الأستاذ الشیخ سامر عبید
بحث الفقه
41/02/02
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع: الاجتهاد و التقليد/ مسائل في الاجتهاد و التقليد / الإشكال الثاني للفاضل اللنكراني (قدّه)
الإشكال الثاني :
أنّه ناشئ من عدم حمل العبارة على ما هو مقصود الماتن (قدّه) ، فإنّ الظاهر أنّ تعلّق الوجوب في جميع الأمور الثلاثة إنّما هو العمل ، يعني أنّ المكلف يجب عليه في مقام العمل إمّا أن يعمل على طبق اجتهاده أو تقليده ، أو يراعي الاحتياط في المقام .
وعليه : فالتكليف بين هذه الأمور من جهة كون الاحتياط عنواناً لنفس العمل وكذا التقليد على مختاره ، والاجتهاد طريق لمعرفة الأحكام ولا يكون عنواناً لنفس العمل ممّا لا وجه له من جهة ما هو المقصود من العبارة ، بل لا محيص عن الحمل على العمل ، ضرورة أنّ العقل الحاكم بالوجوب لا يحكم بكفاية الاجتهاد بمجرده ؛ لعدم تأثيره كذلك في امتثال التكاليف المعلومة بالإجمال ، بل المؤثر إنّما هو العمل على طبق الاجتهاد ، فلا مناص من حمل العبارة على العمل ، وإن كان الجمود على الظاهر يأباه كما هو ظاهر .
ويرد عليه :أنّه لا ينبغي التشكيك في أنّ الوجوب المتعلّق بالاجتهاد ليس لأجل العمل ، لأنّ الاجتهاد في حدّ نفسه ليس حقيقة في العمل ، وإنّما هو طريق لمعرفة الأحكام الشرعية ، نعم بعد المعرفة لا بدّ وأن يترتب العمل على طبقها ، ولكن هذا بملاك آخر مترتب على تحقق المعرفة ، وبعبارة أخرى وجوب العمل بالشريعة لا يقتضي بذاته وجوب تعلم الأحكام الشرعية إلاّ بالوجوب الغيري لا النفسي فلا يمكن والحال هذا أن نعتبر الوجوب المتعلّق به بلحاظ العمل بلا ريب .
والصحيح في الإشكال على المحقق الخوئي (قدّه) أن نقول : يمكننا أن نختار الوجوب الغيري المقدمي فتنحلّ المشكلة ، فإنّ الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط إنّما تجب لأجل إبراء الذمّة عن غائلة التكليف ، فإنّ المكلف يعلم بانشغال ذمّته بالتكاليف الإلهية ، ويجب عليه امتثالها والقيام بها ، و لا طريق له في عصر الغيبة إلاّ سلوك أحد هذه الطرق الثلاثة فتصبح واجبة بالوجوب الغيري .
وما ذكره (قدّه) من أنّه لا يُتصوّر له معنى في المقام ؛ لأنّ شيئاً من الأمور الثلاثة لا يكون مقدمة وجودية لواجب نفسي حتى يتّصف بالوجوب الغيري من قبله مردود ؛ بأنّ الواجب النفسي الذي لأجله اتّصفت هذه البدائل بالوجوب الغيري هو التكاليف والأحكام الأولية ، فهي متّصفة بالوجوب النفسي ، ويترشح منها وجوب غيري لهذه البدائل باعتبار توقف امتثالها ووجودها خارجاً على الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط .
وعليه فما ذكره المحقق الخوئي (قدّه) لا ينفع في إثبات عدم إمكان اتّصافها بالوجوب الشرعي .
النظرية الثانية لاستحالة الوجوب الشرعي للبدائل :
هناك من قال : لو كان الوجوب المتعلّق بأحد هذه البدائل شرعياً للزم الدور المصرّح ؛ لأنّ الوجوب الشرعي من المسائل الفقهية التي يجب فيها أحد هذه البدائل الثلاثة ( الاجتهاد و التقليد و الاحتياط ) فإذا كان وجوب الاجتهاد – مثلاً – شرعياً ، فهذا الوجوب الشرعي يتوقف على ممارسة الاجتهاد ، فيجب لأجل ذلك وبالتالي لزم الدور .
وأُجيب :
بإنّ الضروريات واليقينيات لا تحتاج إلى أيٍّ من هذه الثلاثة ، و الوجوب المفترض المتعلّق بأحد هذه البدائل ضروري فلا يحتاج إلى الاجتهاد وأخويه فلا دور[1]
وبعد هذا فالظاهر أنّه لا مشكلة - من حيث الإمكان - في تعلّق الوجوب الشرعي بأحد هذه البدائل ، هذا كلّه من حيث الثبوت ، وأمّا من حيث الإثبات فهل يمكن إقامة الدليل على الوجوب الشرعي ، قد يتوهم شمول جملة من الأدلّة له ، وينبغي النظر فيها ...