< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي / إجتماع الامر و النهي / مدعی السيّد الروحاني و الإشکال فيه

 

ادّعى السيد الروحانيّ أنّ المنافاة بين الحكمين في مقام التزاحم كالتعارض يسري إلى عالم الجعل، إذ الأساس في دعوى عدم تعارض الدليلين بسبب تزاحمهما أنّ امتثال كلّ من الحكمين في مقام التزاحم يؤدّي إلى رفع موضوع الحكم الآخر، وبما أنّ الحكم لم يكن ناظراً إلى موضوعه ولا دلالة فيه على وجوب حفظ موضوعه وإبقائه، فلا تعارض بين الحكمين من حيث الدلالة والملاك.

بينما لا وجه لهذه الدعوى، حيث لا تدلّ عليه آية ولا رواية، وللحكم أن يدلّ على وجوب حفظ موضوعه، فمثلاً وجوب الوضوء ناظر إلى حفظ الماء للوضوء أيضاً، بينما من المعلوم أنّ موضوع الوضوء هو الماء.

ولو سلّمنا بأنّ القاعدة الكلّيّة هي أن لا ينظر الحكم إلى وجوب حفظ موضوعه، فما نحن فيه مستثنىً من القاعدة، لأنّ كلاً من الحكمين في مقام التزاحم يقتضي صرف القدرة في متعلّقه، فيمنع قهراً من صرف القدرة ـ المفروض أنّها واحدة ـ في متعلّق الحكم الآخر، والنتيجة أنّه ناظر إلى حفظ موضوعه. والحاصل أنّ نظر الحكم إلى حفظ موضوعه في مقام التزاحم إنّما هو من حيث اقتضائه للدعوة إلى متعلّقه، وهو من لوازم كلّ حكم.

ومن جهة أُخرى فإنّ التكليف بغير المقدور مستحيل بنفسه لا أن يكون محذوراً من باب اللغويّة، لأنّ حقيقة الحكم بحيث ينبغي إمكان ترتّب الداعويّة عليه، وإذا لم توجد القدرة، فداعويّة الأمر غير موجودة.

فإذن لا يمكن جعل حكمين لا يقدر المكلّف على امتثالهما وكلّ منهما ناظر إلى لزوم حفظ القدرة على موضوعه.

بل حتّى لو سلّمنا أنّ امتناع التكليف بغير المقدور هو بسبب اللغويّة لا امتناعه النفسيّ، فالمحذور يسري أيضاً إلى عالم الجعل، إذ من اللغو أن يثبت حكمان على متعلّقيهما فيما لا يقدر المكلّف على امتثالهما معاً.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون إنشاؤهما بدليل عامّ ـ مثل «أنقذ كلّ غريق ولا تغصب» ـ أو بدليلين خاصّين ـ مثل «أنقذ هذا الغريق ولا تغصب هذا المكان» ـ إذ لو سلّمنا أنّ جعل الحكمين المذكورين مستحيل بنفسه أو بسبب اللغويّة، فسيمتنع ويلغو أيضاً شمول الدليل العامّ لمورد التزاحم.[1]

ولكن يرد على هذا الكلام إشكالات عديدة، منها:

1 ـ إنّ عدم إمكان داعويّة الحكم لموضوعه يقوم على أساس عقليّ، فلا يحتاج إلى دلالة آية أو رواية، لأنّ الموضوع مقدّم رتبة على حكم الواقع، ومعلوم أنّ ثبوت الحكم إنّما يمكن في فرض تحقّق الموضوع، وبعد ثبوت الحكم إذا أُريد أن يدلّ على وجوب حفظ موضوعه، فيلزم منه طلب الحاصل، وإذا دلّ على ذلك قبل ثبوته، فيلزم منه أن يكون للمعدوم أثر، وكلاهما مستحيلان.

ويُعلم بالنظر إلى ذلك إشكال دعوى استثناء باب التزاحم من القاعدة، لأنّ الحكم العقليّ لا يستثنى منه شيء.

2 ـ ليس الماء موضوعاً للوضوء وإنّما هو الشيء الذي يتأتّى به الغَسل والمسح في الوضوء، كما لو أمر المولى عبده بأن يسير مسافة مشياً فالرِجل لا تكون موضوعاً للأمر وإنّما أداة يتوقّف امثتال أمر المولى على استخدام العبد لها. فوجوب تحصيل الماء للوضوء أو حفظه ناشئ عن أمر مقدّميّ عقليّ لا عن الأمر بالوضوء، وقد تقدّم تفصيله في مقدّمة الواجب، ولا دلالة لدليل الوضوء على أكثر من وجوب نفس الوضوء.

والحقيقة أنّ الذي ذكره في خصوص موضوعيّة الماء للوضوء، إنّما نشأ عن ما يُتوهّم من أنّ جميع القضايا الإنشائيّة تشتمل على الموضوع فضلاً عن المتعلّق، وليست كذلك، لأنّ الموضوع هو ما يکون مفروضاً وجوده في القضيّة ويتعلّق الحكم بالمتعلّق في فرض وجوده، وليست جميع القضايا ـ بغضّ النظر عمّا قاله المحقّق النائينيّ بأنّ المكلّف موضوع لجميع القضايا الشرعيّة ـ مشتملةً على أمر مفروض بالضرورة حتّى يدّعى أنّ القضايا الإنشائيّة تشتمل على الموضوع دائماً، فإذن لا موضوع في أمر شرعيّ مثل «صلّ» وإنّما الوجوب قد تعلّق بمتعلّقه من دون وجود أيّ أمر مفروض.

فالشيء الذي يتوقّف امتثال الأمر على استخدامه، إن كان مفروضاً وجوده في الدليل، فهو موضوع الحكم، ولا دليل على وجوب تحصيله، وإن لم يكن كذلك فليس موضوعاً للحكم، وتحصيله متعلّق للأمر المقدّمي العقليّ.

وهناك تكملة للإشكالات الواردة على كلام السيد الروحانيّ ممّا سنذكره في الجلسة اللاحقة إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo