< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/10/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / المطالب التمهيديّة - المطلب الاوّل و المطلب الثانيّ

 

اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه

 

إنّ المسألة التي نريد الإجابة عليها في هذا البحث هي أنّه إذا تطرّق الفساد إلى عمل ـ سواء كان من العبادات أو المعاملات ـ فهل يسبّب ذلك فساد العمل أم لا؟

وقبل طرح أصل البحث، سنطرح تبعاً للمحقّق الخراسانيّ مطالب تمهيديّة مقدّمة له إن شاء الله.

المطالب التمهيديّة

المطلب الأوّل: الفرق بين هذه المسألة ومسألة اجتماع الأمر والنهي

قد بينّنا في البحث عن اجتماع الأمر والنهي الفرق بينها وبين هذه المسألة التي نريد البحث فيها، وقلنا بأنّهما مختلفتان من حيث إنّ البحث في اجتماع الأمر والنهي صغرويّ، بمعنى أنّه مع التسليم بعدم إمكان اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد نبحث عمّا إذا تسبّب وجود نسبة العموم والخصوص بين متعلّق الأمر والنهي بأنّ يجتمع الأمر والنهي في مادّة اجتماعهما، بينما البحث فيما نحن فيه كبرويّ ومحطّه إلی أنّ النهي إذا تعلّق بعمل، فهل يسبّب ذلك فساد العمل أم لا؟

ولكنّه ـ خلافاً لكلام المحقّق الخراساني ـ لا يعني أنّ مسألة اجتماع الأمر والنهي تعدّ من صغريات مسألة النهي عن العبادات، لأنّ البحث في مسألة النهي عن العبادة ـ كما تقدّم ـ هو أنّ النهي إذا تعلّق بمتعلّقه من الجهة التي تعلّق به الأمر ـ كالأمر بصلاة الجمعة بنحو مطلق والنهي عنه في عصر الغيبة، أو الأمر بالصيام مطلقاً والنهي عنه حال السفر ـ فهل تفسد العبادة التي تعلّق بها النهي في هذه الحالة أم لا؟ بينما البحث في مسألة اجتماع الأمر والنهي عن أنّه إذا تعلّق النهي بشيء من غير الجهة التي تعلّق به الأمر، فهل يمكن اجتماع الأمر والنهي أم لا؟ وإذا قلنا في المسألة الثانية بالامتناع ورجّحنا جانب النهي، فيعني ذلك أنّه إذا تعلّق النهي بشيء من جهة ما، فلا يمكن تعلّق الأمر به ولو من جهة غيرها، وهذا ليس من صغريات المسألة الأُولى، لأنّ الحيثيّة التي تسبّبت بتعلّق النهي بالمتعلّق في هذه المسألة ليست حيثيّته العباديّة.

 

المطلب الثاني: احتساب مسألة اقتضاء النهي عن العمل لفساده من مسائل استلزامات علم الأُصول

الوجه في احتساب مسألة اقتضاء النهي لفساد المنهيّ عنه من جملة مسائل علم الأُصول هو ما تقدّم في المسألة السابقة من أنّ نتيجة هذه المسألة تكون لا بشرط بالنسبة إلى الموضوعات الفقهيّة ـ أي الأُمور التي تقع في الفقه موضوعاً لحكم شرعيّ ـ ومن جهة أُخرى يمكن وقوع نتيجتها في القياس الفقهيّ وصولاً إلى الجعل الشرعيّ، كما لو انتيهنا في هذه المسألة إلى أنّ النهي عن العبادة يقتضي فسادها، فيمكن جعل هذه النتيجة كبرىً لقياس صغراه النهي عن الصوم حال السفر، والحاصل منه فساد الصوم في السفر.

وأمّا الدليل في احتساب هذه المسألة من المسائل العقليّة لعلم الأُصول هو أنّ البحث فيها عن الملازمة العقليّة بين النهي عن العمل وبين فساده، لا عن دلالة اللفظ الذي ورد فيه النهي عن عمل على فساده، ولذلك لا فرق في فساد العمل المنهي عنه أو عدمه بين أن يكون النهي مدلولاً لدليل لفظيّ أو دليل لبّي.

وقد ذكرنا في مبحث اجتماع الأمر والنهي أنّ دليل احتساب المسألة من المسائل العقليّة ليس عدم اختصاص البحث فيها بالأدلة اللفظيّة، لأنّ المسألة المذكورة حتّى لو طرحت في خصوص الأدلة اللفظيّة فالبحث فيها عقليّ لا لفظيّ، بل يمكن أخذ عدم اختصاص المسألة بالأدلة اللفظيّة شاهداً علی أنّ البحث عن اقتضاء النهي لفساد المنهيّ عنه ليس بحثاً لفظيّاً، والدليل على كون البحث عقليّاً هو ما تقدّم نظيره في بيان كون مسألة اجتماع الأمر والنهي عقليّةً، بمعنى أنّ دعوى من ذهب إلى فساد المنهيّ عنه هو أنّ فساد المنهيّ عنه من القضايا غير المستقلات العقليّة.

غير أنّ المحقّق الخراساني قال: إنّ طرح هذه المسألة ضمن المسائل اللفظيّة لعلم الأُصول إنّما كان بسبب أنّ من جملة الأقول في المسألة أنّ النهي عن المعاملات يوجب فسادها، بينما لا يسلّم القائلون بذلك بالملازمة العقليّة بين حرمة المعاملة وفسادها. وهذا لا ينافي أنّه إذا كانت ملازمة عقليّة بين الحرمة والفساد في العبادات فالملازمة غير متوقّفة على بيان الحرمة في دليل لفظيّ، وإذا لم تكن الملازمة العقليّة بينهما في العبادة فالملازمة المذكورة منتفية وإن کانت الحرمة مذكورة في دليل لفظي ، إذ كما يمكن البحث في هذه المسألة عن الملازمة العقليّة فكذلك يمكن البحث عن الملازمة اللفظيّة. إذن البحث فيما نحن فيه يختلف عن مسألة اجتماع الأمر والنهي التي لا مجال فيها لكون المسألة لفظيّة.[1]

فما ذكره في الواقع جواب على ما نقل في المطارح عن الشيخ: «إنّ المسألة لا ينبغي أن تعدّ من مباحث الألفاظ، فإنّ هذه الملازمة على تقدير ثبوتها إنّما هي موجودة بين مفاد النهي المتعلّق بشي‌ء وإن لم يكن ذلك النهي مدلولاً عليه بالصيغة اللفظيّة، وعلى تقدير عدمها إنّما يحكم بانتفائها بين المعنيين.»[2]

فما ذكره المحقّق الخراسانيّ في الإشكال على هذه الدعوى هو أنّ هذه المسألة وخلافاً لمسألة اجتماع الأمر والنهي قيل فيها بوجود الملازمة اللفظيّة بين الحرمة والفساد، فيمكن إذن أن نعتبرها من المسائل اللفظيّة لعلم الأُصول وإن لم يكن ذلك منافياً للبحث فيها عن وجود الملازمة العقليّة بين الحرمة والفساد أو عدمها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo