< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / کون الصحّة والفساد واقعيّين أو مجعولين

 

المطلب السابع: کون الصحّة والفساد واقعيّين أو مجعولين

لا معنى للصحّة والفساد إلا في المركّبات، لأنّ الشيء البسيط في الخارج مردّد بين الوجود والعدم ولا معنى للصحّة والفساد فيه، وتقدّم سابقاً في البحث عن الصحيح والأعمّ أنّ الذي يمكن وقوعه ملاكاً لتقييم التماميّة والنقصان في المركّبات الاعتباريّة هو الغرض المصحّح للاعتبار، بمعنى أنّه إن أمكن للفرد أن يؤمّن الغرض المعتبر من اعتبار المركّب الاعتباريّ، فيمكن عدّه فرداً صحيحاً تامّ الأجزاء والشرائط لتأمين الغرض، وإن لم يؤمّن هذا الغرض، فمعناه أنّ أجزاءه وشروطه قاصرة عن تحصيل الغرض فيكون فرداً فاسداً.

والغرض الذي يريده المعتبِر من اعتبار المركّب ليس إلا ترتّب الأثر عليه، فيُعلم إذن عدم إمكان تماميّة أيّ فرد من أفراد المركّب أو نقصانه إلا بملاحظة الأثر الذي ينبغي ترتّبه على المركّب.

علماً بأنّ مدخليّة الأثر في تماميّة المركّب تكون بنحو دخول التقيّد وخروج القيد، أي أنّ المراد من التامّ أو الصحيح هو ذلك الفرد من المركّب الذي يتحصّل الأثر من اجتماع أجزائه وشروطه، لا أن نعتبر التامّ أجزاءً وشروطاً منضمّةً إلى تأثيرها. وعليه فالصحّة أمر انتزاعيّ ينتزع عن النسبة بين أجزاء وشروط فرد من أفراد المركّب والأثر الذي ينبغي ترتّبه على المركّب، بمعنى أنّه إذا حاز فرد من أفراد المركّب الأجزاء والشروط التي كانت تسبّب ترتّب الأثر عليه، فهو الفرد الصحيح وإلا فهو الفرد الفاسد.

فلا يمكن اعتبار الصحّة بمعنى تماميّة الأجزاء والشروط في حدّ ذاتها، وإنّما تعني الصحّة تماميّة الأجزاء والشروط نسبةً إلى ترتّب الأثر المتوقّع من تلك الأجزاء والشروط، وعلى هذا المعنى، تتقابل الصحّة مع الفساد من باب تقابل الملكة وعدمها.

كما تبيّن أنّ الصحّة والفساد ـ كما قال المحقّق الخراسانيّ[1] ـ وصفان إضافيّان يختلفان باعتبار الآثار التي يمكن ترتّبها على المركّب الاعتباريّ، بمعنى أنّ المركّب قد يكون صحيحاً من حيث أحد آثاره وفاسداً من حيث أثر آخر. وأمّا كون الصحّة والفساد إضافيّان من حيث اختلاف الأنظار فيهما ـ كما ادّعاه المحقّق الخراساني ـ فهو غير صحيح ويقول السيّد الخمينيّ في ردّه: «وأمّا اختلاف الأنظار في صحّة عبادة وعدمها فلا يوجب إضافيّتهما، لأنّ الأنظار طريق إلى تشخيص الواقع، فكلّ يخطئ الآخر.»[2]

وأمّا ما تناوله المحقّق الخراساني هاهنا هو أنّ الصحّة والفساد في العبادات والمعاملات هل هما من الأُمور الواقعيّة، أم كسائر الأحكام الشرعيّة محتاجان إلى جعل شرعيّ، أو ينبغي القول بالتفصيل في المسألة؟

ذهب الآخوند إلى أنّ الصحّة والفساد في العبادات ـ حسب كيفيّة تعريفهما ـ قد يكونان من الأُمور الواقعيّة أو المجعولة، وأمّا في المعاملات الكلّية، فالصحّة والفساد من الأُمور المجعولة وفي المعاملات الشخصيّة فهما من الأُمور الواقعيّة.

وقال في بيان دعواه: إنّ الأوامر الشرعيّة العباديّة ـ سواءً كانت من قسم الأحكام الواقعيّة الأوّليّة أو من الأحكام الواقعيّة الثانويّة أو من الأحكام الظاهريّة ـ إذا وقع الأثر المتوقّع منها ـ سواءً اعتبرنا الأثر سقوط الأمر كما يقول به الفقهاء، أو موافقة الأمر أو الشريعة ممّا يسبّب استحقاق الثواب عقلاً كما يقول به المتكلّمون ـ فهي صحيحة وإلا تكون فاسدة، وترتّب الأثر عليها أو عدمه لا يحتاج إلى جعل شرعيّ، وإنّما يحتاج إلى موافقة المأتي به للمأمور به. نعم، يکون هناك خلاف في إجزاء الأحكام الواقعيّة الثانوية وكذا الأحكام الظاهريّة عن الأحكام الواقعيّة الأوليّة، ولکن لا إشكال في صحّة العمل بناءً على القول بالإجزاء وفي فساده بناءً على عدمه.

وينبغي الالتفات إلى أنّ الصحّة والفساد أمران انتزاعيّان انتزعا من مطابقة المأتيّ به للمأمور به، وسقوط الإعادة والقضاء من اللوازم العقليّة لهذه المطابقة. لکن إذا اعتبرنا الصحّة بمعنى سقوط الإعادة والقضاء، فلا تكون من الأُمور التي جُعلت بحكم وضعيّ بنفسها أو تبعاً للتكليف ولا من الأُمور الانتزاعيّة، وإنّما تکون من المستقلات العقليّة، وكما أنّ العقل يحكم استقلالاً باستحقاق الثواب حال مطابقة المأتيّ به للمأمور به، فكذلك يحكم بالصحّة بهذا المعنى أيضاً.

هذا على الرغم من أنّه فيما لم يوافق المأتيّ به الحكم الأوّلي الواقعي وحكم الشارع بسقوط القضاء والإعادة ـ مع وجود المقتضي لثبوتهما ـ من باب التخفيف والامتنان على العباد، فيمكن القول فيها بأنّ الصحّة من المجعولات الشرعيّة، كما أنّ للشارع في بعض الموارد الحكم بثبوت القضاء أو الإعادة أيضاً حيث يكون الفساد في هذه الموارد من المجعولات الشرعيّة.

ثمّ إنّ ما تقدّم كان في خصوص صحّة كليّ العبادة وفساده، وأمّا صحّة خصوص المأتيّ به أو فساده فلا يمكن أن يكون أمراً مجعولاً وإنّما هو من الأُمور الانتزاعيّة التي تنتزع من مطابقة أو عدم مطابقة المأتيّ به لكليّ العبادة التي يحكم الشارع بصحّتها أو فسادها.[3]

وسنستعرض تكلمة مقالة المحقّق الخراساني في الجلسة القادمة إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo