< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الفقه

42/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الاجتهاد و التقليد/ بلوغ الأنثى/ روايات بلوغ الأنثى النمط الأول الطائفة الثانية (الرواية الثانية)

1- -إنّ روايات بلوغ الانثى على نمطين:

-النمط الأول: تحديد البلوغ في الأنثى بسن التسع.

-الطائفة الثانية: الروايات التي ترتب بعض خصائص البلوغ على سنّ التاسعة، وفي هذه الطائفة عدّة أخبار:

-الرواية الأولى: ما رواه الكليني، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن آدم بياع اللؤلؤ، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، وذلك إنّها تحيض لتسع سنين"[1] .

وكيف كان فالرواية موثقةٌ ومن حيث السند مقبولةٌ جدّاً، ولنبحث عن ذيل الرواية، وهي قوله: "وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، وذلك إنّها تحيض لتسع سنين"[2] .

هذه مضافاً إلى أنّ المدار لو كان على الحيض دون السنّ لكان المناسب التعبير عن ذلك بعبارةٍ أخرى: ( وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك إذا حاضت)، فإنّه التعبير المناسب لذلك، وأمّا التعبير المذكور في الرواية فهو ليس تعبيراً عرفياً عن ذلك، بل يفهم منه دخالة السنّ المذكور في البلوغ كما بيّناه([3] ).

وتحليل عبارته هذه ترجع في الحقيقة إلى إشكالين، ولا بأس بإعادة صياغتهما بشكلٍ واضح:

-الإشكال الأول: أنّ تعليل الرواية بلوغ الأنثى بالتسع بالحيض محتملٌ لاحتمالين:

-الأول: أن يراد به الحيض الفعلي، بمعنى أنّ البنت إنّما يحكم عليها بالبلوغ لتسعٍ؛ لأنّها ترى الحيض واقعاً.

-الثاني: أن يراد به الحيض الشأني؛ بمعنى أنّ البنت عندما تبلغ تسعاً فمن شأنها أن تحيض؛ لأنّ هذا السنّ يعبّر عن النضوج الجنسي.

-والفرق بين الاحتمالين: أنّه على الأول يكون تحديد البلوغ بالتسع ليس له موضوعيةٌ، وإنّما هو كاشفٌ – بحسب ذلك الزمان- عن البلوغ الحقيقي وهو الحيض، وبالتالي فمدار بلوغها حيضها، ولو في سنٍّ غير التسع، بينما على الاحتمال الثاني فالعبرة بالتسع بما لها من موضوعية؛ لأنّ أيّ بنتٍ من شأنها البلوغ في هذا السنّ.

ثمّ يقول (دامت بركاته) المراد من التعليل المعنى الثاني؛ أعني الشأنية، لا الفعيلة، وإن كان مقتضى الظهور الأولي هو الأول، ولكن لا يُصار إليه لوجود مانعٍ عنه يُشكّل قرينةً على إرادة المعنى الثاني، وهو أنّه لو كان المراد الفعلية فهذا حملٌ للتعليل على الفرد النادر؛ لأنّ تحقق الحيض فعلاً عند المرآة في سنّ التاسعة نادرٌ جدّاً، فلا يصحّ تعليل كتابة السيئات على المرآة إذا بلغت تسع سنين بأنّها تحيض فعلاً مع أنّها ليست كذلك في معظم الحالات، فلا بدّ من إرادة الشأنية؛ لأنّه المعنى الذي يصدق دائماً أو غالباً على البنت في سنّ التاسعة.

1.0.0.1- -ويرد عليه:

أنّه خلاف الظاهر جدّاً، إذ مقتضى التعليل، "وذلك إنّها تحيض لتسع سنين"، إرادة الفعلية كما يدلّ عليه الفهم العرفي له، والحمل على إرادة الشأنية حملٌ على المعنى المجازي، ولا يُصار إليه إلاّ بالقرينة الصارفة، وما ذكره مّما يوجب استبعاد إرادة المعنى الفعلي إلى الشأني، يمكن أن يُردّ بأنّ البنات في ذلك الزمان يحضن في سنّ التاسعة فعلاً، وكان نظر الإمام (ع) إلى ذلك، فلا معنى لحمل كلامه (ع) على إطلاقه، وممّا يشهد لذلك السؤال عن الدمّ الذي تراه الصبية قبل التسع، وزواجها في هذا العمر ونحو ذلك.

-الإشكال الثاني: وحاصل ما أفاده: أنّ سياق التعبير في الرواية يُظهر أنّ للسنّ دخلٌ في البلوغ، فلو كان مراده (ع) من التعليل جعل التحيّض هو تمام الموضوع في تحققه؛ لكان الأنسب التعبير كالتالي: ( وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك إذا حاضت"، حيث به يمكن جعل المدار على الحيض، وأمّا التعبير المذكور في الرواية فليس تعبيراً عرفياً عن ذلك، بل يُفهم منه دخالة السنّ المذكور في البلوغ.

-أقول: كلّ من يقرأ عبارة الرواية لا يشعر بالارتباك في فهمها وفهم المقصود منها، فلو أقرأنها لأي إنسانٍ عرفي بسيط، وسألناه ماذا تفهم منها لقال: أفهم أنّ البلوغ يتحقق بالتحيّض، وأنّ الأنثى عادةً تحيض بالتسع، ولا يلاحظ أدنى ارتباكٍ أو اضطرابٍ لو حمل الرواية على هذا المعنى.

وعلى هذا فالسنّ له دخلٌ في البلوغ لكن بما هو كاشفٌ عن تحقق الحيض، ولعلّه إنّما ذكر السنّ لبيان أنّ ما تراه المرآة بعد التاسعة هو حيضٌ، وأمّا ما تراه قبل التاسعة فلا يكون حيضاً؛ ولذلك لا يتحقق بلوغها.

وبالجملة:

فلو لم يكن في الرواية إلاّ هذا التردد بين جعل الموضوع بتمامه هو التسع أو خصوص الحيض أو هما معاً، فيكفي للاقتصار على موضوع اليقين، وهو حصول الحيض بعد التاسعة، كما أنّ إجمالها في ذلك يذهب دعوى دلالتها على مراده.

-الرواية الثانية: ما رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجلٍ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: الجارية ابنة كم لا تستصبى؟ أبنت ست أو سبع؟ فقال: لا، ابنة تسع لا تستصبى، وأجمعوا كلّهم على أنّ ابنة تسع لا تستصبى إلاّ أن يكون في عقلها ضعف، وإلاّ فإذا بلغت تسعاً فقد بلغت"[4] .

-وهي من حيث السند: مرسلةٌ لرواية ابن أبي عمير عن رجلٍ، ولكن قد عرفت في الرواية السابقة إمكان الاعتماد على مراسيله.

-وأمّا من حيث الدلالة: فيمكن الاستدلال فيها بفقرتين:

- الأولى: في صدر الرواية، وهي قوله (ع): "ابنة تسع لا تستصبى"، ومعنى ذلك أنّه في عمر التاسعة تخرج عن الصباوة التي هي ملاك رفع القلم عنها، فليست بصبية إذا بلغت تسع سنين، وهذا دليل تكليفها، وهي تامّة الدلالة من هذه الجهة.

-والثانية: في ذيله، حيث قال: "فإذا بلغت تسعاً فقد بلغت"، وهي دالّةٌ بوضوحٍ على أنّ ملاك تحقق البلوغ التسع، بل فيها تأكيدٌ واضحٌ على محورية التسع في البلوغ، ينشأ من تكرار كلمة البلوغ "فإذا بلغت تسعاً فقد بلغت".

-نعم هناك إشكالٌ في فقرة (وأجمعوا كلّهم على أنّ ابنة تسع لا تستصبى"، حيث أنّ هذا السياق لا يرد من الأئمة (ع) في العادة، إذ لم نرَ في كلماتهم (ع) مثل هذا التعبير؛ لأنّ الإمام (ع) ينقل في العادة الأحكام الإلهية الواقعية بعيداً عن اتفاق الناس، ثمّ من الذين يقصدهم بالإجماع، هل مراده الأئمة (ع) أو فقهاء المذهب أو الرواة أو فقهاء العامّة؟ ويخيّل إليّ أن مثل هذا التعبير يساق عادةً للإشارة إلى أنّه (ع) في مقام التقية، وإلاّ فما الذي يؤثر على الحكم الشرعي إذا ما أجمعوا أو اتفقوا، ولكن الذي يحيّر تأكيده (ع) على تحقق البلوغ بالتسع في صدر الرواية وذيلها.

-وكيف كان فدلالتها على مدّعى المشهور تامّة من حيث السند والدلالة.

 


[3] - مقالة بعنوان (سنّ البلوغ عند المرآة) للشيخ هادي آل راضي، مجلة فقه أهل البيت (ع)، العدد:3/81.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo