة للاستمتاع بأن كانت مريضة أو محبوسة، لم يلزمه تسليم الصداق، لما تقدّم من اشتراط وجوبه عليه بالتقابض من الجانبين.

ولو كانت صغيرة لا تصلح للجماع وطلب الوليّ‌ المهر، فهل يلزمه التسليم قبل كمالها؟ وجهان، من تعذّر التقابض من الجانبين لعدم إمكان الاستمتاع وهو خيرة الشيخ في المبسوط، ومن أنّ الصداق حقّ‌ ثابت وقد طلبه المستحقّ‌ فوجب دفعه إليه. وعدم قبض مقابله من العوض قد أقدم الزوج عليه حيث عقد عليها كذلك وأوجب على نفسه المال في الحال، كالعكس لو كان المهر مؤجّلاً.»[2]

والحقّ أنّ دعوى الشهيد الثاني تصحّ فيما إذا وقع النكاح بالصغيرة، ويمكن التمسّك بهذا الاستدلال أيضاً فيما إذا كان وطء الزوجة ممنوعاً في النكاح لسبب آخر مثل مرض أو حبس مع علم الزوج به، فإذن لا وجه للقول بأنّ للزوج مطلقاً الامتناع من دفع المهر في الصورتين المذكورتين، بل حتّى على القول بالعوضيّة فيجب القول بالتفصيل.

علماً بأنّ أصل حقّ الزوج للامتناع من إعطاء المهر في الصورة المذكورة متوقّف على القول بالعوضيّة بين المهر والبضع أو كون الحقوق الزوجيّة تقابليّةً، وعلى هذا الأساس ذهب بعض الأصحاب ـ كما تقدّم ـ إلى جواز إيداع الزوج المهر عند أمين لكي يعطى المهر للزوجة بعد الوطء، وإذا لم نقبل بالعوضيّة أو التقابل المذكور، فلا وجه لأن يحقّ للزوج الامتناع من إعطاء المهر.

ثمّ إنّ الشيخ تابع قوله ببيان مسألة أُخرى في خصوص الصغيرة فقال: «إن كانت صغيرة لم يخل من أحد أمرين: إمّا أن تكون على صفة تصلح للرجال أو لا تصلح.

فإن كانت تصلح لهم ـ مثل أن تكون لها تسع سنين ونحوها ـ فالحكم فيها كما لو كانت كبيرة وقد مضى. وإن كانت لا تصلح للرجال ـ بأن يكون لها الستّ والسبع ـ على حسب حالها، فربّ صغيرة السنّ تصلح وكبيرة السنّ لا تصلح.

فإذا كانت لا تصلح لم يجب على أهلها تسليمها إليه وإن ذكر أنّه يحضنها ويربّيها وأنّ له من يقوم بخدمتها وجميع أُمورها، لأنّه لم يملك رقبتها وإنّما ملك الاستمتاع بها، وهذه فما خلق فيها الاستمتا ولأنه لا يؤمن أن تَشرِه نفسه إلى مواقعتها فربما جنى عليها فقتلها، فكان لهم منعها.

فأمّا إن امتنع هو من قبض هذه وطالبوه بقبضها ونقلها إليه، لم يجب عليه، لأنّه ما خلق فيها ما ملك منها من الاستمتاع، ولأنّه كان يلزمه نفقة الحضانة والتربية وذلك غير واجب.»[3]

وقال المحقّق الثاني: «إنّ الصغيرة ـ وهي من لم تستكمل تسع سنين ـ غير مهيّأة للاستمتاع، فإنّه لا يجوز له الدخول بها قطعاً ومع ذلك فالأقرب عند المصنّف وجوب تسليم مهرها إذا طلبه الولي. ولو طلب الزوج تسليمها إليه لما عدا الوطء من الاستمتاعات ففي الوجوب وجهان:

أحدهما: يجب، لأنّ الممنوع الوطء دون غيره، وباقي الاستمتاعات حقّ له، فيجب التسليم بها.

والثاني: لا، لأنّ الصغيرة ليست محلّ الاستمتاع وإمساكها شرعاً حضانة والزوج ليس أهلاً لها وإنّما هي حقّ للأقارب. وأيضاً فإنّ الزوج إذا خلا بها لم يؤمن أن يأتيها فتتضرّر، وربما أدّى ذلك إلى إفضائها وهلاكها، وعلى هذا لو بذلت له على هذا الوجه لم يجب القبول.»[4]

والحقّ أنّه لو قلنا بجواز استمتاع الزوج بالزوجة الصغيرة بغير الوطء، فلا وجه لجواز امتناع الوليّ من تسليم الزوجة للزوج، كما يمكن دفع خطر توجّه الضرر للزوجة بطرق أُخری، على أنّ جواز الامتناع من تسليم الزوجة في هذا الفرض حكم ثانويّ.

ولا يصحّ ما قيل من أنّ الحاصل في الصغيرة يعدّ حضانة شرعاً والحضانة تجب على الأقارب لا الزوج، إذ للحضانة جانبان، أحدهما حقّ الصغيرة والآخر حقّ الحاضن. فأمّا حق الصغيرة فإذا أمكن توفيره من قبل الزوج فلا وجه لوجوبه على الوليّ، إذ لا يجب مباشرة الوليّ للتربية والمراقبة في حضانة الصغير والصغيرة. وأمّا حقّ الحاضن فبما أنّ الولي أنكح الصغيرة باختياره، فإنّه قد تنازل عن حقّه لحضانتها.

فإن قيل: لوجود الصغيرة عند الوليّ مصلحة في حدّ نفسه ولعلّ فصلها عنه يضرّ حال الصغيرة.

فالجواب: أنّه إن فرض أنّ إنكاح الصغيرة كان لصالحها، فقد أُخذ هذا الجانب في وجود المصلحة بعين الاعتبار، والحكم بصحّة النكاح إنّما كان بأخذ جميع الجوانب ـ ومنها لزوم تسليم الصغيرة للزوج ـ فلا يجوز الامتناع عن تسليمها له بعد الحكم بصحّة النكاح.

ولذلك إذا أراد الوليّ تسليم الزوجة للزوج، فيجب على الزوج تسلّمها، لأنّ نفقتها واجبة عليه شرعاً، وكونها غير قابلة للاستمتاع لا يؤدّي إلى عدم وجوب نفقتها، لأنّه هو الذي أقدم على هذا النكاح.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo