< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب الکفائي / تعريف المسألة / توجّه خطابين إلى مكلّفين بأغراض مختلفة وعدم إمكان امتثال التكليفين

 

زاد السيّد الخوئيّ على ما تقدّم في كلمات الميرزا النائينيّ إشكالاً آخر أورده على دعوى كون التكليف في الواجب الكفائي مشروطاً بعدم الإتيان به من قبل سائر المكلّفين، وقال فيه: إذا كان الشرط المأخوذ في تكليف كلّ مكلّف هو مسمّى ترك إتيان المكلّف بواسطة سائر المكلّفين، فبمجرّد مرور الزمان بمقدار الإتيان بذلك المتعلّق وعدم إتيان أيّ من المكلّفين به، فيجب أن يتعيّن التكليف على كلّ المكلّفين، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

وإذا كان شرط الترك مطلقاً ـ أي الترك إلى زمان لا يمكن امتثال التكليف بعده ـ فإذا أتى جميع المكلّفين بالتكليف في هذه الصورة، فإنّ شرط الوجوب غير حاصل، فلم يتحقّق امتثال، لأنّه لا معنى للامتثال من غير وجوب.[1]

لكن يجاب على إشكاله أوّلاً: بأنّ الإشكال المذكور لو سلّم فهو إنّما يرد فيما لم يكن التكليف بحيث ينتفي موضوعه بإتيان مكلّف واحد بمتعلّق التكليف، مثل دفن الميّت.

وثانياً: يمكن الالتزام بأنّ شرط تكليف كلّ مكلّف ليس تركه مطلقاً من قبل سائر المكلّفين ولا مطلق تركه من قبلهم، وإنّما شرطه عدم إتيان سائر المكلّفين بمتعلّق التكليف إلى زمان إتيان کلٍّ من المكلّفين به، حيث لو فرض مبادرة جميع المكلّفين بالإتيان بالتكليف ـ كما لو أقام الجميع في وقت واحد الصلاة على الميّت فرادى ـ فما لم ينتهي أيّ منهم من الصلاة، فصلاة كلّ منهم مأمور بها فتقع وجوباً، ولكن بمجرّد انتهاء أحدهم من الصلاة، فلا يمكن للآخرين أن يتمّوا صلواتهم بنيّة الوجوب. كما يمكن الالتزام بأنّ الشرط المذكور هو عدم شروع أيٍّ من المكلّفين في إتيان التكليف بحيث إذا شرع أحد المكلّفين بإتيان التكليف ـ مشروطاً بإتمامه بنحو الشرط المتأخّر ـ فإنّ التكليف يسقط عن سائر المكلّفين، وإذا شرع كلّهم بإتيان التكليف معاً، فيجوز للجميع نيّة الوجوب وإن انتهى منه أحدهم قبل الآخرين.

نعم، أشكل الشهيد الصدر على هذه الدعوى فقال: لو فرض أنّ الوجوب العائد لكلّ مكلّف مشروط بعدم إتيان مكلّف آخر بمتعلّق الأمر، فيلزم منه أن يتعيّن التكليف على جميع المكلّفين في نهاية الوقت، كما أنّه لو علم أحد المكلّفين بأنّ غيره مشغول في الوقت ذاته بإتيان متعلّق التكليف فإتيانه لا يسقط التكليف عنه.[2]

ويجاب عليه: بأنّه في فرض عدم إتيان الجميع إلى آخر الوقت، فكذلك يجب على الجميع أن يأتوا بمتعلّق التكليف بشرط عدم إتيان سائر المكلّفين به في آخر الوقت ولا يصير الوجوب عينيّاً مع وجود مثل هذا الشرط في التكليف. ويُعلم جواب الإشكال الثاني أيضاً ممّا تقدّم في كيفيّة الوجوب المشروط.

فظهر أنّ تقرير المحقّق العراقيّ للواجب الكفائيّ خالٍ عن الإشكال.

 

توجّه خطابين إلى مكلّفين بأغراض مختلفة وعدم إمكان امتثال التكليفين

أنكر المحقّق النائينيّ في الوجوب الكفائي كون تكليف كلّ مكلّف مشروطاً بعدم امتثاله من قبل غيره، وقال في خاتمة البحث: المورد الوحيد الذي يمكن القول فيه باشتراط التكليف بهذا النحو هو فيما إذا كان للتكليفين المتوجّهين إلى مكلّفين ملاكان مستقلان لا يمكن تحصيلهما، فيتزاحمان في مقام فعليّة الخطاب، وكما أنّ التزاحم في مقام فعليّة خطابين لقصور قدرة المكلّف يوجب اشتراط أحد التكليفين بعدم امتثال التكليف الآخر، فكذلك النتيجة في التزاحم في هذا الفرض أيضاً، والمثال عليه هو فرض مكلّفين فاقدين للماء، فيحصلان على الماء في وقت الصلاة بمقدار يتوضّأ به أحدهما فقط، وفي هذه الحالة يكون إلزام كلّ منهما بحيازة الماء مشروطاً بعدم حيازة الآخر له، فإذا تركا الوضوء فالعقاب موجّه لكليهما.[3]

ولكن يرد على هذه الدعوى أنّه على الرغم من خلوّ الفرض من إشكال من جهة مشروطيّة التكليف، إلا أنّه يختلف عن اشتراط التكليف في الواجبات الكفائيّة بأنّ اشتراط التكليف فيها يعود إلى مقام الجعل ويحتاج إلى بيان شرعيّ، بينما يکون الحاکم في هذا الفرض باشتراط فعليّة تكليف كلّ مكلّف بعدم امتثال التكليف من قبل غيره هو العقل؛ إذ بامتثال التكليف من قبل أحد المكلّفين لن يقدر غيره على امتثال تكليفه، والقدرة من شروط فعليّة التكليف العامّة.

ثمّ بيّن المحقّق النائينيّ فرعاً مرتبطاً بالمثال المذكور في كلامه السابق وقال: المكلّفان اللذان تيمّما لفقد الماء، إذا حصلا على ماء يكفي لتوضّؤ أحدهما فقط، فهل يؤدّي ذلك إلى بطلان تيمّم الاثنين، أم لا يبطل تيمّم أيّ منهما، أم يبطل أحد التيمّمين على نحو البدليّة؟

وأجاب بأنّ في المسألة ثلاثة مطالب: 1 ـ الأمر بالوضوء، 2 ـ الأمر بحيازة الماء، 3 ـ القدرة على حيازة الماء.

فالأمر بالوضوء مترتّب على الحيازة خارجاً وكون الماء تحت تصّرف المكلّف، والأمر بالحيازة مشروط بعدم سبق المكلّف الآخر إلى حيازة الماء، ولكنّ القدرة على الحيازة فعليّة بالنسبة إليهما، لأنّ شحّ الماء عن وضوء الاثنين لا يؤدّي إلا إلى تحقّق التزاحم في مقام فعليّة حيازتهما في الخارج، ولا تزاحم في فعليّة قدرتهما على الحيازة، وبما أنّ بطلان التيمّم في لسان الأدلّة مترتّب على حصول الماء المتحقّق حال القدرة على الحيازة لا على الأمر بالوضوء، فالتيمّمان باطلان ومعلوم أنّ تزاحم الحكمين في ناحية الوضوء لا يؤدّي إلى تزاحمهما في ناحية الحكم ببطلان التيمّمين.[4]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo