< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / الروايات في حكم مهر مفوّضة البضع

نظراً لما تقدّم من كلمات المفسّرين في معنى الآية، يمكن بيان بعض الملاحظات:

الأُولى: لا وجه لرفع اليد عن المعنى الظاهريّ لمفردة «جناح» وحملها على معنىً يدلّ على عدم لزوم دفع المهر. فيكون معنى «لا جناح» في الآية المباركة بمعنى عدم العقوبة شرعاً، والآية تبيّن أنّ الطلاق لا محذور منه شرعاً في الموارد المذكورة، والوجه فيه قد يكون وجود توهّم الحظر في ذلك الوقت.

الثانية: ليس المعنى الظاهر من «أو» إلا العطف، ولا وجه لحمله على سائر المعاني مادام يمكن حمله على معناه الظاهريّ ولا توجد قرينة على حمله على سائر المعاني.

فالمعنى الظاهري للآية الشريفة هو: سواء لم تدخلوا بالزوجة أو لم تجعلوا لها مهراً، فلا إشكال في الطلاق. والمثال العرفي الذي يساعد على فهم معنى الآية الشريفة بشكل أفضل هو أنّه إذا قال المولى لعبده: عليك أن تحضر في المكان كذا غداً، سواء لم يكن لديك ثوب مناسب أو لم تجد مطيّة مناسبة للذهاب إلى هناك، فما يفهمه العرف من الكلام أنّ عدم الثوب والمركب المناسبين، لا يعتبر عذراً لعدم امتثال أمر المولى وإن لم يوجد أيّ منهما.

وبذلك يكون معنى الآية الشريفة أنّه إن لم يكن للزوجة مهر ولم تكن مدخولة، فيمكن طلاقها، وهذا لا يوجد مشكلة في الطلاق.

وبالنتيجة فالزوجة التي أمرت تكملة الآية الشريفة بإعطائها متاعاً فهي من قبيل هذه المرأة أيضاً.

الثالثة: دلّت الآية الشريفة على وجوب إعطاء الزوجة مالاً في الفرض المذكور، لأنّ الأمر ظاهر في الوجوب، ولكنّ الموجود في كلمات بعض العامّة من أنّ دفع المال في الآية الكريمة اعتبر من مقتضيات الإحسان، والعمل بالواجب لا يكون بمقتضى الإحسان، فلا يجب دفع المال، فهو رأي واضح الضعف، إذ أولاً: لا يصحّ دعوى أنّ كلّ ما وجب فهو لا يكون من مقتضى الإحسان، بل الإحسان يمكن أن يكون واجباً أو مستحبّاً، فمثلاً إنقاذ حياة المؤمن واجب، كما أنّه يکون إحساناً إليه، ولذلك يرى الناجي نفسه مديناً للمنجي ويراه صاحب حقّ في ذمّته، ولا يقال بأنّه لم يتحقّق إحسان من الناجي لوجوب الإنقاذ عليه.

وثانياً: فالتعبير بالحقّ في ذيل الآية الشريفة، يؤيّد وجوب دفع المال. ولذلك قال في الجواهر: «مقتضى قوله: «حقّاً» وقوله: «على» الوجوب، والمراد بالمحسنين من يحسنون بفعل الطاعة واجتناب المعصية، وخصّهم بالحكم تشريفاً لهم، أو أنّ المراد من أراد أن يحسن فهذا طريقه وهذا حقّه بأن يعطي المطلّقات ما فرض الله لهنّ.»[1]

كما لا يصحّ الاستدلال بآية نفي السبيل لنفي وجوب دفع المال، لأنّ معنى نفي السبيل عن المحسنين ليس عدم وجوب الإحسان عليهم، وإنّما معناه عدم ضمان المحسنين حال توجّه ضرر بواسطة عملهم إلى شخص آخر، كما لو لزم قطع عضو من أعضاء جسد الشخص لإنقاذ حياته.

الرابعة: يشمل إطلاق الآية الشريفة جميع الزوجات، صغيرة كانت أم كبيرة، وحرّة كانت أم أمة، ومن المعلوم أنّ الزوجة المؤقّتة خارجة تخصّصاً عن شمول الآية، لأنّ الطلاق لا معنى له بالنسبة إليها. نعم، هناك كلام حول صحّة إنکاح الصغيرة مفوّضة سيأتي تفصيله إن شاء الله.

وقد استفيد من الآية الشريفة أمور أُخرى أيضاً سنتناولها فيما بعد.

2ـ الروايات

الروايات التي ذكر فيها حكم مهر مفوّضة البضع، هي:

1 ـ صحيحة أبي بصير عن‌ أبي عبدالله(ع)، قال: «إذا طلّق‌ الرجل‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، فقد بانت‌ منه‌ وتتزوّج‌ إن‌ شاءت‌ من‌ ساعتها، وإن‌ كان‌ فرض‌ لها مهراً فلها نصف‌ المهر وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها مهراً فليمتّعها.»[2] [3]

2 ـ حسنة الحلبيّ‌ عن‌ أبي عبد الله(ع)‌: «في رجل‌ يطلّق‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، قال‌: عليه‌ نصف‌ المهر إن‌ كان‌ فرض‌ لها شيئاً، وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها فليمتّعها على نحو ما يمتّع‌ مثلها من‌ النساء‌...»[4] [5]

3 ـ معتبرة أبي بصير، قال‌: «سألت‌ أبا عبدالله(ع)‌ عن‌ رجل‌ طلّق‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها؟ قال:‌ عليه‌ نصف‌ المهر إن‌ كان‌ فرض‌ لها شيئاً، وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها شيئاً فليمتّعها على نحو ما يمتّع‌ به‌ مثلها من‌ النساء.‌»[6] [7]

4 ـ صحيحة محمّد بن‌ مسلم‌ عن‌ أبي جعفر(ع)، قال‌: «سألته‌ عن‌ الرجل‌ يطلّق‌ امرأته؟‌ قال:‌ يمتّعها قبل‌ أن‌ يطلّق، فإنّ‌ الله‌ تعالى يقول:‌ ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾[8] [9] [10]

والرواية مطلقة تشمل كلّ مطلّقة.

5 ـ خبر أبي الصبّاح‌ الكنانيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)، قال‌: «إذا طلّق‌ الرجل‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، فلها نصف‌ مهرها، وإن‌ لم‌ يكن‌ سمّى لها مهراً ف‌متاع‌ بالمعروف، على الموسع‌ قدره‌ وعلى المقتر قدره.‌»[11] [12]

6 ـ خبر أبي حمزة‌ عن‌ أبي جعفر(ع)،‌ قال‌: «سألته‌ عن‌ الرجل‌ يريد أن‌ يطلّق‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها؟ قال:‌ يمتّعها قبل‌ أن‌ يطلّقها، فإنّ‌ الله‌ تعالى قال:‌ «﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾».»[13] [14]

هذه الرواية أيضاً مطلقة كالرواية الرابعة، وإن لم يشمل إطلاقها الطلاق بعد الدخول.

7 ـ مرسلة أحمد بن‌ محمّد بن‌ أبي نصر عن‌ بعض‌ أصحابنا عن‌ أبي عبدالله(ع)، قال‌: «إنّ‌ متعة‌ المطلّقة‌ فريضة.‌»[15] [16]

المستفاد من مجموع هذه الأخبار هو عين الحكم المستفاد من ظاهر الآية الشريفة أيضاً من أنّه لو طلّقت المرأة قبل الدخول ولم يسمّ لها مهر، فهي تستحقّ مهر المتعة، وقد اتّفق عليه الأصحاب.

قال في الرياض: «لو طلّق المفوّضة، فلها المتعة خاصّة إن كان الطلاق قبل الفرض والدخول خاصّة، بالإجماع.»[17]

وأمّا أنّ غير مفوّضة البضع هل تستحقّ المتعة أم لا؟ فهذا ما نتناوله بالبحث في الفروع الآتية إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo