< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / تنبيهات بحث الترتّب

 

الدليل الرابع: وهو الدليل الذي تمسّك به الشهيد الصدر لتصحيح الأمر الترتّبي حسب مبناه في تفسير الواجب المشروط.

قد تقدّم سابقاً انّ الشهيد الصدر قال في توجيه الواجب المشروط أنّ الوجوب المشروط يعود إلى تعلّق الإرادة المطلقة بالقدر الجامع بين «الجزاء بتقدير وجود الشرط» و«عدم الشرط».

وحسب هذا المبنى فإنّه قال في تصحيح الأمر الترتّبي: إنّ الأمر بالمهمّ المشروط بترك الأهمّ، يعود إلى إرادة الجامع بين إتيان المهمّ على تقدير عدم الأهمّ وإتيان الأهمّ، ومن الواضح أنّه لا منافاة بين هذا الأمر والأمر بالأهمّ.[1]

ولكنّ الإشكال الوارد عليه أوّلاً: أنّه تقدّم فيما سبق إشكال مبناه في رجوع الواجب المشروط إلى إرادة القدر الجامع المذكور وبيّنّا عدم إمكان الالتزام به.

وثانياً: حتّى لو فرضنا قبول هذه الدعوى في الواجب المشروط فإنّ هذا الأمر أيضاً لا يرفع الإشكال فيما نحن فيه، لأنّ من غير المعقول افتراض تعلّق الأمر التعيينيّ بالأهمّ على فرض تعلّق أمر آخر بالجامع بينه وبين المهمّ في صورة ترك الأهمّ، إذ يلزم من الأمر الثاني تخيير المكلّف في امتثال الأهمّ، بينما يلزم من الأمر الأوّل ضرورة امتثال الأمر الأهمّ، وعليه يتعارض هذان الأمران ولن يمكن جعل التكليفين معاً.

فتبيّن أنّه لا يوجد وجه معقول للأمر الترتّبي.

 

تنبيهات بحث الترتّب

التنبيه الأوّل: قال الآخوند الخراسانيّ في الكفاية أنّه لو قلنا بإمكان الأمر الترتّبي ثبوتاً، فلا نحتاج في مقام الإثبات إلى إقامة الدليل عليه، بل يكون الأمر الترتّبي ضروريّاً، إذ بناءً على القول بالترتّب فإنّ مزاحمة الواجب الأهمّ للمهمّ لا توجب إلا امتناع اجتماعهما في عرض واحد ولن يشكل اجتماعهما بنحو الترتّب. فإن قلنا بلزوم وجود الأمر لصحّة العبادة ولم نعتبر إتيان العبادة بقصد الملاك مصحّحاً لها، فإنّ العبادة تكون صحيحة بترك الأهمّ، إذ الأمر به ثابت في هذه الحالة، كما لو لم يوجد المأمور به المضادّ له.[2]

وهذا ما أيّده السيّد الخوئيّ وقال في توجيهه: «لزوم التكليف بالمحال كما يندفع برفع اليد عن أصل الأمر بالواجب المهم ـ سواء أتى بالأهمّ أم لا ـ كذلك يندفع برفع اليد عن إطلاق الأمر به، إذن يدور الأمر بين أن ترفع اليد عن أصل الأمر بالمهمّ على تقدير امتثال الأمر بالأهم وعلى تقدير عصيانه، وأن ترفع اليد عن إطلاقه لا عن أصله، يعني على تقدير الامتثال لا على تقدير العصيان، ومن الواضح جدّاً أنّ المحذور في كلّ مورد إذا كان قابلاً للدفع برفع اليد عن إطلاق الأمر فلا موجب لرفع اليد عن أصله، فإنّه بلا مقتضٍ وهو غير جائز...

وبتعبير ثانٍ: أنّ المكلّف لا يخلو من أن يكون عاصياً للأمر بالأهمّ أو مطيعاً له ولا ثالث، وسقوط الأمر بالمهمّ على الفرض الثاني ـ وهو فرض إطاعة الأمر بالأهمّ ـ واضح وإلا لزم المحذور المتقدّم. وأمّا سقوطه على الفرض الأوّل ـ وهو فرض عصيان الأمر بالأهمّ وعدم الاتيان بمتعلّقه ـ فهو بلا سبب يقتضيه، فإنّ محذور لزوم التكليف بما لا يطاق يندفع بالالتزام بالسقوط على فرض الاطاعة والامتثال، فلا وجه للالتزام بسقوطه على الإطلاق.»[3]

ولكن من الواضح أنّ هذه الدعوى ناتجة عن الخلط بين مقام التعارض ومقام التزاحم، لأنّ ما ذكر من أنّه إذا أمكن دفع التنافي بين دليل وآخر برفع اليد عن إطلاق الأوّل فلا يبقى وجه لرفع اليد عن أصل الدليل الأوّل، فهذا إنّما يصحّ فيما تعارض الدليلان والوجه فيه أنّ التمسّك بإطلاق الدليل الأوّل بما أنّه بني على تماميّة مقدّمات الحكمة ومنها عدم وجود قرينة على التقييد، فبوجود الدليل الثاني وإمكان تقييد الدليل الأوّل به، فإنّ مقدّمات الحكمة غير تامّة، فلن يمكن الأخذ بإطلاق الدليل الأوّل.

هذا والحال أنّ التزاحم يرجع إلى مقام الفعليّة والامتثال لا الجعل، ولا وجه لرفع اليد عن إطلاق أحد الدليلين من غير قرينة على تقييده فيما إذا لم يکن تنافٍ بينهما في مقام الجعل، ومن المعلوم أنّ تزاحم الدليلين في مقام الامتثال لا يشكّل قرينة على رفع اليد عن إطلاق أحدهما في مقام الجعل، لأنّ مقام الامتثال متأخّر رتبةً عن مقام الجعل، ويلزم من أخذ ما يکون متعلّقاً بالامتثال في مقام الجعل تقديم ما هو متأخّر.

فحتّى على فرض تماميّة الأمر الترتّبيّ ثبوتاً، فنحتاج في كلّ مورد لإثبات ترتّبيّة الأمر بالمهمّ إلى دليل مختصّ بذلك المورد ولا يوجد في الأدلّة الشرعيّة مثل هذا الدليل.

فإن قيل: إنّ عصيان الخطاب الأهمّ ليس قيداً لأصل الخطاب المهمّ وإنّما قيد لفعليّته، وفي هذه الحالة لا علاقة لهذا القيد بمقام الجعل حتّى نحتاج إلى دليل للتقييد.

فالجواب: أنّ قيد الفعليّة إمّا أن يكون دخيلاً في رفع المانع منه، وبما أنّ المانع فيما نحن فيه ليس إلا فعليّة خطاب الأهمّ والفرض بقاء فعليّته في زمان فعليّة الخطاب المهمّ، فعصيان الخطاب الأهمّ لا يكون رافعاً للمانع.

وإمّا أن يكون دخيلاً في المتقضي، وفي هذه الحالة يتعلّق بمقام الجعل لدخله في الملاك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo