< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / الحاكم بالتخيير عند التزاحم

 

الفائدة السادسة: في الحاكم بالتخيير عند التزاحم في صورة عدم تمييز الأهمّ من بين المتزاحمين قال الميرزا النائينيّ: إنّه ذهب بعض المحقّقين إلى أنّ التخيير في هذه الصورة شرعيّ، فنظراً لاستحالة توجّه خطابين تعيينيّين إلى المكلّف وأنّ ترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجّح والذي يوجب سقوط التكليفين وبما أنّ الملاك في كليهما تامّ وفعليّ، فيكشف العقل أنّ الخطاب الشرعيّ التخييري قد تعلّق بهما، إذ بدونه يلزم تفويت الملاك وهو قبيح من الحكيم.

ثمّ قال مستشكلاً على هذه الدعوى: إنّ المحال هو بقاء إطلاقي الخطابين بنحو يشملان حالة مزاحمة الآخر أيضاً، لا بقاء أصل وجودهما، فإذن من غير المعقول أن يسقط الخطابين بالتزاحم، وإنّما الذي يحكم العقل بسقوطه هو إطلاق الخطابين، وبعد سقوطه تكون النتيجة اشتراط كلّ منهما بعدم الإتيان بمتعلّق الخطاب الآخر، واشتغال المكلّف بامتثال أيّ منهما يجعل الآخر غير مقدور، فيسقط طلبه بسبب انتفاء الشرط، وبالنتيجة فالتخيير عقليّ.[1]

لكن لا يمكن الالتزام بذلك، لأنّ إطلاق الخطاب وتقييده متوقّف على الملاك والمناط الذي يترتّب الحكم عليه حين الجعل، وليس للعقل بمجرّد وجود التزاحم بين الأدلّة أن يحكم بلزوم تقييد الخطاب، وما يبيّن في الأمر الترتّبي هو أنّه إذا ورد أمر من الشارع على نحو الترتّب فنتيجته رفع التزاحم، لا أن ينتج الأمر الترتّبي عن التزاحم.

إذن فيجب في توجيه التخيير العقليّ أن يقال: إنّ ما يحكم به العقل بواسطة التزاحم هو معذوريّة المكلّف بسبب ترك كلّ من الخطابين في حال الإتيان بالواجب الآخر، والوجه فيه أنّه إذا صرف قدرته على أحدهما، فلن يبقی قادراً على الإتيان بالواجب الآخر، وبانتفاء القدرة لا يصحّ العقاب أيضاً. إذن فالعقل لا يحكم بسقوط أصل الخطابين ولا سقوط إطلاقهما، بل ليس ذلك في نطاق صلاحيّات العقل، لأنّ أصل الوجود وكذا إطلاقه متوقّف على مصلحة المتعلّق ومفسدته، وليس للعقل في هذا الشأن دخل إلا بالنسبة إلى التنجّز والتعذر.

وأمّا نتيجة حكم العقل بالمعذوريّة الآنفة أنّ المكلّف إذا أتى بأحد التكليفين وترك الآخر، فلن يكون معاقباً، ولكن إذا ترك الاثنين فيعاقب، لأنّ العقل في هذه الصورة لا يحكم بمعذوريّة، ويلزم من ذلك أن تكون فعليّة أحد المتزاحمين عليه بنحو لا على التعيين وأن يکون المكلّف مخيّراً في التعيين وأن لا يجوز له ترك المتزاحمين معاً. وبعبارة أُخرى فتعيين المكلّف شرط في فعليّة التكليف المعيّن عليه بعينه وسقوط فعليّة التكليف الآخر عنه.

ثمّ بيّن الميرزا النائينيّ ثمرة القولين ـ التخيير الشرعيّ والتخيير العقليّ ـ وقال: تظهر الثمرة بين القولين في موارد؛ منها:

1 ـ من ترك كلا التكليفين، فيستحقّ عقاباً واحداً لمخالفة الأمر التخييريّ بناءً على التخيير الشرعي، بينما على القول بالتخيير العقلي فيستحقّ عقابين، ولا تؤدّي استحالة الجمع بين الخطابين عقلاً إلى استحالة عقابين، إذ العقاب ليس على ترك الجمع وإنّما على الجمع في الترك، ولا مانع منه.

2 ـ إذا احتمل أهمّيّة أحد الواجبين، فإن قلنا بالتخيير الشرعيّ في المتساويين، فيكون المورد من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير، وحكمه مبنيّ على القول بالبرائة أو الاشتغال في تلك المسألة.

وأمّا إذا قلنا بسقوط إطلاق الدليلين والتخيير العقليّ فيهما، فعلينا هنا أن نقول بالاشتغال وإن اخترنا البرائة في المسألة المذکورة، لأنّ الإتيان بالطرف المحتمل أهمّيّته ـ سواء كان أهمّ في الواقع أم لم يكن ـ متعيّن، إذ حتّى لو لم يكن أهمّ، فخطابه فعليّ في ظرف ترك الواجب الآخر، وعلى كلّ تقدير فالمأتيّ به مصداق الواجب الفعليّ ومبرئ للذمّة قطعاً. والحال أنّ الإتيان بالواجب الآخر في صورة أهمّيّة هذا الطرف في الواقع يؤدّي إلى تفويت الغرض الملزم، ولن يوجب الأمن من عقاب الواجب الأهمّ والجزم بسقوط خطابه، فيلزم عقلاً الإتيان بالواجب المحتمل الأهمّيّة.

3 ـ إذا وقع التزاحم بين واجبين طوليّين متساويين من حيث الملاك ـ مثل القيام في الركعة الأُولى والقيام في الركعة الثانية ـ أو بين واجب ومقدّمته المحرّمة التي تکون مساويةً له في الملاك ـ مثل إنقاذ من يتوقّف إنقاذه على قتل شخص آخر محقون الدم ـ فإن قلنا بالتخيير الشرعيّ، فالتخيير ثابت في هذه الصورة أيضاً.

وأمّا إذا قلنا بالتخيير العقليّ، فيتعيّن عليه المقدّم منهما زماناً، لأنّ سقوط كلّ منهما لا يتحقّق بناءً على التخيير العقليّ إلا بامتثال الآخر، وبما أنّ ظرف امتثال التكليف المتأخّر الزماني متأخّرٌ عن ظرف امتثال التكليف المتقدّم الزماني، فليس للتكليف بالمتقدّم مسقط في عرضه ويجب امثتاله على المكلّف عقلاً. إذن في المثالين الآنفين، يجب عليه القيام في الركعة الأُولى تعييناً، ويحرم عليه قتل النفس.

نعم، إذا كان للتكليف المتأخّر ملاك أهمّ، فحكم العقل بوجوب حفظ القدرة عليه يسقط التكليف المتقدّم عن الفعليّة.[2]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo