< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التعارض/ التعارض غير المستقر / التعارض غير المستقر

التعارض غير المستقر :

ينقسم التعارض بين الدليلين أو الأدلّة إلى التعارض المستقر والتعارض غير المستقر ، والكلام فعلاً في التعارض غير المستقر ، ومنشأ هذا المعنى قولهم أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ؛ فمع إمكانه ولو بضربٍ من التأويل فهو أولى من الرجوع إلى الأخبار العلاجية .

والكلام في هذا من جهات :

الجهة الأولى : أنّ المقصود من الجمع بين الدليلين ليس على ما ذكرناه من الحكومة أو الورود أو التخصيص أو التقييد ؛ لما عرفت من أنّه لا يصدق تعارض في مواردها ؛ لعدم صدق معناه من التنافي بين الدليلين على مستوى المدلول أو الدلالة ، فليس هي من موارد التعارض حتى يصار إلى الجمع بينهما .

وبعبارةٍ أخرى :الجمع بين الأدلّة على نحوين :

الأول : ما يقتضيه نفس الدليلين دون الحاجة إلى التأويل ، بل يرجع الجمع بينهما إلى كبرى الظهور العرفي .

الثاني : ما لا يقتضيه نفس الدليلين ، وإنّما يعمل بينهما بالتأويل والتصرّف حتى يصار إلى عدم الطرح لهما أو لأحدهما .

يمكن أن يطلق على الجمع الأول بالجمع الذاتي ، والثاني الجمع العرضي .

الجهة الثانية : ما تقتضيه القاعدة الأولية في المتعارضين ، وهل مقتضاه الجمع حتى يصّدق بهذه الأولوية ، أو أنّ مقتضاه الرجوع إلى الترجيح والأخبار العلاجية ؟

ادعى جمعٌ من الأصوليين أنّ القاعدة الأولية بين المتعارضين هو الجمع لا الرجوع إلى أحكام التعارض ، وقد أطال الكلام شيخنا الأعظم (قدّه) في ذلك .

ولعلّ أول من عرض هذه الفكرة هو ابن أبي جمهور الأحسائي في عبارته المشهورة في عوالي اللآلي ، حيث قال :

" أنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أولاً البحث عن معناهما وكيفية دلالة ألفاظهما ، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فاحرص عليه واجتهد في تحصيله ، فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خيرٌ من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء ، فإذا لم تتمكن من ذلك أو لم يظهر لك وجهه ، فارجع إلى العمل بهذا الحديث" وأشار بهذا إلى مقبولة عمر بن حنظلة[1] .

 

ويمكن الاستدلال بوجوه :

الوجه الأول : " أنّ الأصل في الدليلين الإعمال ، فيجب الجمع بينهما بما أمكن ؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجح"[2] .

وبيانه كما في المنتقى :

" أنّ دليل الإعتبار والحجية يتكفّل لزوم العمل بالدليل إلاّ في فرض لزوم محذور عقلي في العمل به ، فإذا أمكن العمل بنحو يرتفع المحذور العقلي كان مقتضى دليل الحجية لزوم العمل به "[3] .

والظاهر أنّ مراده من ( فرض لزوم محذور عقلي في العمل ) : هو ما جاء في بيان الدليل من لزوم الترجيح بلا مرجح ، وبالتالي يكون المقصود من الدليل المذكور أنّه إذا جاء الدليلان المتعارضان ، فيدور أمرهما بين حالتين ، الحالة الأولى العمل بهما دون ترتّب أي محذور ، كما لو أوّل أحدهما بما يتناسب مع مدلول الآخر ، أو أوّلا معاً بما يمكن تماشيهما معاً ، فإنّ مقتضى دليل حجية كلّ واحدٍ منهما ذلك ؛ لأنّ معنى الحجية الطارئة على كلّ واحدٍ منهما لزوم العمل به مطلقاً ، سواء كان منفرداً في التعلّق بمورده أو كان له مشاركاً في التعلّق ، هذا على مستوى المدلول المطابقي للحجية ، وأمّا على مستوى المدلول الالتزامي فهو عدم جواز ترك العمل به مطلقاً ، ولو لوجود حجة منافية لمؤداه ، ولأجل احترام لزوم العمل بكلّ واحدٍ منهما فاللازم الجمع بينهما ليتحقق مؤدى الحجية ، وإلاّ فلو طرحناهما أو طرحنا أحدهما فلا ريب في صدق معصية دليل الإعتبار والحجية ، وهذه معصية قبيحة .

نعم لو كان العمل بهما يستلزم محذوراً عقلياً ، كما لو لزم العمل بأحدهما وطرح الآخر ، حيث يترتب عليه الترجيح بلا مرجح فهنا تأتي الحالة الثانية وهي تعني عدم امتداد دليل الحجية ليشمل موارد المحذورات العقلية ، وهذا التقييد لبّي متصل مع كلّ دليل يدلّ على اعتبار طريق من الطرق.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo