< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي/إجتماع الأمر و النهي/بيان المحقّق الخراساني في توجيه العبادات المكروهة من القسم الثاني

 

قال المحقّق الخراساني في توجيه العبادات المكروهة من القسم الثاني من تقسيمه: من الممكن توجيه هذا القسم أيضاً كما تقدّم في القسم الأوّل.

على أنّه يمكن توجيه هذا القسم ببيان آخر أيضاً وهو أنّ الطبيعة ـ كالصلاة ـ التي تقع متعلّقاً للأمر العباديّ، فهي واجدة لبعض المصلحة بمعزل عن الخصائص التي تشخّصت بها في الخارج، ولكن قد يؤدّي تشخّصها ببعض الخصائص ـ كالوقوع في الحمام ـ إلى نقصان في المصلحة بسبب عدم ملائمة تلك الخصائص مع تلك الطبيعة حتّى وإن لم تكن تلك الخصوصية منقصة بنفسها، بل ربّما كانت ذات مصلحة، كما أنّ تشخّص تلك الطبيعة بخصائص أُخرى قد يسبّب زيادة في مصلحتها كالصلاة في المسجد.

فما يقال من أنّ كراهة العبادة تعني أنّها أقلّ ثواباً فهو ناشئ عن ذلك، بمعنى أنّ بعض الخصائص تسبّب زيادة ثواب العبادة عن المقدار الذي يمكن ترتّبه على طبيعة العبادة من دون ملاحظة الخصائص، وبعضها قد يسبّب قلّة الثواب عن ذلك المقدار. فالزيادة والنقصان المذكورين إنّما يحصلان قياساً إلى طبيعة العبادة لا مع سائر العبادات حتّى يقال: في هذه الحالة، تكون جميع أفراد العبادة مكروهة بالقياس إلى فردها الأعلى.

والنهي في هذا القسم إرشاديّ فحسب، بينما كان في القسم الأوّل مولويّاً، مع أنّا قلنا بأنّ القول بإرشاديّته هناك أيضاً وجيه.[1]

هذا؛ وقد أشكل المحقّق الاصفهاني على هذه الدعوى قائلاً: يشكل الالتزام بأنّ المصلحة الموجودة في الطبيعة تتضاءل بالتشخّص ببعض الخصائص، لأنّ تراجع الملاك اللزوميّ عن حدّ اللزوم يوجب سقوط الوجوب، وبقاؤه في مستوى اللزوم يوجب استحقاق الثواب نفسه الذي يترتّب على الطبيعة بواسطة اشتمالها على الملاك اللزوميّ.

غير أنّ الالتزام بأنّ لطبيعة الصلاة مصلحة قائمة بتلك الطبيعة التي هي الملاك الملزم، وأنّ الخصائص التي تلازمها دائماً في الخارج هي بنفسها ذات مصلحة أيضاً، وأنّ هذه المصلحة الثانية هي التي تزداد تارة وتقلّ أُخرى وتبقى المصلحة الأُولى على حدّ ذاتها دائماً، والثواب يحتسب باعتبار مجموع المصلحتين فيمكنه أن يزداد أو يقلّ بواسطة زيادة أو نقصان المصلحة الثانية، فهذا الالتزام وإن كان يرفع المحذور المتقدّم، غير أنّه فضلاً عن عدم تناسبه مع ظاهر عبارة المحقّق الخراسانيّ، فهو يفتقر إلى دليل غير ضيق الخناق في توجيه هذا القسم من العبادات المكروهة.[2] [3]

بل يمكن الإشكال على التوجيه المذكور في کلمات المحقّق الإصفهاني بأنّه بناءً عليه يعود الإشكال الذي أراد المحقّق الآخوند دفعه في كلماته، إذ لن يكون هناك ملاك واحد في لحاظ استحباب جميع أفراد العبادة وكراهتها ويكون كلّ فرد من أفراد العبادة مكروهاً بالنسبة إلى الفرد الأعلى منه، ومستحبّاً بالنسبة إلى الأدنى منه، بينما حاول المحقّق الآخوند أن يدفع مثل هذا الإشكال بتوحيد ملاك استحباب أفراد العبادة وكراهتها.

ولكن من الممكن أن نلتزم بما ذكره الآخوند ودفع إشکال المحقّق الاصفهانيّ عنه بأنّ كون الملاك لزوميّاً لا يعني أنّ مصلحته في أقلّ مراتب اللزوم لا أكثر، ولذلك يمكن قياس العبادات الواجبة بعضها ببعض وترجيح أحدها على الآخر من حيث الملاك في مقام التزاحم، مع أن كلّها ذوات مصالح لزوميّة.

وعليه فإنّ تضاؤل مصلحة العبادة من خلال تشخّصها الخارجي بخصائص غير ملائمة لها، وإن كان يؤدّي إلى قلّة مصلحتها ولكن لا يؤدّي إلى تنازله عن حدّ اللزوم. نعم، ليس من الصحيح أن يدّعى أنّ بقاء مصلحة العبادة في حدّ اللزوم يوجب بقاء ثوابها بنفس مقدار المصلحة اللزوميّة، إذ المصلحة اللزوميّة ذات مراتب وكلّ مرتبة منها ذات ثواب يختلف عن ثواب غيرها من المراتب، كما يختلف ثواب العبادات المختلفة على الرغم من كونها لزوميّة.

وأمّا السبب الذي دعى المحقّق الخراساني إلى أن يعتبر النهي حسب هذا التوجيه إرشاديّاً فقط فهو أنّه بناءً على تسبّب النهي عن قلّة المصلحة لا عن وجود المفسدة، فلن تكون فيه زاجريّة، فلا يمكن أن يكون مولويّاً.

غير أنّه وإن أمكن ثبوتاً اعتبار هذا التوجيه ـ بالإضافة إلی ما سبق منّا من أنّ المفسدة إنّما تكمن في الملازمة بين فرد خاصّ من العبادة وملازماتها الخارجيّة توجيهاً لكلا القسمين الأوّل والثاني من العبادات التي سبق ذكرها في كلمات المحقّق الآخوند وقلنا بعدم الفرق بينهما عندنا ولكن يشكل إثباتاً بأنّه خلاف ظواهر ما يكون النهي فيه مولويّاً من الأدلّة.

إن قلت: هلا قلتم بأنّ التوجيه لا معنی له سوی رفع اليد عن الظواهر؟

قلت: نعم، ولکنّه فيما إذا لم يکن هناك توجيه آخر أقلّ محذوراً منه من حيث رفع اليد عن ظاهر الدليل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo