< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / موت الزوج أو الزوجة قبل الدخول

 

الحالة الثانية: الطلاق بعد الدخول

إذا طلّقت مفوّضة البضع بعد الدخول، فالأخبار تقتضي استحقاقها لمهر مثلها.

منها: صحيحة الحلبي، قال‌: «سألته‌ عن‌ رجل‌ تزوّج‌ امرأة‌ فدخل‌ بها ولم‌ يفرض‌ لها مهراً ثمّ‌ طلّقها؟ فقال: لها مهر مثل‌ مهور نسائها ويمتّعها.»[1] [2]

ومنها: موثّقة منصور بن‌ حازم‌، قال: «قلت‌ لأبي عبدالله(ع):‌ في رجل‌ يتزوّج‌ امرأة‌ ولم‌ يفرض‌ لها صداقاً؟ قال: لا شي‌ء‌ لها من‌ الصداق،‌ فإن‌ كان‌ دخل‌ بها فلها مهر نسائها.»[3] [4]

ومنها: خبر عبدالرحمن‌ بن‌ أبي عبدالله،‌ قال: «قال‌ أبو عبدالله(ع): في رجل‌ تزوّج‌ امرأة‌ ولم‌ يفرض‌ لها صداقاً ثمّ‌ دخل‌ بها؟ قال:‌ لها صداق‌ نسائها.»[5] [6]

ولا خلاف بين الأصحاب في هذا الحکم.

قال في الرياض: «يجب بعده ـ أي الدخول ـ وقبل الفرض لها مهر المثل إجماعاً.»[7]

الحالة الثالثة: موت الزوج أو الزوجة قبل الدخول

إذا مات الزوج أو الزوجة قبل الدخول في نكاح مفوّضة البضع، فهل تستحقّ الزوجة مهراً أو متعةً أم لا؟

قال الشيخ في الخلاف: «إذا مات أحدهما قبل الفرض وقبل الدخول، فلا مهر لها؛ وبه قال في الصحابة عليّ(ع)، وابن عبّاس، وزيد، والزهري. وبه قال ربيعة، ومالك، والأوزاعي، وأهل الشام، وهو أحد قولي الشافعي.

والقول الآخر: لها مهر مثلها؛ وبه قال ابن مسعود، وأهل الكوفة، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد، وإسحاق.

دليلنا: أنّ الأصل براءة الذمّة وشغلها بذلك يحتاج إلى دليل.»[8]

والحقّ ما ذهب إليه الشيخ في المسألة، لأنّ اشتغال ذمّة الزوج بمهر أو متعة يحتاج إلى دليل، ولا دليل على اشتغال ذمّة الزوج بالمهر فيما فقد العقد مهراً مسمّىً ولم يحصل دخول يستوجب دفع مهر المثل.

ومن جهة أُخرى فإنّ المتعة في الآية والأخبار إنّما يكون في الطلاق قبل الدخول ولا دليل على استحقاق الزوجة لها في الصورة المذكورة، فمتقضى أصل البرائة هو عدم وجوب بذل مال من قبل الزوج أو ورّاثه لورّاث الزوجة أو الزوجة نفسها.

اللهمّ إلا إذا ادّعي أنّ الأخبار الدالّة على أنّ الزوجة لا يجوز لها هبة نفسها للزوج وأنّه يجب على الزوج أن يدفع إليها مالاً ـ ممّا تقدّم نصّها ـ يستفاد منها إجمالاً أنّه يجب على الزوج دفع مال للزوجة، وفي هذه الصورة فذمّته تبرأ بدفع أقلّ ما يتموّل به، وتجري البرائة في الزائد عليه.

ثمّ إنّه قد وردت في المسألة أخبار:

1 ـ صحيحة الحلبيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع) أنّه‌ قال‌: «في المتوفّى عنها زوجها إذا لم‌ يدخل‌ بها، إن‌ كان‌ فرض‌ لها مهراً فلها مهرها الذي فرض‌ لها ولها الميراث‌ وعدّتها أربعة‌ أشهر وعشراً كعدّة‌ التي دخل‌ بها، وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها مهراً فلا مهر لها وعليها العدّة‌ ولها الميراث.‌»[9] [10]

2 ـ صحيحة عبدالرحمن‌ بن‌ أبي عبدالله، قال: «سألت‌ أبا عبدالله(ع) عن‌ الرجل‌ يتزوّج‌ امرأة‌ ولم‌ يفرض‌ لها صداقاً فمات‌ عنها أو طلّقها قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، ما لها عليه‌؟ فقال:‌ ليس‌ لها صداق‌ وهي‌ ترثه‌ ويرثها.»[11] [12]

3 ـ موثّقة ابن‌ أبي يعفور عن‌ أبي عبدالله(ع) أنّه‌ قال: «في امرأة‌ توفّيت‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها زوجها، ما لها من‌ المهر؟ وكيف‌ ميراثها؟ قال: إذا كان‌ قد مهرها صداقاً، فلها نصف‌ المهر وهو يرثها، وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها صداقاً، فهي‌ ترثه‌ ولا صداق‌ لها.»[13] [14]

4 ـ موثّقة عبيد بن‌ زرارة‌ عن‌ أبي عبدالله(ع): «في المتوفّى عنها زوجها ولم‌ يدخل‌ بها؟ قال:‌ هي‌ بمنزلة‌ المطلّقة‌ التي لم‌ يدخل‌ بها، إن‌ كان‌ سمّى لها مهراً فلها نصفه‌ وهي‌ ترثه‌، وإن‌ لم‌ يكن‌ سمّى لها مهراً فلا مهر لها وهي‌ ترثه.‌ قلت:‌ والعدّة؟‌ قال:‌ كفّ‌ عن‌ هذا.»[15] [16]

5 ـ مضمرة زرارة‌، قال‌: «سألته‌ عن‌ المرأة‌ تموت‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، أو يموت‌ الزوج‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها؟ فقال‌: أيّهما مات‌ فللمرأة‌ نصف‌ ما فرض‌ لها، وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها فلا مهر لها.»[17] [18]

6 ـ معتبرة أبي الصبّاح‌ الكنانيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)، قال‌: «إذا توفّي‌ الرجل‌ عن‌ امرأته‌ ولم‌ يدخل‌ بها، فلها المهر كلّه‌ إن‌ كان‌ سمّى لها مهراً وسهمها من‌ الميراث،‌ وإن‌ لم‌ يكن‌ سمّى لها مهراً لم‌ يكن‌ لها مهر وكان‌ لها الميراث‌.»[19] [20]

7 ـ معتبرة الحسين بن علوان عن‌ جعفر، عن‌ أبيه‌(ع): «أنّ‌ عليّاً(ع) كان‌ يقضي في الرجل‌ يتزوّج‌ المرأة‌ ولا يفرض‌ لها صداقاً ثمّ‌ يموت‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها: أنّ‌ لها الميراث‌ ولا صداق‌ لها.»[21] [22]

8 ـ خبر ابن‌ أبي يعفور عن‌ أبي عبدالله(ع) أنّه‌ قال‌: «في امرأة‌ توفّيت‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، ما لها من‌ المهر؟ وكيف‌ ميراثها؟ فقال:‌ إذا كان‌ قد فرض‌ لها صداقاً، فلها نصف‌ المهر وهو يرثها، وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها صداقاً، فلا صداق‌ لها. وقال في رجل‌ توفّي‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بامرأته،‌ قال:‌ إن‌ كان‌ فرض‌ لها مهراً فلها نصف‌ المهر وهي‌ ترثه،‌ وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها مهراً فلا مهر لها.»[23] [24]

9 ـ مضمرة سليمان‌ بن‌ خالد، قال: «سألته‌ عن‌ المتوفّى عنها زوجها ولم‌ يدخل‌ بها؟ فقال‌: إن‌ كان‌ فرض‌ لها مهراً، فلها مهرها وعليها العدّة‌ ولها الميراث‌، وعدّتها أربعة‌ أشهر وعشراً، وإن‌ لم‌ يكن‌ قد فرض‌ لها مهراً، فليس‌ لها مهر ولها الميراث‌ وعليها العدّة.»[25] [26] ومثله مضمرة سماعة.[27] [28]

أقول: تدلّ الروايات المتقدّمة على عدم استحقاق الزوجة للمهر، وقد يقال إنّه لا ينافي استحقاقها المتعة.

غير أنّ هناك روايتين تدلان على عدم استحقاقها أيّ شيء.

1 ـ موثّقة عبيد بن‌ زرارة‌، قال‌: «سألت‌ أبا عبدالله(ع) عن‌ امرأة‌ هلك‌ زوجها ولم‌ يدخل‌ بها؟ قال:‌ لها الميراث‌ وعليها العدّة‌ كاملة،‌ وإن‌ سمّى لها مهراً فلها نصفه، وإن‌ لم‌ يكن‌ سمّى لها مهراً فلا شي‌ء‌ لها.»[29] [30]

2 ـ معتبرة أُخری للحسين‌ بن‌ علوان‌ عن‌ جعفر، عن‌ أبيه،‌ عن‌ عليّ‌ بن‌ أبي طالب(ع) أنّه‌ قال: «في المرأة‌ يتزوّجها الرجل‌ ثمّ‌ يموت‌ ولم‌ يفرض‌ لها صداقاً: حسبها الميراث‌.»[31] [32]

فالروايتان وإن كانتا في فرض موت الزوج ولكن بضمّ الإجماع المركّب على وحدة الحكم في صورة موت الزوج والزوجة، يمكن القول بأنّ ورثة الزوجة لا يستحقّون شيئاً حال موتها.

ولكن في المسألة خبر ظاهره خلاف الروايات المتقدّمة وهو ما رواه زيد الشحّام‌ عن‌ أبي عبدالله(ع): «في رجل‌ تزوّج‌ امرأة‌ ولم‌ يسمّ‌ لها مهراً فمات‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها؟ قال:‌ هي‌ بمنزلة‌ المطلّقة‌.»[33] [34]

قال صاحب الوسائل ذيل هذا الخبر: «لعلّه محمول على الاستحباب بالنسبة إلى الوارث لما مرّ، أو على كونها بمنزلة‌ المطلّقة في سقوط المهر لا في ثبوت‌ المتعة‌.»

ويؤيّد الحمل الثاني الذي ذكره صاحب الوسائل الموثّقة الأولى لعبيد بن زرارة (الرقم 4) المتقدّمة ضمن أخبار الطائفة الأُولی، مع أنّ الرواية ضعيفة سنداً.

ولا وجه لدعوى بعض العامّة من وجوب دفع مهر المثل في هذا الفرض، إذ ـ كما تقدّم في كلمات المحقّق الحلّي أيضاً وذكرناه سابقاً ـ لا دليل على ثبوت مهر المثل بالعقد، بل مهر المثل موضوعه هو الوطء المحترم.

قال الشيخ في الخلاف: «لا يجب بالعقد مهر المثل؛ وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجب بالعقد مهر المثل.

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأُولى سواء.

واستدلّ أبو حنيفة بما روي أنّه أُتي عبدالله بن مسعود في رجل تزوّج امرأة فمات عنها ولم يفرض لها ـ وفي بعضها قال: فاختلفوا إليه شهراً، أو قال: مرّات ـ قال: فإنّي أقول فيها: أنّ لها صداقاً كصداق نسائها، لا وكس فيه ولا شطط، وأنّ لها الميراث وعليها العدة، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطئاً فمنّي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان. فقام إليه ناس من أشجع، فيهم الجرّاح وأبو سنان، فقالوا: يا ابن مسعود، نحن نشهد أنّ رسول الله(ص) قضاها فينا في بَروع بنت واشق، كان تزوّجها هلال بن مرّة الأشجعي كما قضيت. قال: ففرح عبدالله بن مسعود فرحاً شديداً حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله(ص).

وهذا خبر واحد لا يجب عندنا العمل عليه، لأنّه لم يرو من طريقنا وإنّما روي من طريق لا يعرف عدالة رواته، وما هذا صورته لا يجب العمل به.

وقد أُجيب عنه بأجوبة...»[35]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo