< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الفقه

42/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الاجتهاد و التقليد/ علامات بلوغ الذكر العلامة الثالثة : العمر المعين (محاولات الجمع بين أخبار تحديد سنّ البلوغ)

-محاولات الجمع بين أخبار تحديد سنّ البلوغ:

هناك محاولات للجمع بين الطائفتين لحلّ مشكلة التعدد في الأخبار، وصلنا إلى المحاولة الخامسة:

-المحاولة الخامسة: وهي ما نحتمله جدّاً، وحاصلها أنّ العمر والسنّ ليس له خصوصية، وليس مورداً لتحديد الأئمة (ع) وإنّما المعتبر هو النضوج الجنسي الذي يصل عنده الذكر إلى القوّة والأشد، هذا يختلف من شخصٍ لآخر، ومن بيّنة لأخرى، ومن مكان إلى مكانٍ آخر، فكان ذكرهم (ع) للسنّ كطريقٍ للكشف عن العلامة الأساسية لتحديد البلوغ، وهو بلوغ النضج الجنسي، ويكون الذكر مورداً لاحتماله ما بين الثلاثة عشر إلى الخامسة عشر، والذي يؤيد هذا الجمع بل يدلّ عليه الآيات التي تتحدث عن ثبوت لوازم البلوغ عند النضوج الجنسي، ولم تذكر سنّاً بعينه، ولا بأس بعرض هذه الآيات ليستبين الحال:

-الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾﴿وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[1] .

حيث أوجبت الآية على الأطفال الذين بلغوا الحلم الاستئذان في الدخول في أي وقتٍ كان كما هو الواجب على الكبار.

وظاهرها، أنّ بلوغ الحُلُم بنفسه هو الموجب للاستئذان، والحُلُم هو الاحتلام، قال في لسان العرب: " الحُلْم: الرؤيا، والجمع أحلام...والحُلُم الاحتلام...والحُلُم والاحتلام: الجماع ونحوه في النوم"[2] .

وظاهر ذلك أنّ (الحُلُم) المذكور في الآية إشارةٌ إلى النضج الجنسي والانتقال من مرحلة الصبوة إلى مرحلة أن يصبح متأثراً بالشهوة وقادراً على الوطء والتلذذ.

قال المقدس الأردبيلي: " المعنى أنّ الأطفال مأذونٌ لهم في الدخول بغير إذنٍ إلاّ في العورات الثلاث، فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثمّ خرجوا من حدّ الطفولية بأن يحتلموا ويبلغوا السنّ الذي يحكم فيها عليهم، وجب أن يفطموا عن تلك العادة، ويُحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات"[3] .

ولا ريب في أنّه لا خصوصية للاحتلام إلاّ من باب أنّه الأغلب في طرق معرفة البالغ، وإلاّ فلو خرج المني منه يقظاناً فالأمر كذلك، إذ لا يظهر من الآية حصر حكم الاستئذان بموضوعية الاحتلام.

ولكن لربّما يقال بأنّ ظاهر الآية اختصاص ذلك بالاستئذان فلا يمكننا التعدّي عنه إلى سائر الأحكام إلاّ إذا كانت شريكة من حيث المقصد، لأنّه من الواضح أنّ النضوج الجنسي عند الأطفال يعني التأثر والالتذاذ بمظاهر الفتنة والشهوة، ولأجل حجبها عنهم وعدم حصول تأثرهم بها أمروا بالاستئذان في كلّ وقتٍ من الأوقات، وهذا لا يقتضي التعدّي عنه إلى سائر الأحكام الشرعية.

لا يقال: إنّ خصوصية المورد لا تخصص الوارد، فهب أنّ الحكم واردٌ في مورد الاستئذان في الدخول، ولكن الوارد وهو حصول التكليف بالاحتلام يبقى على عمومه وشموله لغيره أيضاً.

قلت: هذا لو لم يكن للمورد خصوصية مظنونة التأثر في الحكم الوارد، وأمّا مع ظنّها فالأصل خصوصية الوارد في المورد.

ولكن الذي يهوّن الخطب أنّ الفقهاء لم يفهموا الخصوصية، بل عمّموا الحكم بالاحتلام لغير الاستئذان، بل قد يظهر ذلك من جملة من الأخبار.

-الآية الثالثة: قوله تعالى:﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[4] .

حيث فسّرت جملة من الأخبار الأشدّ بالاحتلام، ففي حسنة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: انقطاع يُتم اليتيم بالاحتلام وهو أشدّه، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليه ماله[5] ، وقد نظرت الرواية إلى قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾[6] ، حيث وردت كلمة الأشدّ فيها أيضاً.

وظاهر هذه الآيات أنّ البلوغ هو النضوج الجنسي الذي به يخرج الإنسان من مرحلة الطفولة والصبوة ويدخل مرحلةً يكون معها في معرض الشهوة والقدرة على النكاح والوطء.

وظاهرها أيضاً أنّ ذلك تمام الموضوع لتحقق البلوغ، فالبلوغ هو النضوج الجنسي في أي عمرٍ تحقق سواء كان بثلاثة عشر أو بأربعة عشر أو بخمسة عشر، وبهذا فيمكن أن نجمع بين الطوائف المختلفة في تحديد سنّ البلوغ بهذا الاعتبار، وهو أنّه لا خصوصية للسنّ في البلوغ، ولهذا فقد اختلفت الأخبار في ذلك وإنّما العبرة بالاحتلام، والأئمة (ع) إنّما ذكروا الأسنان السابقة لأجل أنّها مظنّة الاحتلام لا لأنّها تشكل الموضوعية فيه.

إن قلت: الظاهر من مجموعها إرادة السنّ كعلامة مستقلة لتحقيق البلوغ، ويمكن أن يدّعى تواترها الإجمالي على اعتباره في العلاميّة، ومن البعيد أن يكون السنّ طريقاً للكشف عن البلوغ وهو الاحتلام ثمّ لا يذكر معه.

قلت: ظاهر بعض الأخبار أنّ السنّ كاشفٌ عن الاحتلام لا أنّه علامةٌ مستقلةٌ عليه، فإنّ قوله (ع) في خبر الكناسي: " ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة".

نعم قد يظهر من بعضها كون السنّ علامة مستقلة في قبال علاميّة الاحتلام، كما في قوله (ع): " فإذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة، ودخل في الرابعة عشر وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أم لم يحتلم"، وقوله (ع): " إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم"، فإنّ ظاهر مفهومه أنّه إذا لم يحتلم حتى الثالثة عشر وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، وهو واضح الدلالة على أنّ السنّ علامةٌ مستقلةٌ.

وكيف كان، فما ذكرناه هو المتيقن، وهو تحقق بلوغه في سنّ الثالثة عشرة، إلاّ أنّ مخالفة المشهور شهرةً عظيمة صعبٌ جدّاً، فهل والحال هذه يمكن الرجوع إلى الاحتياط؟ وهل مقتضاه في موافقة المشهور فنحتاط في الفتوى لعدم الوقوع في الجرأة على خلافه؟ أم أنّ مقتضى الاحتياط التقيّد بثلاثة عشر حذراً من مخالفة الأحكام الواقعية لو كانت ثابتة في حقّه قبل الخامسة عشر.

-الظاهر أنّ ها هنا ثلاثة صور للاحتياط:

-الصورة الأولى: الاحتياط على غرض المولى وعدم الوقوع في مخالفته، وهذا يقتضي لزوم تكليفه في سنّ الثالثة عشر.

-الصورة الثانية: الاحتياط حذراً من مخالفة المشهور، فإنّي رأيت الكثير من علمائنا يحتاطون في فتواهم حذراً من مخالفته رأي المشهور، ويكفي النظر في مكاسب شيخنا الأعظم أعلى الله مقامه للوقوف على ذلك.

-الصورة الثالثة: الاحتياط بشأن الصبي، فإنّ مقتضى الرأفة فيه إسقاط التكليف عنه حتى يبلغ الخامسة عشر.

والأرجح الاحتياط في عدم تفويت أحكام الشارع، وهو أولى من الاحتياط في مخالفة المشهور أو ما يقتضيه الرأفة في الصغار.

فالحقّ فتوى واحتياطاً التحديد بسنّ الثالثة عشر.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo