< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / الطرف الثاني، في التفويض

 

استحباب دفع مال من قبل الزوج للزوجة قبل الوطء

كما تقدّم ضمن الأخبار السابقة، فعلى الرغم من أنّ ظاهر بعض الأخبار هو وجوب إعطاء مال للزوجة قبل الوطء ـ سواءً كان جزءً من المهر أو غيره ـ ولكن لوجود الأخبار الدالّة على جواز الوطء من غير دفع مال للزوجة، فقد حمل الأصحاب أخبار الفئة الأُولى على الاستحباب وهو مقبول.

 

قال المحقّق الحلّي:

«الطرف الثاني: في التفويض

وهو قسمان: تفويض البضع وتفويض المهر.

أمّا الأوّل: فهو أن لا يذكر في العقد مهراً أصلاً؛ مثل أن يقول: «زوّجتك فلانة» أو تقول هي: «زوجتك نفسي» فيقول: «قبلت».

وفيه مسائل:

الأُولى: ذكر المهر ليس شرطاً في العقد. فلو تزوّجها ولم يذكر مهراً أو شرط أن لا مهر، صحّ العقد، فإن طلّقها قبل الدخول فلها المتعة ـ حرّة كانت أو مملوكة ـ ولا مهر. وإن طلّقها بعد الدخول فلها مهر أمثالها ولا متعة. فإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض، فلا مهر لها ولا متعة ولا يجب مهر المثل بالعقد وإنّما يجب بالدخول[1]

الفرع الأول: معنى التفويض

قال في لسان العرب: «فوّض إليه الأمر: صيّره إليه وجعله الحاكم فيه. وفي حديث الدعاء: «فوّضت أمري إليك» أي: «رددته إليك». يقال: فوّض أمره إليه إذا ردّه إليه وجعله الحاكم فيه؛ ومنه حديث الفاتحة: «فوّض إليّ عبدي».

والتفويض في النكاح: التزويج بلا مهر. و«قوم فوضى»: مختلطون. وقيل: هم الذين لا أمير لهم ولا من يجمعهم؛ قال الأَفوَهُ الأَودي:

لا يصلح القوم فوضى لا سَراةَ لهم ولا سراة إذا جُهّالُهم سادوا

و«صار الناس فوضى»، أي: متفرّقين، وهو جماعة الفائض... و«الوحش فوضى»: متفرّقة تتردد. و«قوم فوضى» أي: متساوون لا رئيس لهم.»[2]

وقال المحقّق الکرکي: «التفويض: أن يجعل الأمر إلى غيره ويكله إليه. وتسمّى المرأة «مفوّضة» لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الوليّ بلا مهر، و«مفوِّضة» لأنّ الولي فوّض أمرها إلى الزوج، أو لأنّ الأمر في المهر مفوّض إليها بالنسبة إلى نفيه وعدمه.»[3]

وقال الشهيد الثاني: «التفويض لغةً ردّ الأمر إلى الغير أو الإهمال... وشرعاً: ردّ أمر المهر والبضع إلى أحد الزوجين أو ثالث، أو إهمال ذكره في العقد.»[4]

الفرع الثاني: المراد من تفويض البضع

تقدّم في كلمات المحقّق (ره) أنّ المراد من تفويض البضع هو أن لا يذكر المهر في العقد.

وقال العلامة في القواعد: «هو إخلاء العقد من ذكر المهر بأمر من يستحقّ‌ المهر.»[5]

وكلامه صريح في أن خلوّ النكاح من المهر ينبغي أن يكون بأمر من الزوجة، فإذا لم تكن الزوجة راضية به وتبرّع الزوج بالعقد الخالي من المهر من تلقاء نفسه، أو كان يريد الطرفان أن يحدّدا المهر في ضمن العقد ثمّ نسياه حين العقد، فلن تكون الزوجة من أقسام مفوّضة البضع على تعريف العلامة.

وقال المحقّق الثاني: «تفويض البضع وقد عرّفه المصنّف بأنّه «إخلاء العقد من ذكر المهر بأمر من يستحقّ المهر»، والذي يستحقّ المهر هو المرأة، فيكون إخلاء العقد عن ذكر المهر بأمر المرأة.

وقد ينقض في عكسه بخروج العقد الصادر من المرأة خالياً من المهر، لأنّ الصادر من المرأة لا يقال: إنّه وقع بأمرها.

ويرد عليه أيضاً عقد الفضولي الخالي من المهر إذا لحقته الإجازة، إذ الإجازة اللاحقة له لا تصيّره واقعاً بالأمر.

ويرد عليه أيضاً تزويج الوليّ إيّاها مفوّضة على القول بصحّته.

ولو قال: هو إخلاء العقد من ذكر المهر بفعل الزوجة أو من يقوم مقامها، مثل: «زوّجتك نفسي» إذا كان العاقد الزوجة، أو «زوّجتك فلانة» إذا كان العاقد غيرها.

وليس ذلك مبطلاً قطعاً، حتّى لو عقد ونفى المهر كان صحيحاً، مثل: «زوّجتك ولا مهر عليك».

ولا فرق بين كون الزوجة بكراً أو ثيّباً في ذلك كلّه.»[6]

ولكن الإشكال في تعريف المحقّق الكركيّ أنهّ لا يشمل العقد الفضوليّ، لأنّ فعل الفضول ليس فعل الزوجة ولا فعل القائم مقامها.

فيمكن القول أنّ المراد من تفويض البضع هو أن يفتقد النكاح المهر برضا من الزوجة أو القائم مقامها، سواء كان نتيجة لعدم ذكر المهر أو التصريح بفقدان العقد للمهر.

غير أنّه أشكل على صحّة العقد في بعض صور الفرض الثاني.

قال العلامة في القواعد: «لو قالت: «على أن لا مهر عليك» صحّ‌ العقد. ولو قالت: «على أن لا مهر عليك في الحال ولا في ثانيه» احتمل الصحّة، لأنّه معنى «أن لا مهر عليك»، والبطلان، لأنّه جعلها موهوبة.»[7]

وقال فخرالمحقّقين في شرحه: «قال المصنّف: «احتمل الصحّة» لأنّه معنى «أن لا مهر عليك» لأنّ «مهر» نكرة والنكرة في معرض النفي تعمّ.

وفيه نظر، لأنّ نفي النكرة تعمّ الأفراد لا الأزمان، وإلا لم يبق فرق بين الدوام والإطلاق العام.

ويمكن أن يقال: يلغو المنفيّ في المستقبل ويصحّ النفي في الحال؛ أمّا في المستقبل فظاهر، وأمّا صحّته في الحال فلأنّه نصّ على التفويض.

ووجه الثاني ـ وهو بطلان النكاح ـ أنّ النكاح بغير مهر في الحال ولا في المستقبل، هبة من المرأة نفسها، ونكاح الموهوبة مخصوص بالنبيّ(ص).

وقد ذكر المصنّف وجهين: أن يكون تفويضاً صحيحاً ب ـ فساد النكاح. وبقي هنا وجه آخر أنّه تفويض فاسد وإذا فسد التفويض وصحّ النكاح، وجب مهر المثل.

والأقوى عندي بطلان العقد، لأنّ التفويض نفي شرط المهر أو شرط نفيه في الجملة ولا ينافي مقتضى العقد، لأنّه ثبت المهر بالوطء، ونفي المهر دائماً بالعقد والوطء ينافي مقتضى العقد، وكلّ شرط ينافي مقتضى العقد يُبطل العقد.»[8]

أقول: أراد فخر المحقّقين ممّا بيّنه في توضيح دعوى العلامة في وجه الصحّة أنّه لا فرق بين أن يقال: «على أن لا مهر عليك» وأن يقال: «على أن لا مهر عليك في الحال ولا في ثانيه»، وإذا قلنا بصحّة التفويض بالتعبير الأول، فيلزم القول بصحّته بالتعبير الثاني أيضاً، لأنّ المهر في الأوّل نكرة في سياق النفي فيفيد العموم، ويكون مرادفاً لمعنى التعبير الثاني.

وأشكل فخر المحقّقين على هذا الاستدلال بأنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم الأفرادي لا الأزمانيّ، وإلا لم يعد فرق بين دوام الحكم وعمومه، ويعود هذا الإشكال أساساً إلى أنّ شمول الحكم لجميع الأفراد يكون بواسطة عموم الدليل، وأمّا دوامه في الأزمنة المختلفة فمتوقّف على إطلاقه، وما تدلّ عليه النكرة في سياق النفي فهو الأوّل دون الثاني.

ويجاب على الإشكال بأنّه قد يكون مراد العلامة هو التمسّك بإطلاق «على أن لا مهر عليك» لا عمومه المستفاد من النكرة في سياق النفي، فلا يرد عليه هذا الإشكال.

ومع ذلك فإنّ المحقّق الكركي أورد إشكالاً آخر على كلام العلامة حيث قال في جامع المقاصد: «يمكن الفرق بينهما بأنّ ظاهر العموم لا يأبى التخصيص، بخلاف ما نصّ فيه على نفي المهر في الحالين، فإنّه يمتنع تخصيصه بلزوم المهر في ثاني الحال.»[9]

ويجاب على الإشكال بأنّ التقييد إنّما يمكن فيما لم يعلم مراد المتكلّم الجدّي من كلامه، وإذا كان ظاهر الكلام مطلقاً وعلمنا أنّ المتكلم يريد هذا الإطلاق جادّاً، فلا يمكن رفع اليد عنه بالدليل المقيّد. فإذا قال بعدم وجود مهر في العقد بالتعبير الأوّل وعلمنا أنّه يقصد عدم وجود مهر لا في الحال ولا في المستقبل، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo