< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الفقه

42/02/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الاجتهاد و التقليد/ علامات بلوغ الذكر العلامة الثالثة : العمر المعين (روايات الثلاثة عشر سنة- الرواية الرابعة)

 

-علامات بلوغ الذكر العلامة الثالثة : العمر المعين (روايات الثلاثة عشر سنة):-الرواية الرابعة :

ما رواه الشيخ بإسناده، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (ع)، قال: " سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟

فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة، وجرى عليها القلم "[1] .

في هذا الدرس نُناقش مُحاولة السيد رضا السيستاني في توثيق أحمد بن محمد بن يحيى العطار، حيث ذكر قرينتين على الوثاقة، وسنقدّم نقاش القرينة الثانية على الأولى لأهمّيتها.

-القرينة الثانية : أنّ أحمد بن محمد بن يحيى لم يكن صاحب كتاب أو أصل، وإلاّ لعنونه الشيخ والنجاشي، لأنّهم ذكروا أصحاب الكتب والأصول ولم يذكروه في ضمنهم، وعليه فإنّ أحمد بن محمد إنّما كان يجيز رواية كتب أبيه ومروياته، فدوره في نقل الأحاديث كان شرفيّاً بحتاً؛ لاتصال السند، وعدم وثاقته لا يضرّ بصحّة الحديث المنقول عن طريقه[2] .

ولنبدأ بنقاش القرينة الثانية، إذ يرد عليه:

-أولاً: أنّ هذا مجرد احتمال لا يمكن أن يبنى عليه صحّة الرجل ووثاقته، لأنّ مجرد عدم ذكره في كتب التصنيف لا يعني أنّه ليس مصنّفاً، لكثرة من تركه الشيخان ممّن لا ريب في تصانيفه، كما يظهر للمتتبع.

وبعبارةٍ أخرى: لا تلازم بين عدم ذكره في المصنفين، وبين كونه مجيزاً لروايات أبيه؛ لاحتمال وجود رواياتٍ له عن أبيه نقلها من حفظه لا من كتب أبيه، فلا تلازم بين كون الراوي ليس صاحب تصانيف وبين عدم الضرر من ذكر اسمه في سلسلة رواة الرواية إذا كان ضعيفاً أو مجهولاً، فقد يكون ذكر اسم الراوي في سند الرواية مضرّ بصحّة سند الرواية مع كونه ليس بصاحب تصانيف، وما ذكره السيد رضا السيستاني حفظه الله يعني تأسيس قاعدة رجالية مفادها أنّ كل راوٍ ذُكر في سند رواية ولم يكن له مصنّفات فجهالته غير مضرّة بصحّة سند الرواية، وهذه القاعدة غير مقبولة بين الرجاليين لما قدّمناه من عدم التلازم بين عدم التصنيف وعدم الضرر بصحّة سند الروا

-ثانياً: على فرض صحّة ما ذكره من كونه مجيز للرواية عن أبيه فقط، فمن المحتمل مع فرض عدم وثاقته أنّه أجاز نقل روايات مكذوبة أو مدسوسة عن كتاب أبيه، ولا مخرج لهذا الاحتمال، فلا تفيد هذه القرينة في نفي الضرر من ذكر اسمه في سند الرواية، فحتّى لو كان دوره الإجازة فقط فهذا يضرّ بصحة السند فيما لو كان غير ثقة.

-الردّ على القرينة الأولى

المشهور بين علمائنا عدم دلالة ترضّي القدماء على وثاقة الراوي، ولكن إذا دققنا في المسألة نجد أنّ ترضّي العلماء القدماء على الرواة له صورتان:

-الصورة الأولى: التقليل من الترضّي على الراوي من قِبَل المشايخ القدماء، كما لو ترضّى الشيخ الصدوق عليه لمرّة أو مرّتين، وهذا لا ريب في عدم دلالته على التوثيق؛ لأنّه يجري في حقّ أيّ أحد، وإن لم يكن عادلاً أو ثقة.

-الصورة الثانية: الإكثار من الترضّي على الراوي من قِبَل المشايخ القدماء، بحيث قلّ ما يذكره أحد المشايخ القدماء بدون الترضي عليه وذلك في مختلف كتبه، كما فعله الشيخ الصدوق في حقّ أبيه أو شيخه ماجيلويه، بل في حقّ أحمد بن محمد بن يحيى العطّار، فقد تتبعت ذكره له في الموارد المختلفة، وفي مجمل كتبه فرأيته قلّ ما يذكره بدون ترضّي عليه أو ترحّم عليه.

والإنصاف: أنّ هذه الكثرة أمارة عدالة أحمد بن محمد، فضلاً عن وثاقته، إذ لا يمكن أن يُقبل من أمثال الصدوق الالتزام شبه التام بالترضّي أو الترحّم على شيخه، وهو في نفسه ضعيف، خصوصاً وأنّه يكتب ذلك في كتبه وينقله إلى الأجيال، وهو يعلم بأنّه إنّما يكتب ويؤلف للأخرين لا لنفسه فقط، أفلا يحتمل هو بأنّه لو كان الراوي الذي ترضّى عليه ضعيفاً في نفسه فإنّه يكون سبباً بالعمل بروايته ونسبة الحكم المستفاد منها إلى الباري، وهذا أشبه بالتدليس المحرّم على كلّ أحد، ولا يُحتمل صدور مثل ذلك من مثل الشيخ الصدوق.

وعليه فنقول على وجه العموم: إنّ كثرة ترضّي المشايخ على الراوي يفيد وثاقته بل جلالة قدره، ليس في حقّ أحمد فقط، بل في حقّ كلّ راوٍ.

إن قلت: لو فُرض ثبوت ضعف الراوي المُترضّى عليه ألا يوجب ذلك سقوط دلالة الترضّي على التوثيق، وبالتالي يلزم سقوط أصل الكبرى، وهو دلالة الترضّي على التوثيق.

قلت: إنّ ذلك يوجب وقوع التعارض بينهما لا سقوط دلالته عليه، فينبغي أن نبحث في أنّ ذلك يستلزم إجمال حال الراوي أو تقديم أيٍّ منهما على الآخر.

وفي محل كلامنا أحمد بن محمد بن يحيى العطّار لم يرد فيه تضعيفٍ من أحد، وما قيل في حقّه -كما ذكرنا- يوجب جهالته فحسب، وبالتالي فالعمل على توثيقه بدافع كثرة ترضّي الصدوق بلا معارض، وبالتالي فالرجل ثقةٌ يمكن الاعتماد على رواياته.

-الراوي الثالث في إسناد الشيخ الطوسي (محمد بن يحيى العطّار)

وهذا الراوي ثقةٌ بلا ريب، ولا خلاف بين الرجاليين في وثاقته وجلالة قدره.


[2] - قبسات من علم الرجال، أبحاث السيد محمد رضا السيستاني، جمعها ونظمّها: السيد محمد البكّاء، دار المؤرخ العربي، ط: 1، بيروت، 1437ه-2016م، ج1، ص184.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo