< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد/تعريف المسألة/المراد من«الشيء»و«الضدّ»و«الاقتضاء»

 

سنتناول في هذه المسألة دراسة أنّه هل يقتضي الأمر بالشيء النهي عن ضدّه أم لا؟

ولكي تتّضح المسألة يجب أوّلاً بيان المراد من «الشيء» و«الضدّ» و«الاقتضاء».

ادّعى المحقّق العراقي أنّ المراد من «الشيء» في هذه المسألة أعمّ من الفعل والترك، إذ كما يمكن الأمر بفعل ـ كالصلاة ـ فكذلك يمكن الأمر بالترك ـ مثل تروك الصوم ـ وهذه المسألة تسري إلى كليهما[1] .

غير أنّ دعواه غير صحيحة كما بيّنه هو في مبحث الضدّ العامّ أيضاً الذي سيأتي فيما بعد، لأنّ الترك أمر عدميّ ولا يتعلّق بالأمر والنهي.

كما قال صاحب الكفاية في بيان المراد من «الضدّ» أنّه مطلق المعاند والمنافي، وجوديّاً كان أم عدميّاً[2] .

والمراد منه أنّ «الضدّ» في هذه المسألة ليس مجرّد الضدّ المنطقيّ الذي هو أمر وجوديّ، وإنّما كلّ ما ينافي امتثال المأمور به ممّا يشمل النقيض المنطقيّ أيضاً، إذ كما يمتنع اجتماع الضدّين فكذلك يمتنع اجتماع النقيضين.

ويصطلح على الضدّ المنطقيّ بـ«الضدّ الخاص»، والضدّ الذي يكون نقيضاً منطقيّاً فيصطلح عليه بـ«الضدّ العامّ»، وبعبارة أخرى فالضدّ الخاصّ في هذا المبحث وجوديّ دائماً والضدّ العامّ عدميّ.

لكن ما ذكره الميرزا النائينيّ من أنّ للضدّ العامّ أن يكون وجوديّاً وهو القدر الجامع بين الأضداد الخاصّة[3] ، فغير صحيح؛ لأنّه لو كان المراد من القدر الجامع هو القدر الجامع المقوليّ، فبما أنّ الأضداد ليست تحت مقولة واحدة فلا يمكن تصوير مثل هذا القدر الجامع بينها، وإذا كان المراد هو القدر الجامع العنوانيّ، فلا يمكن تصوير قدر جامع لجميع الأضداد غير «عدم المأمور به»، وهو عنوان عدميّ.

فإن قيل: إن عنواناً مثل «الاشتغال بغير الشيء» يشمل جميع الأضداد الخاصّة ويمكن أخذه ضدّاً عامّاً كما أنّه ليس عنواناً عدميّاً؛ فالجواب: أنّ هذا العنوان لا يساوي الضدّ العامّ بل يلازمه، لأنّ الضدّ العامّ للأمر الوجوديّ أمر عدميّ وهو نقيضه، وإذا كان للأمر الوجوديّ ضدّان عامّان، فلازمه أن يكون للشيء الواحد نقيضان، وهو مستحيل. إذن عنوان «الاشتغال بغير الشيء» ليس إلا عنواناً جامعاً للأضداد الخاصّة، بحيث إذا قلنا بأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ، فلازمه عدم تعلّق النهي بهذا القدر الجامع أيضاً، والحال أنّ عدم تعلّق النهي بالضدّ الخاصّ لا يلزم منه عدم تعلّقه بالضدّ العامّ، بل يمكن القول بالفرق بين تعلّق النهي بالضدّ العامّ وبالضدّ الخاصّ.

كما قال المحقّق العراقيّ أنّ الضدّ الخاصّ ليس وجوديّاً بالضرورة، بل قد يكون عدميّاً، مثل ترك خاصّ بالنسبة إلى فعل مطلق، بل يمكن لكلا الضدّين أن يكونا عدميّين، مثل صيام يومين لا يقدر المكلّف إلا على امتثال أحدهما[4] .

غير أنّ دعواه مشكلة أيضاً؛ إذ لا يعقل التضادّ بين أمرين عدميّين، إذ لا ميز بين أمرين عدميّين حتّى يضادّ أحدهما الأخر.

توضيح المطلب أنّه عدّ للتمايز ثلاثة أقسام:

1ـ التمايز بتمام الذات: وهو أن لا يوجد في الشيء المفروض أيّ جهة اشتراك ذاتيّة مع الشيء الآخر، مثل تمايز الأجناس العالية عن بعضها أو تمايز نوعين من مقولتين؛ مثل الكمّ والكيف، أو تمايز اللون الأخضر عن عدد الخمسة.

2ـ التمايز بجزء الذات: وهو أن يختلف الأمران المتمايزان في جزء ذاتيهما، أي أن يشترك الشيئان في الجنس القريب أو البعيد أو في المقولة ويختلفان في الفصل، كالفرس والإنسان.

3ـ التمايز بالخارج عن الذات: وهو أن يشترك الشيئان في تمام الذات ويختلفا في الأعراض، ومن الواضح أنّ هذا النوع من التمايز لا يتصوّر إلا بين أفراد ماهيّة نوعيّة تامّة واحدة، مثل اختلاف زيد وعمرو.

لكن بما أنّ العدم هو نفي وسلب للواقع وليس له ذات ولا يفرض له واقع إلا في وعاء اعتبار العقل، فلا يتصوّر له أيّ واحد من أقسام التمايز الآنفة.

فإن قيل: لا تصدق هذه الدعوى بالنسبة إلى العدم الإضافيّ، لأنّنا نجد بوضوح أنّ العمى غير الصمّ، ولا يمكن قبول عدم الميز بين العمى والصمّ، كما من الواضح أنّ العمى ليس إلا عدم البصر والصمّ ليس إلا عدم السمع، إذن هناك ميز بين عدم البصر وعدم السمع وكلاهما من العدم الإضافيّ.

فجوابه: أنّ العدم الإضافي من حيث إنّه عدم فلا ميز بينه وبين غيره من الأعدام، وحتّى التعبير بـ «عدم تمايز عدم عن آخر» أيضاً تعبير غير دقيق، لأنّه يفيد نوعاً من الميز، بل الصحيح أن يقال: إنّ العدم المضاف بما أنّه عدم فلا ميز فيه، وإن كان هناك ميز فهو من جهة المضاف إليه، بمعنى أنّ الذهن يسري تمايز الشيء المضاف إلى العدم مجازاً إلى المضاف ـ وهو العدم ـ فيحكم بتمايز الأعدام[5] .

فيتّضح بذلك أنّ ما يؤدّي إلى التضادّ بين أمرين عدميّين في المثال الثاني الذي طرحه المحقّق العراقي هو إضافتها إلى أمور وجوديّة، مثل الترك يوم السبت والترك يوم الإثنين. هذا إذا غضّ النظر عن اعتبار الصوم بمعنى كفّ النفس وهو أمر وجودي لا عدميّ.

كما يمكن الردّ على مثاله الأوّل بأنّ تضادّ الترك الخاصّ بالنسبة إلى الفعل المطلق هو ناتج عن خصوصيّته التي هي أمر وجودي وليس من الترك الذي هو أمر عدمي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo