< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور/أحکام المهر/محدوديّة مهر المثل كثرةً

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّه لا وجه للأخذ بأحوال الزوج في تعيين مهر مثل المرأة.

ولكنّ الوارد في كلمات العلامة من أنّه إذا كانت لأحواله مدخليّة في تعيين المهر عرفاً ـ كما لو اختلف عرفاً مهر المرأة التي أسكنها زوجها في مدينتها عن التي أسكنها في مدينة أُخرى ـ فتؤخذ الصفة المذكورة بعين الاعتبار، فمعناه أنّه على الرغم من عدم اعتبار العرف لهذه الخصائص في تعيين مهر المثل ولكن لو حكم العرف في مورد بوجوب كون المهر أقلّ أو أكثر من مهر المثل لهذه الأُمور، فيجب أخذ ذلك بعين الاعتبار في التخفيف عن مهر المثل أو الزيادة عليه.

فلذا قال المحقّق الکرکي: «فإن قيل: لا دخل لصفات الزوج في مهر المثل، فلا ينظر إلى شرفه وقربه وضدّهما، فكيف اعتبرت صفاته هنا؟

قلنا: الأمر كذلك ولم تعتبر صفاته هنا من حيث هي صفاته، وإنّما اعتبرت من جهة حصول صفة القرابات باعتبارها، فإنّ كونهنّ زوجات لرجال العشيرة، صفة اقتضت تخفيف مهورهنّ بحسب العادة ونقصها، فإذا شاركهنّ في تلك الصفة، نقص من مهرها كما نقص من مهورهنّ باعتبارها، وكذا القول في شرف الزوج ونحوه.»[1]

لكنّ الحقّ أنّه لا وجه للالتزام بذلك، حيث معناه أنّه إذا کانت شرائط النكاح بحيث يحكم العرف بتخفيف المهر أو زيادته ـ لا بمعنى زيادة مهر مثل المرأة أو نقصانه، بل معنى لزوم أن تأخذ أقلّ من مهر مثلها أو أكثر منه ـ فيجب على الزوجة أن تطالب بأقلّ منه أو بالزائد عليه، وهذا مخالف لظواهر الأدلّة.

وأمّا إذا اختلف مهر المثل مع مرور الزمان، فما هو الملاك في تعيينه؟ هل هو زمان النكاح أم زمان الوطء أم زمان دفع مهر المثل، أم يجب الأخذ بأكثر المقادير خلال هذه المدّة؟

قال العلامة في القواعد: «الاعتبار في الوطء في النكاح الفاسد بمهر المثل يوم الوطء.»[2]

والحقّ أنّ الثابت في ذمّة الزوج هو مهر المثل يوم الوطء، ولا فرق في المسألة بين أن يكون الوطء في نكاح فاسد أو وطء مفوّضة البضع، إذ لم يثبت في ذمّة الزوج مهر قبل الوطء، وبعد الوطء وثبوت مهر المثل في ذمّته لا وجه لتغيّر ذلك المهر. ولكن بما أنّ المهر حالّ ويجب على الزوج أن يدفعه إلى الزوجة عند مطالبتها إيّاه، فإذا كان موسراً حينها فامتنع من دفعه على الرغم من مطالبة زوجته، فلا يبعد إجراء حكم الغاصب بحقّه، ففي هذه الصورة يثبت على عهدته أعلى القيم منذ يوم الوطء إلى يوم الدفع.

وأمّا صاحب الجواهر فقد نسب إلى العلامة في القواعد أنّه قال بوجوب دفع مهر المثل بقيمة يوم العقد، ولكن المسألة التي ذهب فيها إلى اعتبار يوم العقد فهي مسألة أُخرى.

قال في القواعد: «لو وطئ المفوّضة بعد سنين وقد تغيّرت صفتها، وجب مهر المثل معتبراً بحال العقد.»[3]

وتختلف هذه المسألة عن المسألة الآنفة بأنّ السبب الداعي إلى الختلاف قيمة مهر المثل في هذه المسألة هو تأخير الزوج في الوطء وبالنتيجة فقد يسند تضاؤل قيمة مهر المثل إلى الزوج.

قال المحقق الثاني: «لو تزوّجها مفوّضة وتركها عدّة سنين حتّى تغيّرت حالها وتبدلّت صفتها ثمّ دخل بها، وجب مهر المثل معتبراً بحال العقد دون حال الوطء، لأنّ زمان العقد هو وقت ملكيّة البضع ووقت دخوله في ضمانه، وهو الوقت الذي فيه ملكت أن تملك مهراً بالعقد وكان الاعتبار به.

ويحتمل الاعتبار بحال الوطء، لأنّه وقت وجوب المهر.

والأوّل هو المذهب.»[4]

فإنّ دعوى العلامة والمحقّق الكركيّ هي اعتبار العوضيّة بين البضع والمهر، وعليه فيمكن القول بأنّ زمان ملكيّة البضع من قبل الرجل كان زمان العقد، فينبغي أن يكون مهر المثل بقيمة ذلك الزمان.

والحقّ أنّه لا وجه لثبوت مهر المثل بقيمة يوم العقد في هذه الصورة، إذ المفروض أنّ الوطء هو الموجب لإثبات مهر المثل لا العقد، والزوج وإن کان له حقّ الوطء بعد العقد ولكنّه لا يعني ثبوت مهر المثل في عهدته من دون الوطء حتّى لو كان هو المقصّر والعاصي في ترك الوطء. ولذلك لو أبقى زوجته سنوات ولم يطأها، ثمّ مات من دون وطئها فلا يثبت للمرأة مهر.

وبعبارة أُخرى، فحتّى لو قلنا بالعوضيّة بين المهر والبضع، فهو مختصّ بالمهر المسمّى، ولا تكون ملكيّة مهر المثل مقابل ملكيّة البضع، بل هي بإزاء الوطء، ولا يتسبّب مجرّد العقد بثبوت مهر المثل.

فالحقّ في المسألة أنّ مهر المثل في هذا الفرض أيضاً يدخل في عهدة الزوج بقيمة يوم الوطء.

الفرع الثاني: محدوديّة مهر المثل كثرةً

هل يحدّد مهر المثل من حيث الكثرة بقدر معيّن أم لا مانع من زيادته مهما كانت فيجب دفعه؟

المشهور[5] بين الأصحاب أنّ مهر المثل في الزوجة المفوّضة للبضع المدخولة، يحدّد في الكثرة بمهر السنّة، فإذا زاد عليه لم تستحقّ الزوجة إلا بمقدار مهر السنّة، بل ادّعي عليه الإجماع[6] [7] .

والمستند الرئيسيّ في هذه الدعوى مضمرة أبي بصير التي ورد فيها: «سألته عن رجل تزوّج امرأة فوهم أن يسمّي لها صداقاً حتّى دخل بها؟ قال: السنّة، والسنّة خمسمائة درهم.»[8] [9]

علماً بأنّ الإضمار لا يخلّ في الرواية، لأنّ مضمرات أبي بصير يبعد أن تكون عن غير المعصوم(ع) فهي معتبرة، ولكنّ المشكلة التي قد تواجه سند الرواية هي في «أبان بن عثمان» الذي روى عن أبي بصير، حيث اعتبره الكشّي من فرقة «الناووسيّة»[10] وإن قال فيه في موضع آخر: «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه» واعتبر أبان في زمرتهم[11] .

فلذا قال العلامة: «الأقرب عندي قبول روايته وإن كان فاسد المذهب.»[12]

ولکن قال المحقّق التستري في القاموس في ما نسب إليه من کونه من الناووسيّة في رجال الکشّي: «إنّ النسخ في قوله: «وكان من الناووسية» أيضاً مختلفة، فالأكثر نقلوه «وكان من الناووسية» وعن المجمع نقله «وكان من القادسية»، والمطبوع جمع بينهما، مع أنّه خلاف نقل الكلّ، فلابدّ أنّه خلط. وكما أنّ خلط الحاشية بالمتن غلط وموجب للخبط، كذلك خلط النسخ البدليّة.

ثمّ الظاهر أصحّيّة «القادسية» وإن كانت نسخة «الناووسيّة» نسخة الأكثر، حتّى المحقّق والعلامة وابن داود. فقد عرفت في المقدّمة أنّ نسخة الكشّي لم يعلم وصولها صحيحة إلى الشيخ والنجاشي فضلاً عمّن تأخّر، فما لم يشهد لما فيه قرينة لم يكن بمعتبر؛ بل يشهد لخلافه عدّه في أصحاب الإجماع... ولم نر يعدّون فيهم غير إماميّ سوى «ابن بكير» الذي خالف فيه الشيخ ولم يعتبر خبره، وهو وهم من الكشّي منشؤه اعتماده على شيخه العيّاشي واعتماد العيّاشي على عليّ بن فضّال الذي كان فطحيّاً مثله. وأمّا هذا فلم يخالف فيه أحد، فلابدّ من كونه إماميّاً كصاحبيه حتّى يكون منهم.»[13]

وعلى كلّ فيمكن اعتبار الرواية سنداً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo