< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب الکفائي / تعريف المسألة / جواب السيّد الروحاني عن إشکال السيّد الخوئيّ

 

أشكل السيّد الخوئيّ على دعوى الميرزا النائينيّ من فساد تيمّم کلا المتيمّمين بعد وجدان الماء الکافي لوضوء أحدهما فقط فقال: ما ذكره الميرزا النائينيّ إنّما يصحّ إذا لم يتنازع المكلّفان على حيازة الماء؛ لأنّ قدرة كلّ منهما لا تواجه مانعاً في هذا الفرض. وأمّا إذا تنازعا وتساوت قدرتهما على حيازة الماء ولم يتمكّن أيّ منهما من حيازته، فلا يبطل تيمّم أيّ منهما؛ إذ الفرض هو عدم قدرة أحد منهما على الحيازة، وأمّا إذا تغلّب أحدهما على الآخر، فيبطل تيمّمه خاصّة.

ثمّ قال: ومن العجيب أنّ الميرزا النائينيّ فرّق بين وجوب الوضوء وبطلان التيمّم، بينما موضوعهما واحد وهو تحصيل الماء، والأمران غير منفكّين عن بعضهما.[1]

وأجاب السيّد الروحاني على إشكال السيد الخوئيّ بأنّه لا وجه للملازمة بين بطلان التيمّم والأمر بالوضوء، إذ على الرغم من كون موضوعهما تحصيل الماء ولكن بطلان التيمّم وحده متوقّف على تحصيل الماء، وبتحقّق موضوعه يبطل التيمّم، بينما الأمر بالوضوء متوقّف على عدم المانع من الوضوء، وبالنتيجة يتطلّب توجّه التكليف للمكلّف أن يكون الأمر مشروطاً بعدم إتيان مكلّف آخر للوضوء. فالحقّ في المسألة ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ وعلى كلّ يبطل تيمّم الاثنين عند تحصيل الماء، ولكن لا علاقة للأمر بالحيازة ـ الوارد في كلمات المحقّق النائينيّ ـ بهذه المسألة، لأنّ حيازة الماء ليست من شروط الوضوء وإنّما هي مقدّمة من مقدّماته الوجوديّة، والأمر بها مقدّمي.[2]

أقول: لا يمكن الالتزام بمقالة السيّد الروحاني، لأنّ المراد من تحصيل الماء المؤدّي إلى بطلان التيمّم هو الإمكان الفعليّ لاستعماله في الوضوء للمكلّف، وإلا فلو وجد الماء ولكنّ المكلّف كان عطشاناً بحيث كان تحمّل العطش حرجيّاً له واحتاج لرفع العطش إلى شرب الماء، فلا يمكن القول ببطلان التيمّم بمجرّد وجود الماء.

والحاصل فيما نحن فيه أنّه إذا لم يتوفّر للمكلّف إمكان فعليّ للوضوء لتقدّم مكلّف آخر في الاستعمال للوضوء، فلا يمكن القول ببطلان تيمّمه.

فالحقّ ما ذهب إليه السيد الخوئيّ من التفصيل في المسألة، على الرغم من أنّه لا يلزم في عدم بطلان تيمّم أحدهما أن يتنازعا على حيازة الماء، حيث لو ترك أحدهما الماء لاستعمال الآخر فتيمّمه لا يبطل وإن كان قادراً على الحيازة والتغلّب على الآخر.

فإن قيل: على المكلّف أن يمتثل التكليف المتوجّه إليه ـ أي الوضوء ـ ولا يحقّ له أن يسلب نفسه القدرة بإعطاء الماء للآخر.

فالجواب: أنّ المراد من القدرة على التكليف التي تشترط في فعليّته، هي القدرة العرفيّة، فإذا لم يستنكر العقلاء فعلاً أو ترك فعل ولم يعتبروه من مصاديق سلب القدرة أو عدم تحصيل القدرة على التكليف من غير مبرّر، فلا إشكال في ذلك الفعل أو في سلب القدرة من خلاله أو من خلال عدم تحصيل القدرة بترك الفعل؛ لأنّ الدليل الرئيسيّ على توجّه العقاب حال ترك تحصيل القدرة على التكليف أو سلب القدرة عليه، هو القاعدة العقلائيّة القائلة بأنّ «الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار»، وإذا وجد مبرّر عقلائيّ لم تجر القاعدة.

ثمّ إنّ السيّد الروحانيّ طرح إشكالاً آخر على دعوى المحقّق النائيني وأجاب عليه حيث قال في بيان الإشكال: قد يشكل على الميرزا النائيني بأنّه قال في خصوص من بذل مالاً لشخص غير معيّن من جماعة للحجّ ولم يكف المال إلا كلفة حجّ واحد بعدم وجوب الحجّ على أيّ منهم، على الرغم من صدق الاستطاعة في حقّهم جميعاً، كما هو حال تحصيل الماء فيما نحن فيه حيث يصدق على كل من تيمّم.

ثمّ أجاب على الإشكال بأنّه قد تكون نتيجة مبنى الميرزا النائينيّ في الاستطاعة هو التفريق بين المسألتين، حيث لا يكفي في تحقّق الاستطاعة لأيّ منهم إباحة المال بالنحو المذكور وإنّما تتوقّف الاستطاعة على الاستيلاء على المال وتطبيق الجامع على نفس المكلّف، وبما أنّ معنى ذلك هو تحصيل الاستطاعة فهو غير واجب على أيّ واحد منهم.

وبعبارة أُخرى فالمشروط في بطلان التيمّم هو مطلق القدرة على الوضوء، بينما المشروط في تحقّق الاستطاعة هو الاستيلاء على الزاد والراحلة أو ملكيّتهما، وهما لا يحصلان بإباحة المال للجماعة ما لم يستول أحدهم على المال بالفعل ولم يطبّق الجامع على نفسه.[3]

لكنّ الفرق المذكور ليس فارقاً، إذ تقدّم في بحث التيمّم أنّ مجرّد وجود المقتضي للوضوء غير كافٍ لتحقّق الاستيلاء على الماء، بل ينبغي وجود الشرط في تحقّقه.

فيمكن في جواب هذا الإشکال أن نقول بأنّ تحصيل الشرط واجب في مبحث التيمّم ـ مثل ما إذا لم ير العرف محذوراً من تحصيل الشرط ـ بينما لا يكون تحصيل الشرط لحصول الاستطاعة واجباً على أيّ حال.

وبعبارة أُخرى فالفرق بين مسألة الوضوء ومسألة الحجّ هو من باب الفرق بين شرط الواجب وشرط الوجوب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo