< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النسخ / دلالة الدليل الناسخ أو المنسوخ على بقاء الجواز / استصحاب الجواز مع الشكّ في بقائه

 

تابع الشهيد الصدر كلامه قائلاً: بناءً على مبنى المحقّق النائينيّ في دلالة الأمر على الوجوب ـ وهو كما تقدّم في مستهلّ بحث الأوامر مبنيّ على أنّ الوجوب ليس مدلولاً لللفظ، وإنّما هو حكم العقل ومن لوازم صدور الصيغة من المولى ومقتضى حقّ المولويّة والعبوديّة ـ يمكن القول بأنّ الدليل الناسخ لا يثبت إلا الترخيص في الفعل، فيؤدّي إلى انتفاء حكم العقل، ولكنّه لا ينفي مدلول صيغة الأمر، إلا إذا فرض نظر الدليل الناسخ إلى مفاد الدليل المنسوخ ونفيه له، سواء أكان وجوباً أم غيره، ولكن يحتاج ذلك إلى عناية زائدة وهي ليست مفروضة في عنوان البحث.

ثمّ استشكل الشهيد على هذا الرأي فقال: تقدّم أنّ الوجوب مدلول لللفظ وليس حكم العقل، فما لم تفرض عناية زائدة في الدليل الناسخ، لا يمكن القول بإثبات الجواز لا بالمعنى الأعمّ ولا بالمعنى الأخصّ.[1]

ولكن هناك إشكال آخر زائداً على الإشكال البنائي الذي ذكره، وهو ما ورد في كلام الشهيد أيضاً من أنّ الدليل الناسخ ناظر إلى رفع مدلول الدليل المنسوخ لا رفع مجرّد الوجوب، وهو لا يحتاج إلى عناية زائدة في الدليل الناسخ، بل ليس للنسخ معنى غير ذلك، وما ورد في عنوان البحث من «نسخ الوجوب» فإنّ المراد منه نسخ مدلول الدليل المنسوخ، ولكنّهم قرّروا العنوان بهذا النحو لأنّهم غالباً يرون الوجوب مدلولاً لللفظ.

وبعبارة أُخرى فإنّ الدليل الناسخ إذا كان رافعاً للوجوب فقط ولم يكن ناظراً إلى مدلول الدليل المنسوخ، فهو قرينة في الحقيقة على أنّ طلب الشارع لم يكن إلزاميّاً ولن يتمكّن العقل بناءً على ذلك من الحكم بالوجوب بسبب وجود الأمر، فغاية شأنه هي القرينيّة على خلاف حكم العقل لا الناسخيّة، ومن هنا لم يقل المحقّق النائينيّ ببقاء الجواز أو المطلوبيّة بعد النسخ، على الرغم من التزامه بالمبنى المذكور.[2]

المقام الثالث: استصحاب الجواز مع الشكّ في بقائه

قال المحقّق الخراسانيّ في التمسّك بالاستصحاب للحكم بالجواز بعد النسخ بأنّه لا يمكن التمسّك بالاستصحاب فيما نحن فيه، إلا إذا قلنا بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسامه، وهو كما سيأتي غير جارٍ فيه، إلا إذا كان الأمر المحتمل البقاء من المراتب القويّة أو الضعيفة لما يُعلم رفعه بحيث يقول العرف إذا كان الحادث موجوداً، فهو بقاء الشيء الزائل نفسه، لا أن يكون أمراً حادثاً آخر. ومن جهة أُخرى فمعلوم أنّ الأحكام الخمسة متباينة عقلاً وعرفاً، والنسبة بينها هي التضادّ، إلا الوجوب والاستحباب، وهما وإن كانا مرتبتين من مراتب الطلب عرفاً ومختلفين في الشدّة والضعف، ولكنّ العرف يراهما متباينين. فإذن بما أنّ المتّبع في الاستصحاب هو حكم العرف لا العقل، فإذا شكّ في تبدّل أحد الأحكام إلى آخر، فلا مجال للاستصحاب.[3]

ثمّ إنّ إشكال المحقّق الخراساني وإن كان وارداً ولكن دعواه في كون الاستحباب والوجوب مرتبتين من الطلب عقلاً فليست بصحيحة، لأنّ الاستحباب والوجوب من الأُمور الاعتباريّة التي منشؤها الطلب، لا أنّهما مرتبتان من مراتبه.

أمّا السيّد الخوئي فقد أورد ـ فضلاً عن الإشكال المتقدّم ـ إشكالاً على مبناه على التمسّك بالاستصحاب من أنّه لا يجوز في الأحكام الكليّة.[4]

أمّا السيّد الخميني فإنّه اعتبر إشكال التمسّك بالاستصحاب ـ ولو على القول بجريانه في القسم الثالث ـ أنّ المستصحب فيما نحن فيه ليس حكماً شرعياً كما لا يترتّب عليه أثر شرعيّ، لأنّ الجواز الجامع للوجوب والجواز بالمعنى الأخصّ والاستحباب، ليس مجعولاً شرعيّاً، بل يتعلّق الجعل بكلّ منهما على حدة، والعقل هو الذي ينتزع الجواز بالمعنى الأعمّ من الجعل المتعلّق بها، وهذا الأمر الانتزاعي ليس حكماً شرعيّاً ولا يمكن استصحابه.[5]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo