< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / تراضي الزوجين بعد العقد بفرض المهر

قال المحقّق الحلّي:

«الثالثة: لو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز، لأنّ الحق لهما، سواءً كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقلّ، وسواءً كانا عالمين أو جاهلين أو كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً، لأنّ فرض المهر إليهما ابتداءً فجاز انتهاءً.»[1]

إذا توافق الزوجان بعد العقد الفاقد للمهر المسمّى على مقدار بعنوان مهر مسمّى، فهل يعتبر هذا التوافق وتجري أحكام المهر على المال المتّفق عليه؟

قال المفيد في المقنعة: «من عقد نكاحاً ولم يسمّ مهراً ثمّ دخل بالمرأة قبل أن يسمّي لها شيئاً، كان عليه مهر مثلها في الشرف والجمال.»[2]

والظاهر من كلامه إمكان تعيين المهر قبل الدخول ولو لم يكن معيّناً ضمن العقد.

وقال الشيخ في المبسوط: «كلّ موضع حكمنا بأنّها مفوّضة، لم يجب لها بالعقد مهر ولا المطالبة بالمهر، لأنّ المهر ما وجب، لكن لها المطالبة بفرض المهر، والمهر يجب لها بالفرض منهما أو من الحاكم أو الدخول بها قبل الفرض أو بالموت عند من قال: إنّ الموت كالدخول...

إذا طلقها بعد الفرض وقبل الدخول ـ مثل أن اتّفقا على الفرض وهما يعلمان قدر مهر المثل أو ترافعا إلى السلطان ففرض لها المهر ـ فمتى فرض لها المهر بعد العقد كان كالمسمّى بالعقد، تملك المطالبة به.

فإن دخل بها أو مات، استقرّ ذلك، وإن طلّقها قبل الدخول، سقط نصفه عنه ولها نصفه، ولا متعة عليه وفيه خلاف.»[3] ومثله کلامه في الخلاف.[4]

فبناءً على مدّعى الشيخ أوّلاً: يحقّ للزوجة أن تطالب بتعيين المهر، وثانياً: تترتّب على المهر المعيّن قبل الدخول جميع أحكام المهر المسمّى.

والظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في هذا الحكم، بل اتّفق عليه العامّة أيضاً.

قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: «إنّ المفوّضة لها المطالبة بفرض المهر، لأنّ النكاح لا يخلو من المهر، فوجبت لها المطالبة ببيان قدره. وبهذا قال الشافعىّ ولا نعلم فيه مخالفاً.»[5]

هذا ولكن لم يرد في المسألة أيّ رواية، وإن استدلّ عليها جماعة بما يلي:

1 ـ تقدّم في كلمات المحقّق الحلّي أنّ الوجه في جواز تعيين المهر بعد العقد هو أنّه حقّ متعلّق بالزوجين، ولا دخل لثالث فيه، فيتعيّن المهر بتوافقهما.

ولكن يشكل على هذا التقرير أنّه إذا كان المراد من تعيين المهر مجرّد أن يلزم الزوج بدفع مال للزوجة، فيمكن الالتزام به إذا کان تعيين المهر بعد العقد على نحو الشرط الابتدائيّ ـ بناءً علی القول بلزوم الشرط الابتدائي کما هو الحقّ ـ أو في حال اشترط دفع مال ضمن عقد لازم. وأمّا إذا كان المراد أنّه تترتّب على هذا المال نفس الأحكام التي رتّبها الشارع على المهر المسمّى، فالاستدلال المذكور غير كافٍ، لأنّ تحديد دائرة موضوع الأحكام الشرعيّة إنّما يستفاد من الأحكام الشرعيّة، والأدلّة الواردة في المهر المسمّى لا تشمل المال المعيّن بعد العقد للدفع للزوجة، لأنّ المراد من المهر المسمّى هو الذي عيّن مقداره ضمن العقد.

على أنّه لو سلّم بتماميّة الاستدلال، فهو لا يثبت إلا جواز تعيين المهر، لا وجوبه بمطالبة الزوجة ممّا صرّح به الأصحاب في كلماتهم.

2 ـ قال المحقّق الکرکي: «قد بيّنّا فيما سبق أنّ المفوّضة لا تستحقّ المهر بالعقد لكنّها ملكت أن تملكه، فلها مطالبة الزوج بفرضه وتعيينه قبل المسيس لفوائد:

منها: أن تعرف ما يستقرّ لها بالوطء فتكون على تثبّت من تسليم نفسها.

ومنها: تشطّره بالطلاق ونحوه كالردّة.

ومنها: لزومه بموت أحدهما.

وإنّما كان لها المطالبة بالفرض لأنّها بالعقد ملكت أن تملك مهراً، لأنّه لولا ذلك لم يجب المهر بالفرض، إذ هو بمنزلة الوعد، والثاني باطل، فلها طلب فرضه وتعيينه، لامتناع التسليم إليها بدونه، فمتى فرضه كان كالمسمّى بالعقد.»[6]

وقال في التعليل علی جواز امتناع الزوجة عن تسليم نفسها قبل فرض المهر: «لأنّ النكاح فيه بمعنى المعاوضة وإن جاز إخلاء العقد عن ذكر المهر، ولو لا ذلك لكان كالهبة، فللزوجة حبس نفسها للفرض وتسليم المفروض، لأنّ قضيّة المعاوضات حبس المعوّض إلى حين قبض العوض.»[7]

أقول: يشكل على هذا الاستدلال بأنّ الذي استحقّته الزوجة بالعقد هو تعيين مقدار المهر ضمن العقد، ودعوى استحقاقها لتعيين المهر ولو بعد العقد يحتاج إلى دليل حتّى لو قلنا بوجود العوضيّة بين المهر والضع؛ إذ بعد أن علمنا ـ بواسطة الأدلّة المتقدّمة ـ أنّ خلوّ العقد من ذكر المهر لا يضرّ بصحّته شرعاً بل علمنا من الأدلّة أنّ الزوجة لا تستحقّ مالاً بمثابة المهر في صورة الطلاق أو الموت قبل الدخول فيما إذا فوّضت بضعها ـ وإن استحقّت المتعة في الصورة الأُولى ـ فلا وجه لدعوى وجوب ثبوت المهر في قبال البضع، وإلا لوجب على الشارع أن يقول: «إذا لم تعيّنوا المهر ضمن العقد فيجب تعيينه بعده، ولا يجوز الطلاق بدونه» ووجب أن يحدّد طريقاً لتعيينه حال الموت أيضاً، لا أن يحكم بعدم المهر.

3 ـ قال في الجواهر: «أمّا الالتزام بما يتراضيان عليه من الفرض بعد العقد فهو لإطلاق ما دلّ على وجوب الفرض كتاباً وسنّةً الشامل لحالي العقد وما بعده، مؤيّداً بما دلّ على أنّ المهر ما تراضيا عليه الشامل لما هو في العقد وبعده، وبما دلّ على لزوم الشرط بعد النكاح دون ما قبله، فمتى حصل التراضي منهما حينئذٍ كان مهراً ودخل في ملك الزوجة فعلاً، عيناً كان أو ديناً، حالاً أو مؤجّلاً، ويجري عليه حينئذٍ ما يجري على المذكور في العقد.»[8]

ويرد عليه: أنّ الأدلّة الواردة في تعيين المهر ليست مطلقة، بل ظاهرها تعيين المهر حين العقد، إذ ورد في الكثير منها تعبير «تزوّج على الصداق» وأمثاله. كما أنّ الأخبار الدالّة على لزوم الشرط بعد النكاح أيضاً ـ كما تقدّم تفصيله سابقاً ـ إنّما تعني لزوم الشرط حين النكاح، وإلا لزم كلّ شرط بعد النكاح، وهذا لا يقول به أحد من الأصحاب.

4 ـ ما ورد في الآية المباركة: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ.[9]

وجه الاستدلال به أنّ تعبيره تعالى: ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً يشمل المهر المعيّن حين العقد كما يشمل المهر المعيّن بعد العقد وقبل الطلاق.

قال الشيخ في الخلاف: «نحمل الآية على العموم فيما فرض حال العقد وما فرض بعده، ولا تنافي بينهما.»[10]

لكن يشكل على الاستدلال بأنّه مع الشكّ في أنّ المعيّن بعد العقد هل يعتبر مهراً أم لا، فيكون التمسّك بهذه الآية الشريفة لإثبات كونه مهراً من قبيل التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقيّة، وهو غير جائ

5 ـ التعبير الوارد في قوله تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً.[11]

وجه الاستدلال به أنّ «ما» في العبارة مصدريّة توقيتيّة ومعناها جواز الطلاق مادام عدم الدخول وعدم تعيين المهر، فيفهم منها الاستمرار، وكما أنّ المتفاهم من الآية بالنسبة إلى الدخول هو استمرار عدمه حتّى زمن الطلاق، فكذلك يستفاد من الآية الشريفة هذا الاستمرار بالنسبة إلى عدم تعيين المهر، ومفهومه جواز تعيين المهر إلى ما قبل الطلاق.

وهذا الاستدلال وإن أمکن الالتزام به ـ بناءً على المعنى المتقدّم بالنسبة إلى الآية الشريفة والتسليم بأنّ «تفرضوا» فيها مجزوم وليس منصوباً بحرف «أن» المقدّرة الناصبة ـ ولكن غاية ما يستفاد منه جواز توافق الزوجين بعد العقد بالنسبة إلى المهر وترتّب أحكام المهر عليه، ولا يثبت حقّاً للزوجة لإلزام الزوج بتعيين المهر.

فتبيّن إلى هاهنا أنّه لو توافق الزوجان بعد العقد على مهر، فتجري عليه أحكام المهر المسمّى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo