< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النسخ / إمكانيّة بقاء الجواز / إشكال السيّد الخميني على رأي المحقّق العراقي

 

تقدّم في الجلسة السابقة استدلال المحقّق العراقيّ في إمكان بقاء الجواز والرجحان بعد نسخ الوجوب.

وأشكل السيّد الخميني على رأي المحقّق العراقي قائلاً:

أولاً: إنّ الوجوب أمرٌ منتزع من البعث الناشئ عن الإرادة الحتميّة، وليس للأُمور الانتزاعيّة مراتب حتّى يصدق عليها ما ادّعي، وليس الفرق بين البعث الإلزاميّ والاستحبابيّ في البعث نفسه، وإنّما في منشئه أي الإرادة.

نعم، إذا أخذنا الوجوب إرادة واصلة إلى مرتبة الظهور، فقد يكون لها مراتب باعتبار الإرادة، ولكن المبنى غير مقبول من أصله.

وثانياً: حتّى لو سلمّنا بكون الوجوب أمراً بسيطاً ذا مراتب، فإنّه لا يلزم منه إمكان ارتفاع مرتبة وبقاء أُخرى، لأنّ اشتمال الأُمور البسيطة على مراتب لا يعني أن تكون كلّ مرتبة من المراتب كذلك، كما أنّه لا يلزم من التشكيك في الوجود أن تكون كلّ هويّة ذات مراتب بنحو يحفظ وجودها في مرتبة عند زوال إحدى المراتب الأُخرى، بل المراد أنّ الوجود بوصفه حقيقة واحدة فله مراتب مختلفة بحيث يكون لكلّ هويّة مرتبة من الوجود، وتختصّ مرتبته البسيطة الكاملة بالله تعالى، وتختصّ كل من مراتبه الأُخرى بهويّة.

نعم، ينتزع من الوجود الجواز بمعناه الأعمّ وكذا الرجحان، لكن لا يعني ذلك تضمّن الوجود للجواز والرجحان، بل يعني أنّ طبيعيّ الجواز والرجحان موجود بعين وجود وجوبه، وبالنتيجة يكون وجود الوجوب عين وجود الجواز والرجحان، وبرفع الوجود يرفع وجودهما أيضاً.

وثالثاً: إذا فرضنا أنّ المراد من الوجوب ومراتبه هو الإرادة الظاهرة، فهذا المعنى يقبل الشدّة والضعف في الإنسان والحيوان، ولكن لا معنى للشدّة والضعف في إرادة الله سبحانه.

فالحقّ أنّه لا يمكن بقاء الجواز أو الرجحان مع نسخ الوجوب.[1]

ولكن خلافاً لرأي السيّد الخميني فإنّ الأحكام الخمسة ليست أُموراً انتزاعيّة، وهي إنّما أُمور اعتباريّة اعتبرها الشارع على عهدة المكلّف، فمثلاً الوجوب معناه اعتبار لزوم إتيان الفعل وعدم جواز تركه للمكلّف.

على أنّه يجوز التشكيك حتّى في الأُمور الانتزاعيّة، ومن هنا صنّفوا في المنطق المفاهيم إلى متواطئة ومشكّكة، والحال أنّها أُمور انتزاعيّة.

كما تجوز الشدّة والضعف مع حفظ الهويّة، ولذلك يمكن لكلّ فرد أن يرتقي إلى أعلى مراتب الوجود مع الحفاظ على هويّته الفرديّة، كما يمكنه التردّي والتراجع إلى أسفل المراتب، وكذلك يمكن اعتبار مراتب في الوجوب من الشدّة والضعف.

ولكنّ الإشكال الأبرز في بيان المحقّق العراقي هو أنّه اعتبر الجواز والرجحان من مراتب الوجوب، بينما من الواضح أنّ الجواز لا يكون من مراتب الوجوب لفقده الطلب، كما أنّ مجرّد الرجحان أيضاً لا يكون من مراتبه لفقده الإلزام.

إذن ـ كما تقدم في كلمات السيّد الخميني أيضاً ـ فالجواز والرجحان من الأُمور الموجودة بوجود الوجوب ولا تعدّ من مراتبه.

فبالنسبة إلى عدم إمكان بقاء الجواز بعد النسخ، فعلى الرغم من أنّه لو نظرنا بالدقّة العقليّة إلى المسألة واعتبرنا الوجوب أمراً بسيطاً لا مركّباً من الطلب وعدم الرضا بالترك ـ کما هو الحقّ ـ فلا وجه لإمكان بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب، لأنّ الجواز بالمعنى الأعمّ لا وجود له إلا وجود الوجوب نفسه في هذا الفرض، فينتفي بانتفاء الوجوب. ولكن إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية نظر العرف، فيمكن القول بأنّه يمكن ثبوتاً بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب بواسطة جعل حكم آخر كالاستحباب أو الإباحة، كما أنّه لو خرج زيد من بيت ودخل عمرو إليه من باب أُخرى في آنٍ واحد، وإن وجب القول بالدقّة العقليّة أنّ الطبيعة الإنسانيّة الموجودة بوجود زيد قد رفعت، وحدث الطبيعة الإنسانيّة الموجودة بوجود عمرو، ولكنّ العرف يحكم ببقاء الطبيعة الإنسانيّة في البيت في هذه الصورة.

لا يقال: الكلام فيما نحن فيه يدور حول نسخ الوجوب، وجعل حكم آخر غير الوجوب خارج عن محلّ الفرض.

لأنّه يقال: إنّ الكلام في مقام الثبوت يدور حول الإمكان، وليس المدّعى أنّه يوجد دليل إثباتاً على جعل حكم آخر، بل يقال: إنّه يمكن ثبوتاً جعل حكم آخر بحيث يحكم العرف ببقاء الجواز به.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo