< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب التخييری / الحلّ الثالث / تعريف المسألة

 

الإشكال الثالث الذي أورده السيّد الخوئيّ على التقرير الثاني للحلّ الثاني يعود إلى أنّه لو توقّف وجوب العدل المختار على اختياره، فيلزم منه طلب الحاصل، لأنّ اختيار أحد العدلين معناه إتيان ذلك العدل لا مجرّد قصد إتيانه.

لكن يمكن دفع هذا الإشكال إذا التزمنا بتعلّق الوجوب بمختار المكلّف على نحو الشرط المتأخّر، بأن يقال: كلّ عدل واجب بشرط أن يتمّ اختياره من قبل المكلّف، واختياره كاشف عن وجوب ذلك العدل، فلا يلزم منه حينئذٍ طلب الحاصل.

وقال السيّد الروحاني في الإشكال على التقرير الثاني للاستدلال: لو سلّمنا بهذا النحو من الوجوب بالنسبة إلى الله تعالى لما له من العلم بما يكون، ولكن لا يمكن الالتزام به في الأوامر التخييريّة للموالي العرفيّة[1] ، وهذا الإشكال صحيح كإشكال العلامة.

الحلّ الثالث:

كما تقدّم في بيان حلّ المحقّق الخراساني فقد ذهب المحقّق الاصفهانيّ إلى إمكان تصحيح الواجبات التخييريّة بأن يكون كلا العدلين واجبين تعيينيّين، ولكن مصلحة التسهيل على المكلّفين تقتضي ترخيص الشارع في ترك أحد العدلين في صورة الإتيان بالآخر.

وقال في توضيحه في حاشية تعليقته على الكفاية: «إنّ القائم بالصوم والعتق والإطعام أغراض متباينة لا أغراض متقابلة، وحيث إنّ كلّها لزوميّة فلذا أوجب الجميع، وحيث إنّ مصلحة الإرفاق والتسهيل تقتضي تجويز ترك كلّ منها إلى بدل فلذا أجاز كذلك. فإذا ترك الكلّ كان معاقباً على ما لا يجوز تركه إلا إلى بدل وليس هو إلا الواحد منها لا كلّها، كما أنّه إذا فعل الكلّ دفعة واحدة كان ممتثلاً للجميع. والشاهد على ما ذكرنا أنّه ربما لا يكون تمام الإرفاق، كما في كفّارة الظهار والقتل الخطائي، فإنّه أمر أوّلاً بالعتق ومع عدم التمكّن يجب الصوم، وربما لا إرفاق أصلاً، كما في كفّارة الإفطار بالحرام، فإنّه يجب الجمع بين الخصال، فيعلم منه أنّ الأغراض غير متقابلة.»[2]

وقد أشكل السيّد الخوئي على دعواه قائلاً بأنّها مخالف لظاهر أدلّة الواجبات التخييريّة أوّلاً.

وثانياً: لا سبيل لإحراز الملاك في شيء إلا بواسطة تعلّق الأمر به، وبما أنّ الأمر في الواجبات التخييريّة قد تعلّق بأحد العدلين، فهذا ليس إلا كاشفاً عن وجود الملاك في أحد العدلين، ودعوى وجود الملاك في كليهما متوقّفة على العلم بالغيب.

وثالثاً: لا سبيل لإحراز كون مصلحة التسهيل بمستوىً تقتضي جواز ترك الواجب، وعلى فرض الإحراز أيضاً فلو كانت المصلحة بهذا المقدار، فإنّها تسبّب المنع من أصل جعل الوجوب لكلا العدلين للواجب التخييريّ، لأنّ مصلحة التسهيل تتزاحم مع مصلحة أحد العدلين، والمصلحة المتزاحمة مع أُخرى لا تكون منشأ لجعل الوجوب.

ورابعاً: لو سلّمنا بأنّ مصلحة التسهيل لا تمنع من وجوب كلا العدلين، فلا وجه في هذه الصورة لسقوط وجوب أحد العدلين بواسطة الإتيان بالآخر، لأنّ سقوط وجوب الواجب يكون إمّا بامتثاله الموجب لتحصيل الغرض من الأمر وسقوطه، وإمّا بالعجز عن الامتثال، سواء كان العجز بسبب العصيان أم لجهة أُخرى، أو بواسطة نسخ الوجوب، ومن المعلوم عدم وجود أيّ من هذه فيما نحن فيه.

وإن قيل: إنّه لو سلّمنا بأنّ وجوب كلّ من العدلين مشروط بعدم الإتيان بالآخر، ففي هذه الحالة إذا أُتي بأحدهما، فإنّ شرط وجوب الآخر غير محقّق، فيرتفع وجوبه.

فيجاب عنه: بأنّ هذا وإن صحّ ثبوتاً ولكن لا دليل عليه إثباتاً، بل هو مخالف لظواهر الأدلّة الدالّة على وجوب أحد العدلين لا وجوبهما على نحو مشروط.

وخامساً: لو سلّمنا بأنّ وجوب كلّ من العدلين مشروط بعدم الإتيان بالآخر لمصلحة التسهيل، فينتج عنه أنّ المكلّف لو لم يأت بالعدلين لتوجّه إليه عقابان، وهذا ممّا لا يمکن الالتزام به کما ما التزم به المحقّق الإصفهاني أيضاً، ولا معنى لما ذكره إثباتاً لعقوبة واحدة حال ترك العدلين من أنّ العقاب الواحد يكون على ترك ما لا يجوز تركه وهو أحد العدلين، لأنّ عدم استحقاق العقاب على ترك كلّ من العدلين إنّما هو في صورة إتيان المكلّف بالعدل الآخر، والفرض هنا أنّه ترك الاثنين.

وبعبارة أُخرى فإنّ ترك أيّ من العدلين يقتضي العقاب، والمانع من العقاب هو الإتيان بالعدل الآخر، فإذا ترك الاثنين، فلا مانع من تأثير كلا المقتضيين.[3]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo