< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب التخييری / الحلّ السادس / الإشکال الأوّل

 

الحلّ السادس: الحلّ المدّعى هنا هو أن يكون متعلّق الأمر التخييري جامعاً عنوانيّاً مثل «أحدهما» أو «أحدهم».

بيانه: أنّه كما يمكن أحياناً افتراض جامع مقوليّ بين الموجودات الخارجيّة والمكلّف مخيّر فيما إذا تعلّق الأمر بهذا الجامع أو وقع الجامع موضوعاً للأمر أن يمتثل الأمر في ضمن واحد من تلك الأفراد، فكذلك يمكن افتراض جامع عنوانيّ وانتزاعيّ بين تلك الموجودات، وفي هذه الصورة أيضاً تكون الموجودات أفراداً لهذا الجامع، فإذا وقع الجامع موضوعاً لأمرٍ، فيتخيّر المأمور بين أفراده؛ كما لو قال المولى لعبده: «ائتني برغيف من الخبز الموجود في الإناء»، فـ «الخبز الموجود في الإناء» في هذه القضيّة جامع عنوانيّ وقع موضوعاً للقضيّة. كما لو وقع هذا الجامع متعلّقاً للأمر الشرعيّ، فينتج عنه تخيير المكلّف بين المتعلّقين؛ كما لو أمر الوالد ولده بأن: «افعل واحداً من الاثنين: إمّا الدراسة وإمّا العمل»، ومعلوم هنا أنّ متعلّق الأمر «واحد من الاثنين» أو عنوان «أحدهما» وهو عنوان انتزاعي.

ثمّ إنّه إذا فرض كون الجامع المقوليّ أو العنوانيّ موضوعاً للحكم الشرعيّ، فالتخيير عقليّ، وأمّا إذا كان الجامع العنوانيّ متعلّقاً للحكم، فالتخيير شرعيّ، لأن انتزاع هذا الجامع بعنوان متعلّق الحكم يكون بيد الشارع.

ويجب أن يلاحظ أنّ الجامع العنوانيّ المذكور ليس بالضرورة غير شامل لفردين داخلين تحت مقولة واحدة بحجّة أنّه لو كان الفردان داخلين تحت مقولة واحدة فالجامع بينهما مقوليّ لا عنواني؛ لأنّ الفردين الداخلين تحت مقولة واحدة إذا لوحظا بشرط لا بالإضافة إلی سائر أفراد الجامع المقولي، فلا يمكن لحاظهما تحت تلك المقولة، بل يجب لحاظهما تحت جامع عنوانيّ.

ولكنّ السيد الخوئيّ وبعد أن بيّن كون متعلّق الأمر التخييري هو الجامع العنوانيّ المذكور، أورد عدّة إشكالات على تعلّق الأمر بهذا الجامع، وأجاب عنها.

الإشكال الأوّل: الجامع العنوانيّ أمر انتزاعيّ، وليس له واقع إلا في عالم النفس، فلا يقع متعلّقاً للأمر.

وأجاب عليه: يمكن تعلّق صفات نفسانيّة مثل العلم والإرادة ـ وهما من الأُمور الحقيقيّة ـ بالجامع العنوانيّ فضلاً عن الأحكام الشرعيّة التي تكون من الأُمور الاعتباريّة، ويوجد في القضايا الشرعيّة موارد كثيرة تعلّق فيها مثل هذا الجامع بحكم شرعيّ أو وقع موضوعاً له.[1]

ثمّ مثّل لكيفيّة تعلّق العلم بالجامع العنواني بأنّه إذا علمنا إجمالاً بعدالة أحد الاثنين واحتملنا عدالة الثانيّ أيضاً وكان كلاهما عادلين في الواقع، فالمعلوم بالإجمال ليس متعيّناً حتّى في علم الله تعالى، ضرورة أنّه لا واقع له إلا هذا المفهوم الانتزاعيّ، فلا تصحّ دعوى أنّ المعلوم بالإجمال هو عدالة الأوّل وعدم عدالة الثاني أو العكس، لأنّ نسبة المعلوم بالإجمال إليهما سواء. علماً بأنّ بيان هذا المثال إنّما كان لوضوح المدّعى فيه، وإلا فلو فرض انحصار العدالة في أحدهما أيضاً، فالمعلوم بالإجمال ليس متعيّناً، لأنّه لا ينطبق على العادل الواقعيّ بالضرورة.[2]

لكن يجاب عليه بأنّ العلم من الصفات النفسانيّة التي ليس لها علاقة بالخارج بالضرورة، وإنّما هو انطباع لدى الإنسان عن الواقع الخارجي وقد يكون مطابقاً له أو غير مطابق. فلو عُلم إجمالاً بأنّ أحدهما عادل ولم يكن أيّ منهما عادلاً واقعاً، فهذا أيضاً لا ينافي العلم الإجماليّ.

وبعبارة أُخرى فتعيّن المعلوم بالإجمال لا يشترط فيه مطابقته للواقع الخارجيّ، وإنّما نفس عنوان «أحدهما» معلوم متعيّن ولو لم يكن بإزائه شيء في الخارج.

هذا، والحال أنّ الغاية في تعلّق الإرادة بالشيء هي تحقّق متعلّق الإرادة في الخارج، فإذا لم يمكن تحقّق الغاية خارجاً، لم يمكن تعلّق الإرادة بها أيضاً.

وأمّا وقوع الجامع العنوانيّ في كثير من القضايا الشرعيّة متعلّقاً أو موضوعاً في الحكم الشرعيّ، فليس جواباً حلّيّاً، بل هو تكرار للمدّعى الأوّل.

إذن يجب أن يقال في ردّ الإشكال بأنّه وإن صحّت دعوی فقدان الجامع الانتزاعي ما يکون بإزائه في الخارج، ولكن انتزاعه نشأ عن أمر خارجيّ وواقعيّ، فيمكن تعلّق الطلب به بهذا الاعتبار، بمعنى أنّه يلزم من طلبه طلب منشأ انتزاعه. فمثلاً لو قال الأب لابنه: «أُريد منك التقدّم في الدراسة العلميّة»، فإنّ عنوان «التقدّم» وإن كان عنواناً انتزاعيّاً لا واقع له خارجاً، ولكن منشأ انتزاعه ـ وهو ازدياد المعلومات ـ ذو واقع خارجيّ، ومطالبة التقدّم في الدراسة العلميّة ممكنة باعتبار إمكان تحقّق منشأ انتزاعه خارجاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo