< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / إشكال آخر على الأمر الترتّبي في المسألة

 

أورد السيّد الروحانيّ إشكالاً آخر على الأمر الترتّبي في المسألة مفاده أنّ الجهر والإخفات بما أنّهما مأخوذان أجزاءً من القراءة ـ بمعنى أنّ ترك الجهر في الجزء الأوّل من القراءة جهلاً لا يؤدّي إلى الأمر بالإخفات فيما بقي منها ـ فعصيان الأمر بالجهر أو تركه لا يتحقّق إلا في فرض الإتيان بالإخفات، وعليه فلا يمكن اعتبار الأمر بالإخفات معلّقاً على عصيان الأمر بالجهر أو تركه.[1]

ولکن هذا الإشکال في الواقع راجع إلى أنّ قراءة كلّ جزء من السورة إخفاتاً ـ على سبيل المثال ـ يلازم ترك قراءة ذلك الجزء جهراً، ولا يشترط في صحّة إتيان ذلك الجزء عصيان الجهر في الأجزاء المتبقيّة من السورة، فلا يمكن أخذ ترك القراءة الجهريّة أو عصيانها في دليل القراءة الإخفاتيّة، لأنّ ترك الجهر في ذلك الجزء يلازم الإخفات فيه قهراً.

ولكن هذا الإشكال ليس إلا إشكال الميرزا النائينيّ الثاني وليس فيه جديد.

أمّا السيّد الخوئيّ فهو يرى إمكان مناقشة أصل دعوى استحقاق الجاهل المقصّر للعقاب على الرغم من وجود أجزاء مأتي بها، ويقول: «إنّ الجاهل بوجوب القصر والإخفات مثلاً لو صلّى قصراً أو إخفاتاً وتحقّق منه قصد القربة في حال الإتيان به، فلا يخلو الأمر من أن يحكم بفساد صلاته هذه ووجوب الإعادة عليه عند انكشاف الحال وارتفاع الجهل، أو يحكم بصحّتها وعدم وجوب الإعادة عليه ولا ثالث في البين.

أمّا على الأوّل، فلا شبهة في أنّ مقتضاه هو أنّ الصلاة تماماً أو جهراً هو الواجب على المكلّف تعييناً في الواقع عند جهل المكلّف بالحال، وعلى هذا فلا معنى لاستحقاق العقاب على ترك القصر أو الإخفات، ضرورة أنّ القصر أو الإخفات لا يكون واجباً في هذا الحال على الفرض ليستحقّ العقاب على تركه، ودعوى الاجماع عليه في هذا الفرض من الغرائب كما لا يخفى. على أنّ استحقاق العقاب ليس من الأحكام الشرعيّة ليمكن دعوى الإجماع عليه. هذا مع أنّ كلمات كثير من الأصحاب خالية عن ذلك.

وأمّا على الثاني، فلا شبهة في أنّ الحكم في الواقع حينئذٍ يكون هو التخيير بين الجهر والإخفات والقصر والتمام، ولازم ذلك أن يكون الإتيان بالقصر أو الإخفات مجزئاً كما هو شأن كلّ واجب تخييري، وعلى هذا فلا موضوع لاستحقاق العقاب بعد الإتيان بأحد طرفي التخيير وإن لم يكن المكلّف حال العمل ملتفتاً إليه، ضرورة أنّ الالتفات إليه ليس من أحد شرائط صحّة الإتيان بأحد طرفيه.»[2]

فحقيقة دعواه أنّ الجاهل بوجوب القصر والإخفات، إذا صلّى تماماً أو جهراً، فلا إشكال في صحّة صلاته.

وأمّا إذا صلاها قصراً أو إخفاتاً فإمّا أن نقول ببطلان صلاته ووجوب إعادتها بعد حصول العلم، وإمّا أن نقول بإجزائها وكفايتها.

وينتج عن الفرض الأوّل الوجوب التعيينيّ للصلاة الجهريّة أو الإتمام على المكلّف، ويلزم من الفرض الثاني تخيير المكلّف بين القصر والتمام أو الجهر والإخفات، ولا وجه في كلتا الصورتين لتوجّه عقاب إليه لترك الصلاة الإخفاتيّة أو القصريّة.

ويمكن ردّ هذه الدعوى بأنّه يمكن افتراض شقّ ثالث للمسألة وهو أنّ الجهر في مقام الإخفات والعكس وكذا التمام في موضع القصر في الجهل التقصيريّ، جعل بدلاً عن التكليف الأصليّ وينتج عنه إجزاء المأتي به وعدم وجوب الإعادة أو القضاء بعد العلم، ولكن هذه البدليّة لا تنافي استحقاق العقاب على ترك المبدل منه، لعدم معذوريّة المكلّف في تركه والإتيان بالبدل.

ونظير المسألة فيما إذا أمكن للمكلّف تحصيل الطهارة المائيّة بوجود الماء وسعة الوقت، ولكنّه أخّر تحصيلها إلى أن تعذّر عليه إتيان الصلاة في الوقت بتحصيل الطهارة المائيّة، ففي هذه الصورة يجب عليه تحصيل الطهارة الترابيّة وأداء الصلاة وهي مجزئة ولا يتحقّق موضوع القضاء ـ وهو الفوت ـ بإتيانها، فلا يجب عليه القضاء، ومع ذلك فإنّه لا ينافي استحقاقه العقاب على ترك الصلاة بالطهارة المائيّة عامداً.

ويختلف المثال عمّا نحن فيه بأنّ المأخوذ في موضوع البدل هنا بما أنّه الجهل بالمبدل منه، فالبدليّة عرضيّة بمعنى أنّه يمكن في نفس الوقت إتيان المبدل منه كما يمكن إتيان البدل، ولكن في المثال بما أنّ المأخوذ في موضوع البدل هو عدم قدرة المكلّف على إتيان المبدل منه، فالبدليّة فيه طوليّة، ولکن هذا لا يؤدي إلى اختلاف المسألتين من جهة تحقّق العصيان بترك المبدل منه.

هذا مضافاً إلی أنّه لا يمكن تخيير المكلّف بين الجهر والإخفات أو القصر والتمام فيما نحن فيه، لأنّه يلزم منه اقتصار جعل الوجوب التعييني للجهر والإخفات والقصر في حقّ العالم بوجوبها التعيينيّ وهذا يستلزم الدور.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo