< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / الإشکال علی مدعی السيّد الخميني

 

المستفاد من كلمات السيّد الخميني أنّ للأحكام الشرعيّة بعد إبلاغها بعث وحثّ فعليّ ولا دخل للظروف الخارجيّة في هذا البعث، واستنتج من ذلك أنّ التزاحم بما أنّه من الأُمور الخارجيّة وليس له دخل في فعليّة الحكم، فلا يؤدّي إلى فقدان الأمر بالمهم فعليّته، فإتيان المهمّ يحصل حال فعليّة الأمر به وينتج عنه عدم الإشكال في صحّة العبادة المهمّة مع ترك الأهمّ. وما أشار إليه في خاتمة كلامه من أنّه يتوجّه إلى المكلّف عقابان بترك كلا الأمرين الأهمّ والمهمّ، فهذا مترتّب على فعليّة كلاهما.

ولكنّ الإشكال في دعواه أنّها مبنيّة على مقدّمة سبقت منه من أنّ المحذور هو إتيان المكلّف بمتعلّق كلا الأمرين بالضدّين، وإلا فلا محذور في مجرّد وجود أمرين بضدّين. بينما ليس المحذور العقلي في مجرّد إتيان المکلّف الضدّين في آنٍ واحد فقط، بل هو موجود في البعث الفعليّ من قبل الآمر نحوهما أيضاً.

وبعبارة أُخرى فإنّ المولى لا يستطيع أن يبعث المكلّف فعلاً نحو عمل ويبعثه في الوقت نفسه نحو فعل آخر، إذ كما يستحيل طلب الجمع بين الضدّين، فكذلك يستحيل طلبان ينتج عنهما مثل هذا الجمع أيضاً.

إذن لا يمكن الالتزام بدعواه في خصوص فعليّة الأمرين، بل إذا كان أحد الأمرين فعليّاً، فلن يكون للأمر بضدّه بعث فعليّ، فلا وجه حينئذٍ للقول بتوجّه عقابين للمكلّف حال تركه لكلا الضدّين.

والذي جرّ هذا الإشكال على دعواه هو أنّه لم يميّز بين مرحلتي الإبلاغ والفعليّة واعتبر إبلاغ الحكم بمثابة فعليّته في حقّ جميع المخاطبين، بينما ذهب هو إلى أنّ الشارع قد يبلغ حكمه لجماعة فيهم القادر وغير القادر، ومن المعلوم أنّ هناك فرق بين القادر وغير القادر من حيث إمكانيّة البعث الفعليّ، فلا يمكن القول بأنّ مجرّد الإبلاغ يؤدّي إلى فعليّة الحكم في حقّ المخاطبين كافّة.

وأمّا كون الطبائع متعلّقاً للأحكام الشرعيّة وأنّ الأحكام غير ناظرة إلى الخصائص والأحوالات الخارجيّة فهذا ما التزم به الأصحاب غالباً، وما ورد في كلماتهم من شأنيّة الحكم وفعليّته، فالمراد منه ليس جعل بعض الأحكام بنحو فعليّ وبعضها بنحو شأني ـ وإن وجدنا في كلمات بعضهم شواهد على هذه الدعوى ـ بل المراد أنّ الحكم في مرحلة الجعل ليس إلا جعلاً شأنيّاً، إذ كما تقدّم سابقاً فالغاية من جعله هي إيجاد ما يقتضي إتيان المكلّف بالمأمور به وتحلّيه بشأنيّة حصول البعث به، ولكن وصول هذه الشأنيّة إلى مرحلة الفعليّة وإتيان المكلّف بالمأمور به في الخارج، يحتاج إلى توفّر الشروط وارتفاع الموانع حتّى يوجد للمكلّف من مجموع المقتضي والشرط وعدم المانع علّة تامّة نحو البعث.

فشأنيّة الحكم في الواقع هي مرحلة جعله وإنشائه وفعليّته هي المرحلة التي يكون الحكم فيها سبباً للبعث الفعليّ، وإن كان الأفضل أن تجعل مرحلة الإبلاغ بين هاتين المرحلين. ولكنّ البحث عن أنّ الاقتضاء والتنجز هل أنّهما من مراحل الحكم حقيقةً أو أنّهما خارجان عن الحكم، فهو بحث في المصطلح ولا يترتّب عليه أثر محدّد.

وأمّا تقسيمه الأحكام إلى فعليّة وشأنيّة حسب ما تقدّم من بيانه ففيه أنّه قد يبلغ الشارع حكماً بالعموم ثمّ يذكر بعد مدّة مخصّصاً أو مقيّداً، فيشكل في هذه الحالة أنّ الحكم العامّ المبلّغ فهل يكون قبل إبلاغ المخصّص أو المقيّد حكماً إنشائيّاً أم فعليّاً؟

على أنّ من العجيب أيضاً دعوى عدم قدرة العقل على تقييد حكم الشارع لأنّه لا يستطيع التصرّف فيه، إذ من المعلوم أنّ الأحكام الشرعيّة إنمّا هي في إطار العقل ولا يختار الشارع حكماً خارج هذا الإطار، فمثلاً لو ظهر من الحكم عموم يشمل موارد معدودة من الظلم قطعاً، فيمكن رفع اليد عن العموم بواسطة حكم العقل بقبح الظلم، إذ نعرف أنّ الشارع لم يحكم خارج إطار العقل ولم يأمر بالظلم.

وما قاله من أنّ جعل الحكم وتقنين القوانين بنحو العموم يكفي فيه أن يتمكّن بعض المكلّفين من الامتثال وليست قدرة الجميع على الامتثال شرطاً لصحّة الخطاب، فيلزم منه أنّه لو لم يقدر أحد على الامتثال، ليلغو جعل الحكم وإنشاؤه، بينما القدرة على الامتثال ـ كما أشار إليه هو أيضاً ـ فهي متأخّرة عن الجعل وليست دخيلة فيه. فلا يكون جعل الحكم و إنشاؤه قبيحاً مع عدم وجود مكلّف قادر، بل القبيح هو مخاطبة غير القادرين بالحكم، إذ من الواضح أنّ مرحلة الجعل وإنشاء الحكم مرحلة مستقلّة، ومرحلة مخاطبة المكلّفين ـ التي يسمّيها مرحلة الفعليّة ـ مرحلة مستقلّة غيرها، ولذلك نجده يقبل بوجود أحكام مجعولة غير مبلّغة، وأنّ زمان إبلاغها هو زمن حضور المعصوم(ع).

بل يمكن أن يقال: حتّى لو لم يوجد مكلّف قادر، فالقبيح في مقام إبلاغ الحكم هو البعث الفعليّ، وإلا فإبلاغ الحكم تمهيداً لتحقّق البعث الفعليّ في صورة حصول القدرة لأحد واجتماع الشروط له وارتفاع الموانع عن طريقه، فلا إشكال ولا محذور منه عقلاً. ومن المعلوم أنّ صحّة الخطاب ولو الخطاب الشأني يشترط فيه أن يكون المخاطب مدركاً، ولذلك لا يمكن مخاطبة المجنون أو الصغير غير المميّز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo