< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / فروعات في حدّ المهر

بناءً على ما ذكر في الجلسات السابقة، نتناول دراسة أحكام تفويض البض

الفرع الأوّل: حدّ المهر في صورة تحكيم الزوج أو الزوجة

لا خلاف بين الأصحاب[1] في أنّه إن جعل الزوج حاكماً، فلا يحدّد تعيين المهر بحدّ معيّن من حيث القلّة أو الكثرة.

وأمّا إذا جعلت الزوجة حاكمة، فالمهر وإن لم يحدّد من حيث القلّة بحدّ معيّن، ولكن لا يمكنها تعيين أكثر من مهر السنّة، بل ادّعي الإجماع على ذلك.[2] [3]

ويستند هذا الحكم إلى حسنة زرارة وصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّم نصّهما في بداية البحث.

ولكن أشكل السيّد العامليّ في سند حسنة زرارة ودلالتها حيث قال: «هذه الرواية قاصرة من حيث السند باشتماله على الحسن بن زرارة وهو مجهول، وما تضمّنته من تعليل الفرق غير واضح، لأنّه فرّق بنفس الدعوى.»[4]

ومراده من الإشكال السندي هو اشتمال السند على الحسن بن زرارة الذي رواها عن أبيه، علماً بأنّ الحسن و الحسين ابنا زرارة ولم يوثّق أيّ منهما.

وأمّا الإشكال الوارد على التعليل الموجود في الرواية، فهو في محلّه.

قال محمّد باقر المجلسي في المرآة: «قوله: «فكيف» بيان وتعليل في الفرق وهو غير واضح، ولعلّه يرجع إلى أنّه لمّا حكّمها فلو لم يقدّر لها حدّ فيمكن أن تجحف وتحكم بما لا يطيق، فلذا حدّ لها، ولمّا كان خير الحدود ما حدّه رسول الله(ص) جعل ذلك حدّه.»[5]

ولكنّ توجيهه غير تامّ؛ إذ كما يمكن للزوجة أن تجحف بحقّ الزوج بعدم مراعاة الحدّ كثرةً، فقد يجحف الزوج بحقّها أيضاً بعدم مراعاة الحدّ قلّةً.

وأجاب صاحب الحدائق عن الإشکالين بقوله: «إنّ الحسن بن زرارة وإن لم يذكر في كتب الرجال كما ذكره إلا أنّ مدح الصادق(ع) له ولأخيه الحسين في الحديث الصحيح الذي ورد في حقّ أبيه كما رواه الكشيّ ممّا يوجب عدّ حديثه في الحسن، حيث قال(ع): «ولقد أدّى إليّ ابناك الحسن والحسين رسالتك أحاطهما الله وكلأهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما» إلى آخره، ولذا قال شيخنا المجلسي في رسالته الوجيزة في الرجال: إنّه مهمل على المشهور، ممدوح على الظاهر.

وأمّا الطعن في المتن بما ذكره من عدم وضوح الفرق، فغير مضرّ بالمقصود من الاستدلال بالخبر.»[6]

على أنّ مستند الرواية غير منحصر في حسنة زرارة، لأنّ صحيحة محمّد بن مسلم أيضاً تدلّ على ذلك.

وأمّا في خصوص صحيحة أبي بصير التي ورد فيها أنّه لو جعل الزوج حاكماً وعيّن مهرها بأقلّ من مهر مثلها، فتعطى مهر مثلها، فقد ذكر في التهذيب في ذيل الرواية: «هذه‌ الرواية‌ لا تنافي الأوّلة،‌ لأنّها محمولة‌ على أنّه‌ إذا فوّض‌ إليه‌ الصداق‌ على أن‌ يجعله‌ مثل‌ مهر نسائها فقصّر عنه‌، فإنّه‌ يلحق‌ به،‌ فأمّا إذا فوّض‌ الأمر إليه‌ مطلقاً كان‌ الحكم‌ على ما تضمّنه‌ الخبر الأوّل‌ في أنّ‌ ما يحكم‌ به‌ فهو جائز.»[7]

ولكن يبعد هذا الحمل؛ لأنّه لا وجه لجعل الرجل حاكماً ليحكم بمقدار مهر المثل؛ إذ يكون معناه أنّ المهر معيّن في العقد بمقدار مهر المثل، ولا وجه لإحالة التعيين إلى حكم الزوج. وأمّا لو قيل أنّ الرجل بما أنّه وكيل عن الزوجة في تعيين المهر ويجب على الوكيل مراعاة مصحلة الموكّل، فإذا حكم بأقلّ من مهر المثل، يعود المهر إلى مهر المثل من باب مخالفته لمصلحة الموكّل، فهذا كما تقدّم غير متناسب مع فرض تفويض المهر الذي يكون الزوج أو الزوجة فيه حاكماً في تعيين المهر لا وكيلاً عن الطرف الآخر.

وقال صاحب الوسائل فيه: «قد يحمل على الاستحباب.»

والحقّ إمكان الالتزام بهذا الحمل في مقام الجمع.

 

الفرع الثاني: حدّ المهر في صورة تحكيم الأجنبيّ على فرض الصحّة

إذا قلنا بصحّة تحكيم الأجنبيّ في تعيين المهر، فهل يقيّد الأجنبيّ بمقدار معيّن أم لا؟

قال في المسالك: «ينبغي له وللحاكم الاقتصار على مهر المثل، لأنّه عوض البضع، ولأنّ الحاكم إذا كان غير الزوج أشبه المرأة فناسب أن لا يزيد عليه. ويؤيّد عدم النقصان عنه الرواية السابقة وهي موافقة للحكم.»[8]

فمراده من الرواية السابقة هي صحيحة أبي بصير المتقدّمة ضمن نقل الأخبار والتي دلّت على أنّه لو عيّن الزوج أقلّ من مهر المثل، فيعود المهر إليه.

وقال کاشف اللثام: «إن كان إلى أجنبيّ‌ فالظاهر الاقتصار على مهر المثل، إلا أن يصرّحا بالرضا بما يفرضه أيّاً كان.»[9]

ولکن استشکل فيه صاحب الجواهر وقال: «لا فرق بين التصريح بذلك والظهور ولو من حيث إطلاق الحكم نحو إطلاق الحكم للزوج الذي قد عرفت مضيّ حكمه على كلّ حال. نعم، لو فرض تحكيم الأجنبيّ على وجه يكون نائباً عنها لا عن الزوج أو بالعكس أو عنهما جميعاً، جرى على الأوّلين حكم المنوب عنه، وعلى الثالث يتقيّد بما لا يزيد عن مهر السنّة. لكن من جعل الحكم إلى الأجنبيّ كان حاكماً أصليّاً لا نائباً على وجه يراعى فيه حكومة المنوب عنه. فالمتّجه حينئذٍ مضيّ حكمه على كلّ حال كتحكّم الزوج، ولا يتقيّد بما تقيّد به تحكّم الزوجة المنصوص عليه بخصوصه.»[10]

والحقّ ما ذهب إليه صاحب الجواهر وإجاباته على دعاوي كاشف اللثام مقبولة.

ويجاب على دعوى الشهيد الثاني أوّلاً: بأنّ المهر ليس عوضاً للبضع، وثانياً: حتّى على فرض العوضيّة فلا دليل على الاقتصار بمقدار مهر المثل في تعيين المهر المسمّى، وثالثاً: لا دليل على كون الأجنبي أشبه بالزوجة في صورة تحكيمه، ورابعاً: لو تمّت الدعوى، فيجب الالتزام بأنّه لا يحقّ للأجنبيّ تعيين أكثر من مهر السنّة، لا أنّه غير مخوّل بتعيين أقلّ من مهر المثل، وخامساً: وردت صحيحة أبي بصير في حكومة الزوج، والتمسّك بها مبنيّ على كون الأجنبيّ أشبه بالزوج لا الزوجة.

 

الفرع الثالث: حدّ المهر في صورة إحالته إلى توافق الزوجين عليه لاحقاً

تقدّم أنّه لا إشكال في صحّة إحالة تعيين المهر إلى توافق الزوجين عليه لاحقاً، ولا وجه لتحديد حدّ معيّن للتوافق، بل يجوز لهما التوافق على أيّ مقدار مهراً.

ولكن ما حكم المهر إذا لم يتّفقا، وتنازعا؟

قال الشيخ في المبسوط: «إن علّقا بمشيّتهما أُوقف حتّى يصطلحا.»[11] ونظيره کلام العلامة في التحرير.[12]

فظاهر الكلام أنّ المهر لا يتعيّن ما لم يتّفقا ولا يجوز الرجوع إلى الحاكم لتعيين المهر.

ولکن قال الشهيد الثاني: «لم يذكروا الرجوع هنا إلى الحاكم، ولو قيل به كان حسناً، لوجود المقتضي فيهما مع اشتراكهما في عدم النصّ‌ على الخصوص.»[13]

ويعود مرجع الضمير في كلام الشهيد الثاني إلى تعيين المهر بعد العقد في فرض تفويض البضع وتفويض المهر.

ولكن تقدّم سابقاً أنّ أصل تعيين المهر بعد العقد في فرض تفويض البضع مبنيّ على توافق الطرفين، ولا يحقّ للزوجة أن تنازع الزوج عليه، بينما من المسلّم فيما نحن فيه حقّ الزوجة لتعيين المهر بعد العقد، فيجوز التنازع في مقدار المهر.

وقال کاشف اللثام: «يحتمل الرجوع إلى الحاكم و إلى مهر المثل.»[14]

وقال صاحب الجواهر: «قد يقال: إذا بذل الزوج لها ما يساوي مهر السنّة، لم يكن لها اقتراح الزائد، لظهور الخبر المزبور في ذلك، سواء كان الحكم لها خاصّة أو مشتركاً بينها وبين غيرها. نعم، لو حكم بالأقلّ من ذلك كان لها خلافه، فيحتاج حينئذٍ إلى الحاكم.»[15]

وما يمكن الالتزام به في المسألة هو أنّه لا وجه للرجوع إلى مهر المثل في فرض النزاع، إذ لا دليل عليه في غير فرض الدخول.

كما لا وجه لما ورد في كلمات صاحب الجواهر من أنّ الزوج إن عيّن المهر بمقدار مهر المثل فلا يحقّ للزوجة أن تعترض عليه؛ لأنّ الخبر مختصّ بمورد تحكيم الزوجة وهو لا يشمل فرض الكلام، ولا يصحّ أيضاً دعوى إطلاقه بحيث يشمل ما نحن فيه؛ إذ لا حاكم فيما نحن فيه وإنّما يتوقّف تعيين المهر على التراضي والتوافق، ولا يمكن ادّعاء انضمام الحاكمين إلى بعضهما حتّى يدّعى شمول إطلاق الرواية لفرض انضمام الزوج إلى الزوجة بعنوان الحاكم.

ولا وجه لتوقيف المهر إلى وقت تراضي الطرفين، لأنّ ذلك يؤدّي إلى تضييع حقّ الزوجة حيث قد لا يرضى الزوج بقدار المهر أبداً.

فالوجه الوحيد الباقي في المسألة هو الرجوع إلى الحاكم.

فإن قيل: إذا لم يتّفق الزوجان حين العقد على المهر فلا وجه للرجوع إلى الحاكم، وكذلك الحال فيما نحن فيه.

فيجاب: بأنّ عدم جواز الرجوع إلى الحاكم في فرض التنازع في مقدار المهر حين العقد، هو لعدم ثبوت حقّ للزوجة ما لم ينعقد الزواج ولم يتمّ التوافق على أصل وجود المهر حتّی ترجع إلى الحاكم لإحيائه، بينما في فرض المسألة ثبت أصل استحقاق الزوجة للمهر المسمّى وأشكل تعيين مقداره.

ولكن ما هو ملاك الحكم في تعيين المهر؟ وهل يجب عليه أن يكتفي بمقدار مهر المثل فلا يجوز له تعيين أقلّ أو أكثر منه؟

الحقّ أنّه لا وجه لهذه الدعوى، ويجب على الحاكم أن يعيّن المهر بناءً على الشواهد والقرائن في كلّ مورد، حيث قد يكون المقدار المعيّن من قبل الحاكم حسب ما يجده في المورد أقلّ من مهر المثل أو أكثر منه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo