< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب التخييری / التخيير بين الأقلّ والأكثر / تعريف المسألة

 

طرحنا في الجلسة السابقة الإشكال الأوّل الذي أورده السيّد الخوئيّ على الحلّ السادس وجوابه عنه.

الإشكال الثاني: إنّ التكاليف تابعة للمصالح والمفاسد، ولا مصلحة ولا مفسدة في المفهوم الانتزاعي، بل المصلحة في فعل المكلّف الصادر منه خارجاً، فيجب أن يتعلّق التكليف بفعل المكلّف لا المفهوم الانتزاعيّ.

وقال السيّد الخوئی في الجواب على الإشكال:

أولاً: إنّ أمر الشارع ونهيه و إن فُهم منه وجود مصلحة أو مفسدة في متعلّقه، ولكن سنخ المصلحة أو المفسدة ليست معلومة لنا.

ثانياً: يجب التحفّظ على ظواهر أدلّة الوجوب، وإنّ مقتضى ظواهر الأدلّة هو تعلّق الأوامر التخييريّة بالجامع المذكور.

ثالثاً: نعلم أنّ الإتيان بمتعلّق الوجوب في الخارج يحصّل المصلحة التي سبّبت الإيجاب، ولا مجال لتلك المصلحة بعدئذٍ.[1]

وظاهر دعواه الأُولى إمكان تسانخ المصلحة أو المفسدة لمتعلّق الأمر فتكون انتزاعيّة، بينما لا يمكن الالتزام بذلك، لأنّ الأحكام الشرعيّة تتبع المصالح والمفاسد الواقعيّة التي بإزائها شيء في الخارج، وليست تابعة للمصالح والمفاسد الانتزاعيّة.

وتقدّم كراراً جواب دعواه الثانية من أنّه لا يمكن تخطئة أو تصويب البحث الثبوتي بواسطة ظواهر الأدلّة التي تكون في مقام الإثبات وإن كانت تؤيّد البحث الثبوتي.

والظاهر عود دعواه الثالثة إلى ما تقدم منّا من أنّ المفهوم الانتزاعيّ وإن لم يكن ذا واقع خارجيّ، غير أنّ لمنشأ انتزاعه واقعاً خارجياً، وبالنتيجة يمكن ترتّب المصلحة أو المفسدة عليه باعتبار منشأ انتزاعه.

التخيير بين الأقلّ والأكثر

هل يمكن التخيير العقليّ أو الشرعيّ بين الأقلّ والأكثر؟

هناك إشكال في التخيير بين الأقلّ والأكثر وهو أنّه إذا كان تدريجيّاً، فبتحصيل الأقلّ في ضمن الأكثر، لا يبقى تكليف بالنسبة إلى الإتيان بالزائد، وإذا كان دفعيّاً، فصحيح أنّ التكليف موجود حين الإتيان بالأكثر، ولكن للمقدار الزائد جوازاً للترك بلا بدل، وهذا ينافي وجوبه.

أجاب المحقّق الخراسانيّ على هذا الإشكال قائلاً: إذا كان الأكثر محصّلاً للغرض بشرط حصول جميع أجزائه ـ بمعنى أن يكون لجميع أجزائه مدخليّة في تحصيل الغرض ـ فحتّى لو كان الأقلّ محصّلاً للغرض أيضاً، فلا إشكال في التخيير بين الأقل والأكثر.[2]

وقال المحقّق الاصفهانيّ في توضيح دعوى المحقّق الخراسانيّ: هذا التوجيه إمّا أن يكون بلحاظ أنّ الأكثر من أفراد الطبيعة كالأقلّ، وإمّا لأنّ الغرض يترتّب على الأقلّ بشرط عدم سائر الأجزاء، فيجب أن يدرس في المقامين.

فهذا التوجيه في المقام الأول، مبنيّ على التشكيك في الماهيّة أو التشكيك في الوجود.[3]

وقال الشهيد الصدر في بيان هذه الدعوى: توجد ثلاث نظريّات في تفسير الاختلاف بين أفراد الماهيّة الواحدة:

1 ـ يرى بعض أنّ الاختلاف بين أفراد الماهيّة يكون من حيث أعراضها وهذه الاختلافات خارجة عن ذوات تلك الأفراد، وفي هذه الصورة يختلف ما به الامتياز في أفراد الماهيّة عمّا به الاشتراك فيها، وهذا التشكيك يصطلح عليه بـ «التشكيك العامّي».

2 ـ وذهب جماعة إلى أنّ الامتياز بين أفراد الماهيّة الواحدة يكون في ذواتها وماهيّاتها، فقالوا إنّ ماهيّة الثلاثة تختلف عن ماهيّة الأربعة، كما تختلف ماهيّات الأنواع المختلفة الداخلة تحت جنس واحد، ويختلف الحال هنا بأنّ ما به الامتياز هو من سنخ ما به الاشتراك وهو العدد في المثال المذكور، لأنّ اختلاف الثلاثة عن الأربعة هو من حيث العدديّة الذي يشتركان فيه لا في شيء آخر، وهكذا الحال بالنسبة إلى الخطّ الطويل والقصير، ويصطلح على هذا النوع من التشكيك بين أفراد الماهيّة الواحد بـ «التشكيك الخاصّي الماهوي».

3 ـ وقال بعض أنّ الامتياز بين أفراد الماهيّة الواحدة يكون في وجودها لا في ماهيّاتها، بمعنى أنّ الماهية المنتزعة من الفردين المختلفين في الرتبة أمر واحد والاختلاف في وجودهما وهو الأصيل في الخارج بناء على أصالة الوجود، فما يمتاز به الخطّ الطويل عن الخطّ القصير هو حقيقة الوجود الكامل للخطّ الطويل الذي يختلف عن الخطّ القصير في كمال وجوده، وإن لم يختلفا من حيث الماهيّة. فما به الامتياز بين أفراد الماهية الواحدة حسب هذه النظرية هو عين ما به الاشتراك بينها وهو الوجود، ويصطلح على هذا النوع من التشكيك بين أفراد الماهية الواحدة «التشكيك الخاصّي الوجوديّ».

فإذا قلنا بالمبنى الأوّل أو الثاني من بين المباني المذكورة، فلا وجه للتخيير بين الأقلّ والأكثر، إذ على مبنى المحقّق الخراسانيّ الذي يُجري قاعدة «الواحد» في هذا المقام، فلن يوجد جامع ماهويّ بين المرتبتين حتّى يتحصّل غرض واحد بكليهما.

وأمّا إذا قلنا بالمبنى الثالث، فيمكن التخيير بين الأقلّ والأكثر، لأنّ الأكثر على الرغم من استقلال وجوده عن الأقلّ ولكن لا يختلفان ماهيّةً، فلا يلزم من تأثير كلّ منهما في تحصيل الغرض نقضٌ لقاعدة «الواحد»، علماً بأنّ هذا الجواب إنّما يصحّ فيما كان للأكثر وجود واحد لا فيما كان متشكّلاً من وجودات متكثّرة.[4]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo