< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الفقه

42/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الاجتهاد و التقليد/ بلوغ الأنثى/ روايات بلوغ الأنثى النمط الأول الطائفة الثالثة (الرواية الثالثة)

 

-إنّ روايات بلوغ الانثى على نمطين:

 

-النمط الأول: تحديد البلوغ في الأنثى بسن التسع.

 

-الطائفة الخامسة: وهي الطائفة الأخيرة التي ذكروها في النمط الأول، وصلنا إلى الرواية الثالثة:

في (عيون الأخبار)[1] : عن جعفر بن نعيم بن شاذان، عن محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا (عليه السلام)، في حدّ الجارية الصغيرة السنّ الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها، قال: "إذا لم تبلغ استبرئت بشهرٍ، قلت: وإن كانت ابنة سبع سنين أو نحوها مّما لا تحمل؟ فقال: هي صغيرة، ولا يضرّك أن لا تستبرئها، فقلت: ما بينها وبين تسع سنين؟ فقال: نعم، تسع سنين"[2] .

-إنصافاً: هنا في هذه الرواية يمكن الاستدلال على بلوغ البنت بطريقةٍ مميزة؛ فدلالة هذه الرواية دلالةٌ قويةٌ؛ بقرينة المقابلة (جعل مقابل الصغيرة التسع، والصغيرة التي لم تبلغ)، فلمّا سأل السائل عن التسع، قال: نعم: وفي حكم المقابلة ابنة تسع سنين كبيرة، ولا معنى للحكم بكونها كبيرة إلاّ بلوغها؛ فيستفاد منها أنّه تبلغ في التسع سنين؛ فدلالة هذه الرواية قويةٌ.

-أشكلنا: الرواية مروية في كتاب (عيون أخبار الرضا (ع))، عن جعفر بن نعيم بن شاذان، عن محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع.

بالنسبة إلى محمد بن إسماعيل بن بزيع، فلا شكّ في كونه ثقةٌ.وأيضاً الفضل بن شاذان، ثقّةٌ.والمشكلة في جعفر بن نعيم بن شاذان و محمد بن شاذان:

أولاً- جعفر بن نعيم بن شاذان: لم يذكر في كتب الرجال لا بمدحٍ ولا بقدحٍ، ولا يوجد بحقّه إلاّ شيءٌ واحد، وهو أنّ الصدوق (ره) ذكره في كتابه (علل الشرائع) في الباب (56) بقوله: "حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري (رضي الله عنه)"[3] .

-وقد مرّ بنا هذا البحث: أنّ ترضّي القدماء على مشايخهم، هل يفيد التوثيق أو لا؟

-قلنا: كثرة الترضّي لا مفرّ بأنّها تفيد الوثاقة؛ لإصراره على ذكر الترضّي، وأمّا ذكر الترضّي لمرّةٍ واحدةٍ، فهذا المقدار لا يكفي، نعم قد يكشف عن إشمامٍ بحسنه؛ لأنّنا ذكرنا هناك فرقٌ بين أن يقول (رحمه الله) فهي تقال في حقّ كلّ أحدٍ، بشرط أن لا يكون من المستكبرين أو الظالمين؛ الذين يكون الدعاء لهم محاباةٌ للظالم، أمّا مصطلح (رضي الله عنه) قريبٌ من (عليه السلام) فهو مصطلحٌ تخصصي.

- كم أنّه هناك بحثٌ في علم الحديث وسنستعرضه فيما يأتي إن شاء الله، أنّ الخبر الحسن يفتى بمضمونه أو لا؟

 

-هناك مذاهب:

-مذهبٌ بتقديمه على الخبر الموثّق؛ لأنّ رواته إمامييون.

-ومذهبٌ يقول بتقديم الموثّق على الحسن.

-والمشهور بين علمائنا أنّ الخبر الحسن إذا لم يعترضه شيءٌ، أُفتي بمضمونه، وإذا عارضه شيءٌ لا يفتى بمضمونه.

-ومقتضى القاعدة الأولية عدم الحجّية؛ لأنّنا نشكّ في صحّة الخبر الحسن.

ثانياً- محمد بن شاذان: هو مجهولٌ أيضاً، نعم روى رواياتٍ كثيرةٍ عن معجزات كثيرةٍ للإمام صاحب العصر والزمان (عج)، ونقل مشاهدته للإمام (عج)، ولكن كلّ هذه الروايات ضعيفةٌ، فثبوتها غير مسلمٍ به، حتى نسلم بحسن حاله، وقد نقل بعض رواياته الكشّي، ولكن الرجل يبقى مجهول الحال.

-الرواية الرابعة: ما رواه الشيخ الطوسي (قده) بإسناده عن الصّفار، عن موسى بن عمير، عن الحسين بن يوسف، عن نصر، عن محمد بن هاشم، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: "إذا تزوجت البكر بنت تسع سنين فليست مخدوعة"[4] .

-تقريب الاستدلال:أنّ الخداع في اللّغة، إرادة المكروه بالغير بحيث لا يعلم.

قال ابن القيِّم: "والمخادعة: هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخَاِدع"([5] ).

 

و قال الرَّاغب: "الخِدَاع: إنزال الغير عمَّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه"[6] .

وعادةً: يا أخي الخداع يمرّر على الصغار، فالبنت إذا زُوّجت قبل التسع مخدوعة؛ لعدم قدرتها على اكتشاف الخديعة، أمّا إذا كانت بنت تسع، فهي ليست مخدوعة.علمائنا الذين تبحّروا في قضية بلوغ البنت، استعرضوا الدليل دون أن يظهروا طرق الاستدلال، مع أنّ أهمّ ما ينبغي قيام العلماء به أنّ أي دليلٍ سواء كان عقلياً أو لبّياً أو شرعياً أو ... لا بدّ من تقريب استدلاله.ونحن نصرّ على الفقه الحكمي، خصوصاً في القضايا التي تصطدم مع عرف الناس، وقد بيّنا ذلك في كتابنا (التفكير المقاصدي بالمذهب الجعفري)؛ فعلل الأحكام ليست مختصّة بمن يقول بحجّية القياس، فلو تنزلّنا يمكن أن نكتشف الحكمة التي لا يدور الحكم مدارها، و إنّما يدور الحكم عليها.

-لنا ملاحظات في هذه الرواية: هذه الرواية بنظرنا مهملة؛ فما هو مقصوده من مخدوعة؟ هل من الزواج بهذا العمر، أو من حيث كفاءة الزوج، أو أنّ المقصود من ليست مخدوعة من حيث المهر المناسب لشأنها، ومن الذي يخدع؟ ولي أمرها، أو زوجها، ثمّ أين الخداع؟ ...

-أضف إلى ذلك: الرواية ضعيفةٌ بموسى بن عمير، حيث ليس له إلاّ هذه الرواية في كلّ الكتب الأربعة، يروي عنه الصّفار، وهو مهملٌ لم يذكر اسمه في كتب الرجال، ولم يذكر حاله(مجهول)، فقد أهمله الرجال القدماء.

-يحتمل: أن يكون محرّف عن موسى بن عمر، وقد قوّى هذا الاحتمال المحقق الخوئي (قده) في معجم رجال الحديث.

-قلت: قبلت، ولكن الأصل عدم التحريف، حتى نأتي بشاهد.

-موسى بن عمر: بل قال هو الصحيح، ولكن هذا لا يحلّ المشكلة، فهو اسمٌ مشتركٌ بين مجموعةٍ من الرواة أكثرهم مجاهيل، وإذا كان هناك راوٍ مشتركٌ بين مجاهيل يحمل على الغلبة.

-أضف إلى ذلك أنّ الحسن ابن يوسف، مجهولٌ أيضاً.

-إذن الرواية لا هي من حيث المضمون مفهومة، ولا من حيث السند مقبولة، فلا يمكن الاعتماد عليها.


[5] [5472] إغاثة اللهفان)) (1/340(.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo