< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / ملاك تعيين مهر المتعة

 

أشرنا في الجلسة السابقة اعتبار رواية أبي بصير سنداً.

وأمّا دلالتها فإنّ معنى تعبيره: «وهم أنّ يسمّي لها» أنّ الزوج نسي ذكر مهر للزوجة، ولذلك اعتبرها الأصحاب في خصوص مفوّضة البضع، لأنّها التي لم يذكر لها مهر في العقد، وبما أنّ الإمام(ع) حدّد مقدار مهرها بعد الدخول بمقدار مهر السنّة، ففي مقام الجمع بينها وبين الأخبار المتقدّمة الدالّة على كون مهرها في هذه الصورة بمقدار مهر مثلها، نقول: إنّ هذه الرواية تبيّن حدّ مهر المثل من حيث الكثرة.

وفي المقابل، هناك من شكّك في هذا الحكم أو أنكره.

قال في المختلف: «أكثر الأصحاب على أنّه لا يزيد على مهر السنّة، وهو خمسمائة درهم، لما رواه أبو بصير عن الصادق(ع)... وهو غير دالّ‌ صريحاً على المطلوب.

وقال بعض علمائنا: لا يتقدّر بقدر، لما دلّت الأخبار المطلقة عليه.»[1]

وقال المحقّق الثاني: «طعن فيه المصنّف في المختلف بأنّه غير دالّ على المطلوب صريحاً، وهو كما قال، فإنّ المبحوث عنه هي المفوّضة، ومورد الرواية ما إذا وهم أن يسمّي صداقها، ويلوح منه أن كان أراد التسمية فنسبها، وليس هذا من التفويض في شيء، ومن الممكن أن يكون قد ذكر في العقد ما يقتضي مهر السنّة.»[2] ومثله کلام الشهيد الثاني وسبطه والمحقّق السبزواري وصاحب الحدائق.[3] [4] [5] [6]

أقول: الحقّ ما ذهب إليه المنكرون لمحدوديّة مهر المثل، لأنّ معتبرة أبي بصير ـ كما تقدّم في كلماتهم ـ إنّما هي فيما أُريد ذكر المهر ضمن العقد أوّلاً ثمّ لم يذكره نسياناً، والروايات السابقة الدالّة على لزوم دفع مهر المثل و إن کانت تشمل بإطلاقها هذا المورد أيضاً، ولكن يمكن رفع اليد عن إطلاقها بمعتبرة أبي بصير.

فيجب القول أنّه إذا دُخل بمفوّضة البضع، وجب دفع مهر مثلها إليها، إلا إذا كان عدم ذكر المهر نسياناً، حيث تستحقّ مهر السنّة بعد الدخول.

علماً بأنّ صاحب الجواهر تمسّك لمساعدة قول المشهور بروايات أُخرى نظير ما تقدّم دالّة على عدم جواز الزائد على مهر السنّة، وكذا بفحوى بعض الأخبار في مفوّضة البضع التي جُعل الحاكم فيها الزوجة وحكم فيها بعدم جواز زيادة ما تعيّنه الزوجة عن مهر السنّة.[7]

ولكنّ الاستدلال غير تامّ أوّلاً، لأنّ الأصحاب حملوا الأخبار المتقدّمة على الاستحباب، وثانياً: فإنّها وردت في خصوص المهر المسمّى لا مهر المثل، كما لا يمكن الالتزام بأنّ الفحوى المدّعى استفادتها من الأخبار إنّما هي في خصوص مفوّضة المهر.

ثمّ إنّ ما ذكر حتّى الآن، كان في مهر المثل بعد الدخول بالزوجة المفوّضة، وأمّا بالنسبة إلى مقدار مهر المثل في سائر الموارد ـ مثل موارد الوطء شبهة ـ فلا إشكال في عدم محدوديّتها بحدّ.

 

الفرع الرابع: ملاك تعيين مهر المتعة

يستفاد من الآية الشريفة 236 من سورة البقرة أنّ مقدار مهر المتعة يعيّن حسب شرائط الزوج الماليّة وأحواله.

وقد وردت فيه أخبار.

منها: صحيحة محمّد بن‌ مسلم‌ عن‌ أبي جعفر(ع)، قال‌: «سألته‌ عن‌ الرجل‌ يطلّق‌ امرأته؟‌ قال:‌ يمتّعها قبل‌ أن‌ يطلّق، فإنّ‌ الله‌ تعالى يقول:‌ ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾[8] [9] [10]

ومنها: خبر أبي الصبّاح‌ الكنانيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)، قال‌: «إذا طلّق‌ الرجل‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، فلها نصف‌ مهرها، وإن‌ لم‌ يكن‌ سمّى لها مهراً ف‌متاع‌ بالمعروف، على الموسع‌ قدره‌ وعلى المقتر قدره.‌»[11] [12]

ومنها: خبر أبي حمزة‌ عن‌ أبي جعفر(ع)،‌ قال‌: «سألته‌ عن‌ الرجل‌ يريد أن‌ يطلّق‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها؟ قال:‌ يمتّعها قبل‌ أن‌ يطلّقها، فإنّ‌ الله‌ تعالى قال:‌ ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾[13] [14]

ومنها: معتبرة الحلبيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)‌: «...قال:‌ إذا كان‌ الرجل‌ موسّعاً عليه،‌ متّع‌ امرأته‌ بالعبد والأمة‌، والمقتر يمتّع‌ بالحنطة‌ والشعير والزبيب‌ والثوب‌ والدراهم،‌ وإنّ‌ الحسن‌ بن‌ عليّ‌(ع) متّع‌ امرأة‌ له‌ بأمة‌ ولم‌ يطلّق‌ امرأة‌ إلا متّعها.»[15] [16] ومثله موثّقة سماعة وعبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(ع)[17] [18] وکذا موثّقة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع)[19] [20] .

ومنها: مرسلة الصدوق، قال: «روي‌: أنّ‌ الغنيّ‌ يمتّع‌ بدار أو خادم‌، والوسط يمتّع‌ بثوب،‌ والفقير بدرهم‌ أو خاتم‌.»[21] [22]

ومنها: خبر جابر عن‌ أبي جعفر(ع): «في قول‌ الله‌ عزّ وجلّ‌: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾[23] ، قال:‌ متّعوهنّ‌ جمّلوهنّ‌ ممّا قدرتم‌ عليه‌ من‌ معروف،‌ فإنّهنّ‌ يرجعن‌ بكآبة‌ وخشية‌ وهمّ‌ عظيم وشماتة‌ من‌ أعدائهنّ، فإنّ‌ الله‌ كريم‌ يستحي ويحبّ‌ أهل‌ الحياء، إنّ‌ أكرمكم أشدّكم إكراماً لحلائلهم‌.»[24] [25]

ومنها: ما راوه العياّشي في تفسيره عن أبي عبدالله وأبي الحسن موسى(ع)، قال: «سألت أحدهما عن المطلّقة، ما لها من المتعة؟ قال: على قدر مال زوجها.»[26] [27]

ويوجد في مقابل هذه الأخبار خبران آخران يعتبران شأن الزوجة أيضاً دخيلاً في تحديد مقدار مهر المتعة.

1 ـ حسنة الحلبيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)‌: «في رجل‌ يطلّق‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، قال‌: عليه‌ نصف‌ المهر إن‌ كان‌ فرض‌ لها شيئاً، وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها فليمتّعها على نحو ما يمتّع‌ مثلها من‌ النساء‌...»[28] [29]

2 ـ معتبرة أبي بصير، قال‌: «سألت‌ أبا عبدالله(ع)‌ عن‌ رجل‌ طلّق‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها؟ قال:‌ عليه‌ نصف‌ المهر إن‌ كان‌ فرض‌ لها شيئاً، وإن‌ لم‌ يكن‌ فرض‌ لها شيئاً فليمتّعها على نحو ما يمتّع‌ به‌ مثلها من‌ النساء.‌»[30] [31]

بل لا يبعد دعوى استفادة ذلك من الآية الشريفة، لأنّها بعد بيان حال الموسع والمقتر وأنّهما يمتّعان الزوجة بقدر استطاعتهم، فإنّها تقول في خصوصيّة المتاع «مَتَاعاً بِالمَعْرُوفِ» والعرف يلاحظ شأن الزوجة في المتاع المهدى إليها.

فلذا قال الشيخ في المبسوط: «الاعتبار بهما جميعاً عندنا. وقال قوم: الاعتبار به لقوله ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ‌ عَلَى الْمُوسِعِ‌ قَدَرُهُ‌ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾‌، وهذا هو الأقوى. وفيهم من قال: الاعتبار بها بحسب يسارها وإعسارها وجمالها. وقال قوم: قدر المتعة ثلاثة أثواب: درع وخمار وملحفة.»[32]

ويؤيّده أنّه لو كان للرجل زوجتان مفوّضتان للبضع فطلّقهما ولكلّ منهما شأن مختلف عن الآخر ـ بأن تكون إحداهما أمة والأُخرى حرّة مثلاً ـ فلا يمكن الالتزام بتساويهما في استحقاق قدر مساوٍ من المتا

وبالنظر إلى ذلك، يعُلم أنّه لا يمكن الالتزام بما قاله صاحب الوسائل في ذيل حسنة الحلبيّ ومعتبرة أبي بصير: «هذا يحتمل‌ الحمل‌ على التقيّة، لأنّ‌ المعتبر حاله‌ لا حالها... ويحتمل‌ إرادة مثلها باعتبار حال زوجها.»

وأمّا ما تقدّم في بعض الأخبار من بيان المقدار الذي يجب على الموسع والمتوسّط والمقتر أن يدفعوه للمطلّقة، فهو من باب ذكر المثال، وبيانه يطابق أحوال وأوضاع زمن صدور الرواية، وهذا لا يعدّ تعبّديّاً حتّى يكتفى فيه بما ورد في الأخبار.

ويجاب على إشكال عدم ذكر الوسط في الآية واكتفائها بذكر الموسع والمقتر أنّه يكفي في تفهيم السامع ذكر الحدّ الأدنى والأعلى من الشيء، والعرف يفهم من ذلك أنّه يجب دفع مال للزوجة المطلّقة على كلّ منهم حسب قدرته الماليّة، فالآية تشمل الفرد المتوسّط أيضاً.


[18] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج21، ص309، أبواب المهور، باب49، ح1، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo