< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي / إجتماع الأمر و النهي / إستدلال السيّد الخميني على جواز اجتماع الأمر والنهي

 

قال السيّد الخميني في تكملة استدلاله على جواز اجتماع الأمر والنهي: ودعوى استلزام ذلك أن يكون الفعل الواحد محبوباً ومبغوضاً، فيجاب عليه بأنّه لا محذور منه، لأنّ المحبوبيّة والمبغوضيّة ليستا مثل البياض والسواد من الصفات القائمة بالموضوع الخارجيّ حتّى يمتنع اجتماعهما في شيء واحد، وإنّما هما من الصفات الانتزاعيّة التي تنتزع من منشأ الحبّ والبغض القائمين بالنفس، المتعلّقين بصورة من الطبيعة الموجودة في النفس، لأنّ الحبّ والبغض من الصفات النفسانيّة التي تحتاج في تشخّصها وتحقّقها إلى متعلّق، ولا يكون متعلّق الأمر النفسانيّ خارج صقع النفس، بل يجب أن يكون متعلّقهما حاضراً في النفس بذاته. ولكن بما أنّ صورة الطبيعة النفسانيّة هي وجه وعنوان للخارج، فإنّ المحبوبيّة تُنسب إلى الأمر الخارجيّ.

ويؤيّد ذلك أنّ المحبوبيّة تتعلّق أحياناً بشيء غير موجود في الخارج، بينما لو كان مناط الانتساب هو قيام الصفة الخارجيّة بالموضوع، لامتنع تعلّق المحبوبيّة بمثل هذا الشيء.

إذن للشيء الخارجيّ الواحد أن يكون محبوباً تحت عنوان ومبغوضاً تحت عنوان آخر.

وأمّا ما يقال من أنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يشتمل على مصلحة ملزمة ومفسدة ملزمة في وقت واحد، فهذا لا محذور منه، لأنّ المصلحة والمفسدة لا يجب أن يكونا من الأعراض الخارجيّة القائمة بفعل المكلّف ـ فالتصرّف في مال الغير من دون إذنه ظلم وقبيح وذو مفسدة، من دون أن تكون هذه العناوين أوصافاً خارجيّة قائمة بالموضوع، كما أنّ الخضوع لله تعالى حسن وذو مصلحة من دون أن يكون أيّ من هذه العناوين من الأعراض الخارجيّة ـ فهذه الأُمور وما يقابلها وجوه واعتبارات يجوز للشيء الواحد أن يتّصف بها. كالمسح على رأس اليتيم في ملك مغصوب، فإنّه ذو مصلحة من حيث الترحّم عليه وذو مفسدة من حيث التصرّف في ملك الآخرين.

وممّا ذكرنا يُعلم أنّ الشيء الواحد يجوز أن يكون مقرّباً ومبعّداً، لأنّ المبعّديّة والمقرّبيّة من الوجوه والاعتبارات التي يجوز الجمع بينها في شيء واحد من جهات مختلفة. إذن التحرّك في الأرض المغصوبة من حيث كونه مصداقاً للصلاة فهو مقرّب، ومن حيث كونه مصداقاً للغصب فهو مبعّد.[1]

أقول: ما ذكره السيّد الخمينيّ في الاستدلال على جواز اجتماع الأمر والنهي صحيح يمكن الالتزام به على كلّيّته، ويمكن بيانه بنحو آخر بأنّه كما تقدّم في نقد المقدّمة الثانية للمحقّق الخراساني، فالأحكام وإن تعلّقت بالطبائع بوجوداتها الخارجيّة، غير أنّ ذلك لا يلزم منه أن تكون جميع الجهات التي يشتمل الشيء الخارجي من جهتها على المصلحة والمفسدة دخيلةً في جعل الحكم، وإنّما يلحظ في جعل الحكم المصالح والمفاسد الموجودة في ذلك الشيء من حيث انطباق العنوان المأخوذ في متعلّق الحكم عليه فقط. ولذلك قد تنطبق عدّة عناوين على الشيء الخارجيّ ويكون الشيء من جهة كلّ من هذه العناوين مصداقاً لمتعلّق حكم مستقلّ، من دون أن يؤثّر انطباق عنوان آخر عليه في كونه مصداقاً لمتعلّق الحكم الأوّل.

ومن جهة أُخرى فكما تقدّم في كلمات السيّد الخميني فالإطلاق بمعنی رفض القيود لا جمعها، فإذا أُمر بالصلاة بنحو الإطلاق في قضيّة، فمعنى ذلك أنّه لم يلحظ عند جعل وجوب الصلاة كون المكان مغصوباً أو مباحاً، كما أنّ إطلاق النهي عن الغصب يعني أنّه لم يلحظ حين جعله أن يكون الغصب بواسطة فعل صلاتيّ أم غيره.

والنتيجة أنّ إطلاق الأمر بالصلاة وكذا إطلاق النهي عن الغصب يشملان الصلاة في مكان مغصوب، وهذا لا يؤدّي إلى التعارض بين الدليلين، لأنّ هذه الخصوصيّات لم تكن ملحوظة حين الجعل، وإنّما الملحوظ في جعل الوجوب ليس إلا المصلحة الصلاتيّة کما أنّ الملحوظ في جعل تحريم الغصب ليس إلا مفسدة الغصب.

وغاية ما قد يشكل على هذا البيان أنّ المصداق الواحد كيف يجوز أن يكون محبوباً ومبغوضاً للمولى في نفس الوقت، ويتّضح الجواب ممّا تقدّم في كلمات السيّد الخمينيّ.

غير أنّه لا يمكن الالتزام بما ذكره في إمكان مقرّبيّة الفعل ومبعّديّته معاً، وسيأتي بيان إشكاله في الجلسة القادمة إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo