< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / وجوه بطلان النکاح

 

ذكر لبطلان النكاح ـ فيما إذا ذكر في العقد عدم وجود مهر للزوجة لا في الحال ولا لاحقاً ـ وجوه نذكرها فيما يلي:

1ـ الأخبار:

منها: صحيحة الحلبي‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)، قال‌: «...قلت‌: قوله:‌ ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾[1] ؟ فقال:‌ لرسول‌ الله(ص)‌ أن‌ ينكح‌ ما شاء‌ من‌ بنات‌ عمّه‌ وبنات‌ عمّاته‌ وبنات‌ خاله‌ وبنات‌ خالاته‌ وأزواجه‌ اللاتي هاجرن‌ معه‌، وأُحلّ‌ له‌ أن‌ ينكح‌ من‌ عرض‌ المؤمنين‌ بغير مهر وهي‌ الهبة، ولا تحلّ‌ الهبة‌ إلا لرسول‌ الله(ص)، فأمّا لغير رسول‌ الله(ص) فلا يصلح‌ نكاح‌ إلا بمهر، وذلك‌ معنى قوله‌ تعالى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِیِّ﴾[2] ...»[3] [4]

ومنها: معتبرة زرارة‌ عن‌ أبي جعفر(ع)،‌ قال‌: «سألته‌ عن‌ قول‌ الله‌ عزّ وجلّ‌: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِیِّ﴾[5] ؟ فقال:‌ لا تحلّ‌ الهبة‌ إلا لرسول‌ الله(ص)،‌ وأمّا غيره‌ فلا يصلح‌ نكاح‌ إلا بمهر.»[6] [7]

ومنها: معتبرة أبي الصبّاح‌ الكنانيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)،‌ قال‌: «﴿لا تحلّ‌ الهبة‌ إلا لرسول‌ الله(ص)،‌ وأمّا غيره‌ فلا يصلح‌ نكاح‌ إلا بمهر.»[8] [9]

ومنها: معتبرة أبي بكر الحضرميّ‌ عن‌ أبي جعفر(ع): «...قلت‌ [قوله‌ عزّ وجلّ‌]: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِیِّ﴾[10] ‌؟ فقال:‌ لا تحلّ‌ الهبة‌ إلا لرسول‌ الله(ص)، وأمّا لغير رسول‌ الله‌ فلا يصلح‌ نكاح‌ إلا بمهر.»[11] [12]

والوجه في التمسّك بهذه الأخبار هو أنّ النكاح بالنحو المذكور إذا لم يكن من الصلاح فيكون فاسداً.

ولكن يجاب عليه بأنّ التعبير بـ «لا يصلح» ليس متعلّقاً بأصل النكاح، وإنّما هو للنكاح الفاقد للمهر، أي الذي يفتقد الصلاح شرعاً فهو النكاح الفاقد للمهر وهذا لا ينافي أن يكون أصل النكاح صحيحاً ثمّ يجعل له مهر من قبل الزوجين أو الشار

ويؤيّده ما يلي من الأخبار:

صحيحة الحلبيّ الأُخری،‌ قال‌: «سألت‌ أبا عبدالله(ع)‌ عن‌ المرأة‌ تهب‌ نفسها للرجل‌ ينكحها بغير مهر؟ فقال:‌ إنّما كان‌ هذا للنبيّ(ص)، ‌وأمّا لغيره‌ فلا يصلح‌ هذا حتّى يعوّضها شيئاً يقدّم‌ إليها قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، قلّ‌ أو كثر، ولو ثوب‌ أو درهم.‌ وقال‌ يجزئ‌ الدرهم‌.»[13] [14]

وخبر عبدالله‌ بن‌ سنان‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)‌: «في امرأة‌ وهبت‌ نفسها لرجل‌ أو وهبها له‌ وليّها؟ فقال:‌ لا، إنّما كان‌ ذلك‌ لرسول‌ الله(ص) وليس‌ لغيره‌ إلا أن‌ يعوّضها شيئاً، قلّ‌ أو كثر.»[15] [16]

ومرسلة عبدالله‌ بن‌ المغيرة‌ عن‌ رجل‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)‌: «في امرأة‌ وهبت‌ نفسها لرجل‌ من‌ المسلمين؟‌ قال:‌ إن‌ عوّضها كان‌ ذلك‌ مستقيماً.»[17] [18]

فمن الواضح ظهور هذه الأخبار في صحّة النكاح بشرط إعطاء الزوج للزوجة شيئاً.

على أنّه لا يمكن الالتزام بإطلاق أخبار الفئة الأُولى، إذ يصحّ النكاح بدون المهر في بعض الموارد، كما لو فوّضت المرأة بضعها ثمّ مات الزوج أو الزوجة قبل الدخول وتعيين مقدار للمهر، فإنّ الزوجة هاهنا لا تستحقّ المهر كما تقدّم في كلمات المحقّق وسيأتي تفصيله إن شاء الله.

بل حتّى إذا طلّقها الزوج قبل الدخول، فلا تستحقّ إلا المتعة لا المهر كما تقدّم في كلمات المحقّق أيضاً.

وهناك أخبار أُخرى في المسألة:

منها: صحيحة محمّد بن‌ قيس‌ (محمّد بن مسلم ظ) عن‌ أبي جعفر(ع)،‌ قال‌: «...إنّ‌ الحرّة‌ لا تهب‌ فرجها ولا تعيره‌ ولا تحلّله.»[19] [20]

ومنها: حسنة محمّد بن‌ قيس‌ (محمّد بن مسلم ظ) عن‌ أبي جعفر(ع)، قال‌: «...فأحلّ‌ الله‌ عزّ وجلّ‌ هبة‌ المرأة‌ نفسها لرسول‌ الله(ص) ولا يحلّ‌ ذلك‌ لغيره‌.»[21] [22]

ومنها: خبر زرارة‌ عن‌ أبي جعفر(ع)، قال‌: «لا تحلّ‌ الهبة‌ لأحد بعد رسول‌ الله(ص).‌»[23] [24]

والوجه في التمسّك بهذه الأخبار هو كونها تنهى عن الهبة، والنهي يدلّ على الفساد في المعاملات، فينتج منها فساد النكاح.

ويجاب على هذا الاستدلال بأنّه لو سلّمنا بدعوى فساد المعاملات بالنهي، فإنّ النهي في هذه الأخبار لم يتعلّق بأصل النكاح بل بالهبة، فلا ينتج عنه فساد النكاح.

فتبيّن أنّ الأخبار لا تدلّ على فساد النكاح في الفرض المذكور.

2 ـ مخالفة الشرط المذكور لمقتضى عقد النكاح

هذا الاستدلال هو ما تقدّم في كلمات فخر المحقّقين وجوابه أولاً: أنّ عدم استحقاق الزوجة للمهر ليس شرطاً مخالفاً لمقتضى أصل النكاح وإنّما يخالف إطلاقه، إذ ليس مقتضى النكاح إلا الزوجيّة، واستحقاق الزوجة للمهر حكم شرعيّ رتّبه الشارع على موضوع مثل النكاح أو الوطء المحترم. ويؤيّده أنّ نكاح الرسول الأكرم(ص) مع اللاتي وهبن أنفسهن له فماهيّته ليست مختلفة عن سائر أنواع النكاح، بينما لو كان استحقاق الزوجة للمهر من مقتضيات عقد النكاح نفسه، لوجب القول بأنّ النكاح المذكور تختلف ماهيّته عن سائر أنواعه، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فأدلّة الأحكام المترتّبة على سائر أنواع النكاح تشمل هذه الأنکحة أيضاً.

وثانياً: حتّى لو سلّمنا بأنّ استحقاق الزوجة للمهر بمجرّد العقد هو مقتضى ذات العقد، فإنّ استحقاقها للمهر في صورة الوطء لا يقتضيه ذات العقد، وإنّما يستفاد ذلك من أدلّة أُخرى تدلّ على عدم خلوّ الوطء المحترم عن مهر، فإذا حدث الوطء بالشبهة، فإنّ المرأة تستحقّ مهر المثل، ويؤيّده أنّ الثابت بالعقد هو المهر المسمّى والثابت بالوطء هو مهر المثل.

وثالثاً: إنّ الشرط المخالف لمقتضى العقد لا يقتضي فساد العقد، إلا إذا كان بنحو يمنع من القصد الجدّي للعاقد له.

وتقدّم في كلمات فخر المحقّقين احتمال ثالث من أنّ احتمال صحّة العقد وثبوت مهر المثل بمجرّد العقد، لا يعتنى به، إذ ـ كما تقدم في كلمات المحقّق وسيأتي تفصيله إن شاء الله ـ لا دليل على ثبوت المهر بمجرّد العقد، والشرط الفاسد لا يكون سبباً لثبوته.

فالحقّ في المسألة ما ذهب إليه القائلون بصحّة العقد وكون المرأة في هذه الصورة مفوّضة لبضعها.

قال الشيخ في البسوط: «إن قال: «بغير مهر في الحال ولا فيما بعد»، كان النكاح أيضاً صحيحاً، لأنّ إطلاقه يقتضي المهر، فإذا شرط أن يكون بغير مهر كان الشرط باطلاً. وقال قوم: النكاح باطل، لأنّها تصير كالموهوبة، والأوّل أصحّ.»[25]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo