< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / إمكان ظرفيّة الآن الواحد للامتثال والعصيان

 

تقدّم في الجلسة السابقة دعوى السيّد الروحاني في توجيه كيفيّة إمكان ظرفيّة الآن الواحد للامتثال والعصيان.

ولكن إشكال الدعوى واضح، فأوّلاً: مادام يمكن امتثال الأمر فلا عصيان، ولا وجه لدعوى أنّ آخر لحظة من إمكان امتثال الأمر فهي لحظة تحقّق العصيان، إذ في هذه الحالة ينبغي أن نقول: إنّ الذي يمتثل الأمر في تلك اللحظة فهو مطيع وعاصٍ أيضاً، لأنّ الفرض أنّه بعدم تحقّق الامتثال في الآنات السابقة عليه، فقد ترتّب عليه عنوان العاصي في تلك اللحظة، ولا وجه لرفعه بواسطة الامتثال المتحقّق في تلك اللحظة.

إن قيل: يشترط في تحقّق عنوان العاصي أن لا يتحقّق امتثال في آخر لحظة من إمكان امتثال الأمر، وفي الفرض الذي يؤتى بالمأمور به في تلك اللحظة فلا يصدق عنوان العاصي على المكلّف.

فالجواب أنّه يلزم من هذه الدعوى أن يتوقّف تحقّق عنوان العاصي على انقضاء آخر لحظة من إمكان امتثال الأمر بغير امتثال، ومادامت اللحظة لم تنقض فالعصيان غير متحقّق، وهذا خلاف دعوى السيّد الروحاني.

إلا أن يقال: إنّ صدق العاصي على المكلّف في آخر لحظة يمكن الامتثال فيها متوقّف على تعقّبه بانقضاء ذلك الزمان بغير امتثال ـ على نحو الشرط المتأخّر ـ وهذا معناه أنّه لو انقضى ذلك الزمان ولم يك امتثال، فإنّه يكشف عن كون المكلّف عاصياً في ذلك الزمان.

لكن على فرض تماميّة هذه الدعوى، فيمكن القول أنّه عاصٍ منذ أوّل لحظة توجّه إليه التكليف وأصبح فعليّاً، لأنّه لا يشترط في العصيان إلا تعقّب لحظة من لحظات إمكان امتثال الأمر بعدم امتثاله في الآنات الباقية، ويكشف عدم تحقّق الامتثال حتّى آخر لحظة أنّ جميع الآنات كانت معقّبة بهذا الوصف وأنّ المكلّف عاصٍ منذ اللحظة الأُولى، فلا دليل على اختصاص صدق عنوان العصيان على المكلّف بآخر لحظة من إمكان الامتثال.

بينما من الواضح أنّ الذي عزم على الامتثال منذ بداية توجّه التكليف إليه ولكنّه أوكل الامتثال إلى الآنات اللاحقة لسبب ما ثمّ رجع عن عزمه الأوّل وعزم على عدم الامتثال ولم يمتثل التكليف حتّى نهاية الوقت، فلا يمكن اعتباره عاصياً منذ البداية. ولذلك إذا كان في الآنات التي كان يعزم فيها على الإتيان بالتكيف شاهداً على طلاق أو أيّ أمر آخر، فإنّ عدم إتيانه بالتكليف حتّى نهاية وقت الامتثال لا يكشف عن فساد الطلاق أو الشهادة لفسق الشاهد.

وثانياً: حتّى لو سلّمنا بهذه الدعوى فالنتيجة هي أنّ الأمر الترتّبي غاية الأمر أن يكون مصحّحاً للعبادة المأتي بها في آخر لحظة من إمكان الإتيان بمتعلّق الأمر بالأهم، إذ لم يتحقّق عصيان في الآنات السابقة عليه حتّى يتحقّق شرط فعليّة الأمر الترتّبي، بينما لا يعلّق القائلون بصحّة العبادة في الأمر الترتّبي صحّته على ذلك.

وخلاصة المقال أنّ فعليّة الأمر يلازمها وجود بعث فعليّ به والبعث في الخارج يدور مدار الوجود والعدم، وطوليّة الأمرين لا تغيّر شيئاً من هذه الحقيقة. فإذا كان الأمر بالمهمّ فعليّاً وكان له بعث فعليّ وكان للأمر بالأهمّ أيضاً بعث فعليّ في الوقت ذاته، فنتيجة ذلك وجود بعثين فعليّين خارجيّين في زمان واحد نحو متعلّقين، وهذا طلب للضدّين وإن اعتبرنا الأمر بالمهمّ في طول الأمر بالأهمّ.

وبعبارة أُخرى فإنّ الطوليّة إنّما تعالج مشكلة طلب الضدّين فيما لو أدّت إلى عدم فعليّة الأمرين في زمان واحد، بينما الفرض في الأمر الترتّبي هو أنّ الأمر بالمهمّ لم يسقط عن الفعليّة حال إتيان الأهمّ.

فإشكال صاحب الکفاية لا يرتفع بهذا البيان من الترتّب.

والذي تقدّم إلى هنا كان في الفرض الأوّل، أي: فرض انتفاء موضوع الأهمّ بتركه.

وأمّا في الفرض الثاني ـ أي: فرض ابتناء لزوم تقديم واجب على آخر لاعتبار الفوريّة في امتثاله ـ فإمّا أن نقول بسقوط الواجب الفوريّ بالعصيان في اللحظة الأُولى وأن يتوجّه في اللحظة الثانية إلى المكلّف الخطاب الثاني الدالّ على وجوبه في تلك اللحظة ممّا لا يمكن الالتزام به، إذ من المعلوم أنّ خطاباً مثل كنس المسجد ليس إلا خطاباً واحداً ولا ينحلّ بعدد آنات الزمان، ولا فرق بينه وبين سائر الخطابات التي لا يعتبر فيها فوريّة الامتثال.

وإمّا أن نعتبر لزوم الفوريّة في الامتثال بمعنى أنّ الواقع توجّه خطابين إلى المكلّف في هذه الموارد، والخطاب الأوّل خطاب بأصل العمل ـ ككنس المسجد ـ والثاني خطاب بفوريّة الامتثال وهو ينحلّ بحسب آنات الزمان، بمعنى أنّه يؤمر في اللحظة الأُولى بلزوم امتثال خطاب كنس المسجد، وبعصيانه في اللحظة الأُولى يسقط الخطاب المتعلّق بتلك اللحظة، وبحلول اللحظة الثانية يتعلّق بالمكلّف خطاب ثانٍ يدلّ على لزوم امتثال خطاب كنس المسجد في تلك اللحظة، وهلّم جرّاً.

فالذي يعصى في هذا الفرض، ليس أصل خطاب كنس المسجد، بل الخطاب الذي يبيّن اعتبار الفوريّة في امتثاله، ويسقط من الخطاب الثاني بعد امتثال الأمر بكنس المسجد في كلّ لحظة فردٌ ويتوجّه إلى المكلّف في اللحظة التالية فردٌ آخر منه. ولذلك يمكن الالتزام بأنّ الذي يؤخّر كنس المسجد لساعتين مثلاً فهو يستحقّ عقاباً أكثر من الذي يؤخّره ساعة واحدة، لأنّه قد عصى عدداً أكبر من الخطابات المنحلّة الناظرة إلى فوريّة امتثال كنس المسجد.

فإذا تزاحم مع هذا الواجب واجبٌ عباديّ آخر وقدّم المكلّف إتيانه على الواجب الفوري، فالواقع أنّه قد عصى الأمر بفوريّة امتثال الواجب الفوريّ في الآنات المتعدّدة التي اشتغل فيها بإتيان الواجب العادي. ففي كلّ لحظة كان يأتي فيها بجزء من أجزاء العبادة فقد كان يعصي أيضاً، ولكن عصيانه لم يوجب تبدّل ذلك الجزء من العبادة إلى عبادة منهيّ عنها، فقد قلنا سابقاً إنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاص.

إذن، فالخطاب الذي يؤخذ عصيانه في متعلّق الخطاب العبادي هو الخطاب بالفوريّة، لا أصل خطاب كنس المسجد، وإذا كان المراد من عصيان الخطاب الفوريّ عصيانه في اللحظة المنقضية، فهذا لا يحلّ مشكلة طلب الضدّين في اللحظة التالية، إذ الفرض أنّه توجّه للمكلّف في اللحظة الثانية فرد آخر من ذلك الخطاب. وإذا كان المراد، عصيانه في اللحظة التي يأتي فيها بجزء العبادة، فعصيان ذلك الخطاب لم يتحقّق حتّى يصبح خطاب العبادة في تلك اللحظة فعليّاً بتحقّق موضوعه، فكما قلنا فإنّه لا يمكن الالتزام بدعوى اتّحاد لحظة إمكان امتثال الأمر مع لحظة عصيانه، بل لحظة تحقّق عصيان الخطاب هي أوّل لحظة بعد آخر لحظة من إمكان امتثاله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo