< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

41/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم


ال

موضوع:
التعارض/ مباحث الحكومة / الجهة الأولى : تعريف وضابطة الحكومة.

 

الجهة الأولى : تعريف وضابطة الحكومة من الموارد التي لا ريب في خروجها عن مباحث التعارض هو كون أحد الدليلين حاكماً على الدليل الآخر ، ومن هنا نشأت نظرية الحكومة ، وقد درسها الأصوليين في هامش مباحث التعارض ، والبحث فيها يقع في جهات :
الجهة الأولى : تعريف الحكومة :قال الشيخ الأعظم (قدّه) :

" وضابط الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضاً لحال الدليل الآخر ورافعاً للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه، فيكون مبيناً لمقدار مدلوله ، مسوقاً لبيان حاله متفرعاً عليه "[1] .

نظير الدليل الدالّ على أنّه لا حكم للشكّ مع كثرته الحاكم على الأدلّة المتكفّلة لبيان أحكام الشكّ ، حيث أنّها تقتضي أنّ للشكّ حكماً يجب الاعتناء به والتعويل عليه ، فالشكّ مثلاً بين الركعتين الأوليتين من كلّ صلاة مثلاً حكمه الإعادة ، وبين الثالثة والرابعة هو الأخذ بالأكثر ، فإنّ هذه الأحكام وبحسب عموم أدلّتها وإطلاقها شاملة لكلّ شكٍّ ، ولكن بحكومة دليل : " لا شكّ لكثير الشكّ " تضيّق دائرة أحكام الشكّ في غير موارد كثرة الشكّ ، فلا يُعتنى بها في موردها .

وقد أشكل بعض المتأخرين عليه بأنّه لا تختصّ الحكومة بذلك ، " إذ لو كان أحد الدليلين مفيداً فائدةً مستقلة ، ولكنّه يصلح لأن يكون بياناً لكمية موضوع الدليل الآخر كان من الحكومة"[2] .

وفيه : أنّه مع عدم نظره إليه كيف يصلح لتفسير الدليل الآخر ، فإنّ تفسير أحد الدليلين للآخر فرع نظره إليه ، وإلاّ كان تفسيراً للمباني بمبانيه ، ولعمري فإنّ التنافي بين صدر كلامه وذيله أظهر من أن يخفى ، فإنّ عدم نظره إليه يستلزم أن لا يكون مبيّناً لكمية موضوع الدليل الآخر ، كما أنّ كونه مبيناً لكمية موضوع الآخر يقتضي كونه ناظراً إليه .
وأشكل المحقق النائيني (قدّه) عليه بما حاصله :

"أنّه لا يعتبر في الحكومة أن يكون أحد الدليلين شارحاً ومفسّراً للمراد من الدليل الآخر ، سواء كان المعتبر التفسير بأداته أو نتيجة التفسير وإن لم يكن تفسيراً لفظياً والشاهد على ذلك أنّ دليل الخاص لا ريب في حكومته على العام مع أنّه لا يوجد فيه ما يوجب شرح اللفظ ، فإنّ الخاص لم يتعرّض لما أريد من لفظ العام ، بل وظيفة الخاص بيان الموضوع النفس الأمري وما تعلّقت به الإرادة الواقعية من دون أن يتصرّف في لفظ العام ، بناءً على ما هو التحقيق من أنّ التخصيص لا يوجب التجوّز في لفظ العام ، نعم بناءً على أنّ التخصيص يقتضي التجوّز في العام يكون الدليل الذي كان مفاده المطابقي ما تقتضيه نتيجة تحكيم الخاص على العام شارحاً ومبيّناً لما أريد من لفظ العام"[3] .

وظاهر الحكيم الثاني (دام ظلّه) الاعتراض عليه :

" بأنّ الأصل في مصطلح الحكومة هو الشيخ الأعظم (قدّه) ، فهو أول من اصطلحه وهو أعرف بما يدخل فيه من الموارد ممّا يخرج منه منها ، ولهذا ففي موارد العام والخاص لا ريب في خروجه عن الحكومة ؛ لعدم انظباق تعريفه عليها "[4] .

ولكن يمكن أن يقال : بأنّ كون الشيخ (ره) هو الأصل في هذا المصطلح لا يستلزم الجمود عليه مع إمكان تصوير حكومة دليل على دليل في غير ما اصطلحه .ولعلّه لأجل ذلك ذكر أكثر المتأخرين عنه موارداً لا ينطبق تعريفه (قدّه) عليها .

وكيف كان : فليس المهمّ تحقيق تعريفاً يستوعب جميع الموارد أو لا يستوعبها ، بل المهمّ بيان موارد الحكومة ، كما فعل المحقق الخوئي (قدّه) حيث بادر أولاً إلى بيان أنواع الحكومة وأقسامها دون بيان التعريف .

أقسام الحكومة : لا ريب في أنّ هناك مورداً يعتبر قدراً متيقناً من أقسام الحكومة ، كما هناك موارد أخرى اُختلف فيها ، وإليك التفصيل :

المورد الأول : أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحاً ومفسراً للمراد من الدليل الآخر ، سواء كان مصدّراً بكلمة مفسرة ، مثل (أي) و(أعني) ، أم لم يكن مصدّراً ، ولكن كان لسانه شارحاً بحيث لو لم يكن الدليل المحكوم موجوداً لكان الدليل الحاكم لغواً .

وعليه فهاهنا صورتان لكون الدليل الحاكم مفسّراً للدليل المحكوم :

الصورة الأولى : أن يكون التفسير بأداة وضعت لغةً للشرح والتفسير وبيان المراد ممّا تقدمها :

ومثاله :

ما رواه عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : "سألته عن رجلٍ لم يدرِ ركعتين صلى أم ثلاثاً ، قال : يعيد ، قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه ؟ فقال : إنّما ذلك في الثلاث والأربع "[5] .

فإنّه من الواضح جداً أنّ قوله (ع) : " إنّما ذلك في الثلاث والأربع " حاكم على ما صدر عنهم (ع) : " لا يعيد الصلاة فقيه " وشارحاً ومبيناً للمراد منه .

وأيضاً ما رواه علي بن المغيرة ، " قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشيءٍ ؟ فقال : لا ، قلت : بلغنا أنّ رسول الله (ص) مرّ بشاةٍ ميتة فقال : ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها (بجلدها) ، قال : تلك شاةٌ لسودة بنت زمعة زوجة النبي (ص) ، وكانت شاةً مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت ، فقال رسول الله (ص) : ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ، أي : تذكى "[6] .

فإنّ تفسير الإمام (ع) إطلاق كلام النبي (ص) الانتفاع بجلدها المقتضي لجواز الانتفاع بالميتة ؛ بأنّ مراده من الانتفاع بتذكيتها قبل أن تموت حاكم شارح ومفسر لمقصوده (ص) .

الصورة الثانية : أن لا يكون التفسير بالإداة ، ولكن لولا الدليل المحكوم لغى الدليل الحاكم ، فيكون ذلك قرينة على أنّ الثاني مفسراً وشارحاً للمراد من الأول ، ومثاله :

قوله (ع) : " وليس بين الوالد وولده ربا "[7] فإنّه ناظر وشارح ومفسر للمراد من قوله تعالى : ﴿وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[8] فيكون رافعاً للحكم بلسان رفع موضوع ، للعلم بتحقق الموضوع وهو الربا إذا تعاملا مع الزيادة ، فالمقصود نفي حرمة الربا بينهما بلسان نفي الموضوع .

وكذا قوله (ع) : " ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه "[9] بالنسبة إلى قوله (ع) : " إذا سهوت فابن على الأكثر "[10] .

وهذا النوع يطلق عليه الحكومة التفسيرية ، أو يمكن أن يصطلح عليها حكومة بيانية .وهذا هو المورد المتيقن من الحكومة ، وكان موضعاً لقبول الجميع .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo