< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / التنبيه الثالث

 

التنبيه الثالث: نسب الشيخ الأعظم في فرائده إلى الأصحاب القول بصحّة الجهر في الصلاة الإخفاتيّة وكذا العكس وکذا صحّة الصلاة التامّة في مقام القصر في صورة حصولهما عن جهل تقصيريّ، ثمّ أشكل قائلاً: كيف يمكن القول بالإجزاء وسقوط الواجب على الرغم من عدم معذوريّة المكلّف وكونه معاقباً في هذه الموارد بسبب تقصيره الذي يكشف عن بقاء الحكم الأوّل؟ إذ لو لم يكن الحكم الثاني متوجّهاً إليه، فلا وجه لصحّة الصلاة، وإن كان متوجّهاً إليه، فهذا لا يتناسب مع توجّه الحكم الأوّل إليه.

ثمّ ذكر وجوهاً لدفع هذا الإشكال، وقال في الوجه الثالث: إنّ كاشف الغطاء تمسّك بالترتّب لرفع الإشكال وقال: إنّ صحة الصلاة التامّة مثلاً مترتّبة على عصيان الأمر بالقصر، لأنّ الشارع كما أمر المكلّف بالقصر فإنّه أمره بالتمام في صورة عصيان الأمر بالقصر أيضاً.

ثمّ أشكل على هذه الدعوى وقال: إنّ الأمر الترتّبي غير معقول عندنا.[1]

والميرزا النائينيّ على الرغم من أنّه يقول بالأمر الترتّبي، ولكنّه أيضاً لم يقبل دعوى كاشف الغطاء وقال: يرد على الالتزام بالأمر الترتّبي في مثل هذه الموارد إشكالات:

1 ـ إنّ محلّ البحث عن الترتّب هو التضادّ الاتّفاقي بين متعلّقين، إذ التضادّ الدائمي بين متعلّقين ـ كالجهر والإخفات أو القصر والتمام ـ يتسبّب بتعارض الخطابين ويخرج عن موضوع مبحث الترتّب.

2 ـ إنّ مورد الخطاب الترتّبي إنّما يكون في الضدّين اللذين لهما ثالث، أمّا إذا لم يكن لهما فرد ثالث وكان وجود أحدهما ضروريّاً في صورة عدم الآخر، فالبعث نحو أحدهما في صورة عصيان الآخر، يستلزم طلب الحاصل.

وبالنتيجة فكلّ ما فُرض وجوده في الخارج، فيمتنع طلبه في فرض وجوده، سواء كان فرض وجوده مدلولاً مطابقيّاً للكلام ـ كما لو اُمِرَ بترك شيء في صورة عصيان الأمر المتعلّق به ـ أو كان مدلولاً التزاميّاً له، كهذا الموضع حيث إنّ ترك أحد الضدّين خارجاً يلازم وجود الآخر.

3 ـ إنّ الخطاب المترتّب على عصيان الخطاب الآخر، لا يصبح فعليّاً إلا إذا تنجّز الخطاب المترتّب عليه وعُصي، وبما أنّ الفرض فيما نحن فيه أنّ صحّة العبادة الجهريّة متوقّفة على الجهل بوجوب الإخفات ولا يتحقّق عصيان التكليف بالإخفات مع الجهل به، فلا يتحقّق شرط وجوب الجهر بذلك أيضاً، إذ كون الجهل تقصيريّاً لا يوجب تنجّز الخطاب بالإخفات، لأنّ الخطاب الواقعيّ في ظرف الجهل غير منجّز ولا تكون له داعويّة، سواءً كان الجهل عن قصور أو تقصير، واستحقاق العقاب في صورة الجهل التقصيري هو لمخالفة وجوب التعلّم أو الاحتياط المستلزمة لمخالفة الواقع.[2]

ولكن دعواه مشكلة من جهات:

فأوّلاً: غرابة ما ذكره في شرط التزاحم من أنّ التزاحم هو فيما يكون التنافي بين المتعلّقين اتّفاقياً لا دائمياً، لأنّ نسبة التضادّ بين المتعلّقين لا يمكن أن تكون اتّفاقيّة بحيث يجوز الجمع بينهما في زمان ويمتنع في زمان آخر، بل لو سلّمنا بهذه الدعوى ـ إذ قلنا سابقاً أنّه لا دخل لكون الحكمين دائميّين أو مؤقّتين في كون التنافي بينهما تعارضاً أو تزاحماً، بل له دخل في وجود التعارض بين أصل الحكمين أم بين إطلاقهما ـ ففرضه يكون فيما لو كان طلب الضدّين دائمياً أو اتّفاقياً، بمعنى أنّه لو تمّ طلب الضدّين في دليليهما دائماً، فالنسبة بين الدليلين تعارض، وإذا كان على نحو الاتّفاق، فالنسبة بينهما تزاحم.

فبما أنّ طلب الجهر والإخفات أو القصر والتمام ليس دائميّاً في الدليلين بل يختصّ بصورة جهل المكلّف بالحكم تقصيراً، فلا إشكال من هذه الجهة في كون المورد من موارد التزاحم.

ولكنّ السيّد الخوئيّ وافق أصل دعوى الميرزا النائينيّ من وجود التعارض بين الخطابين في صورة وجود تضادّ دائميّ بين المتعلّقين وقال بإمكان التمسّك بالخطاب الترتّبي في صورة التعارض أيضاً

وقال في هذا الصدد: «إنّ الترتّب كما يجري بين الخطابين في مقام الفعليّة والمزاحمة بتقييد فعليّة خطاب المهمّ بعصيان خطاب الأهمّ وترك متعلّقه، كذلك يجري بينهما في مقام الجعل والمعارضة بتقييد جعل أحد الحكمين المتعارضين بعصيان الحكم الآخر وعدم الإتيان بمتعلّقه على نحو القضيّة الحقيقيّة.

وفي مسألتنا هذه لا مانع من جعل وجوب الجهر في موضع الخفت وبالعكس عشلى نحو الترتّب، بأن يكون الواجب على المكلّف ابتداءً هو الإخفات مثلاً وعلى تقدير عصيانه وتركه جهلاً يكون الواجب عليه هو الجهر أو بالعكس، وكذا الحال في موضع القصر والتمام...

نعم، الترتّب في مقام الجعل في هاتين المسألتين يمتاز عن الترتب في مقام الفعليّة والامتثال في نقطتين:

الأُولى: أنّ المأخوذ في موضوع الخطابين فيهما عدم الإتيان بالآخر في حال الجهل لا مطلقاً، ولذا لو لم يأت المكلّف بالصلاة جهراً في صورة العلم والعمد أو الصلاة قصراً فلم تجب عليه الصلاة إخفاتاً أو الصلاة تماماً بالترتّب، فيختصّ القول بالترتّب فيهما بحال الجهل.

الثانية: أنّ وقوع الترتّب في مقام الجعل يحتاج إلى دليل، فلا يكفي إمكانه لوقوعه، وهذا بخلاف الترتّب في مقام التزاحم والامتثال، فإنّ إمكانه يُغني عن إقامة الدليل على وقوعه فيكون الوقوع على طبق القاعدة.»[3]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo