< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

القواعد الفقهية

42/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: القواعد الفقهية/ مقدمات عامّة في القواعد الفقهية/ المقدمة الثانية: الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟ (المحاولة السابعة):

1- -هناك مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وهي:

المقدمة الأولى: ما المقصود من القاعدة؟

المقدمة الثانية: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟

المقدمة الثالثة: ما هي مصادر القواعد الفقهية؟

المقدمة الرابعة: في تقسيم القواعد الفقهية وترتيبها بشكلٍ منطقي وهندسي بحيث تتناسب مع البحث في الأبواب الفقهية دون تداخل بينها.

لازال الكلام في البحث التمهيدي في المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

1.1- -المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

يوجد مجموعتين:

المجموعة الأولى: تفضّل بها علماء الطائفة.

المجموعة الثانية: أهمّ ما توصلت إليه مدرسة الخلافة.

1.2- -المجموعة الأولى: ما تفضل به علماء الطائفة:

المحاولة السابعة: وهو التحقيق: يقع الكلام في التفريق الأخير من تفريقات القاعدة الأصولية عن القاعدة الفقهية، و هذا الفارق هو نظريتنا في الفرق بين القاعدتين.

1.3- -و نقول بمقام التمهيد لدرك هذا الفرق:

يدرس عادةً في علم الميزان مسألة التمايز بين العلوم، و يقولون عادةً أنّ تمايز العلوم إمّا بالموضوعات أو بالأغراض، و لا قائل بتمايزهما بالمحمولات، و لا نريد الخوض في أنّ التمايز بالموضوعات هو الصحيح كما عليه المشهور، أو أنّ التمايز بالأغراض كما عليه صاحب الكفاية و جماعة، قال المحقق الخراساني (قده) في مطلع الكفاية: " أنّ تمايَز العلوم إنّما هو باختلاف الأغراض الداعية إلى التدوين، لا الموضوعاًت ولا المحمولات، وإلاّ كان كلّ باب، بل كلّ مسألة من كلّ علم، علماً على حدة، كما هو واضح لمن كان له أدنى تأمّل، فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجباً للتعدد، كما لا يكون وحدتهما سبباً لأن يكون من الواحد"[1] .

مثال من ذهب إلى التمايز بالموضوع: يمتاز علم اللغة عن علم الصرف في الموضوع المبحوث عنه، فالموضوع في علم اللّغة هو حركة الحرف الأخير، و الموضوع في علم الصرف هو حركة الحروف ما قبل الأخير.

و كذلك: يمتاز علم المنطق عن علم الأصول، بأنّ علم المنطق موضوعه التفكير العام، بينما علم الأصول موضوعه التفكير الخاصّ بأدلّة الأحكام. و هكذا...

و مثال من ذهب إلى أنّ التمايز بين العلوم بالأغراض: يمتاز علم المنطق عن علم النحو، بأنّ علم المنطق غرضه عصمة الفكر عن الخطأ، بينما الغرض في علم النحو هو عصمة اللسان عن النحو.

و لكن ما نريده أنّ التمايز قد يقع بأحدهما، و عليه فإنّ القواعد الفقهية تمتاز عن القواعد الأصولية بالموضوع و الغرض. أمّا التمايز في الموضوع: فالموضوع في القواعد الأصولية هو الدليلية، و الغرض إثبات الحجّية على الحكم الشرعي، فلا شغل للأصولي إلاّ البحث في ذلك، و أمّا الموضوع في القواعد الفقهية فهو الحكم لا دليله، و غرضه بيان ما يتعلق به من شروطٍ و مقدماتٍ و موانعٍ و مقتضياتٍ، و لنأخذ مثالاً على ذلك، (حجّية خبر الواحد)، و (ما يضمن و ما لا يُضمن)، فإنّ موضوع البحث في القاعدة الأولى دليلية خبر الواحد على الحكم الشرعي، و غرض الأصولي في البحث عنه الحجّية ثبوتاً أو نفياً، و لا شأن له فيما يدلّ عليه خبر الواحد من الأحكام، فهو يسعى إلى تأسيس حجّيته مهما كان نوع الحكم المفاد به.بينما في قاعدة (ما يضمن و ما لا يضمن) فبعد أن ينقح الأصولي حجّية أخبار الضمان، و حجّية الدلالة بالظهور، يأتي عمل الفقيه ليحقّق في مدلول أدلّة الضمان، و إنّها ماذا تفيد؟ فهل تفيد الضمان بالفاسد؟ و في أي نوعٍ من العقود؟ و ما هي شروط الضمان بالعقد الصحيح؟ و ما هو العقد الذي في صحيحه ضمان؟...هكذا.

وقبل الدخول ببيان الغرض من كلٍّ منهما، أريد أن أنبه إلى شيءٍ، و هو: أنّ البحث في القواعد الفقهية ليس علماً مستقلاً، صحيح أنّ القواعد الفقهية جمعت و بوبت و جعلت في مصنفاتٍ خاصّةٍ، لكنّها ليست مستقلةٍ، هي مباحثٌ تابعةٌ لعلم الفقه، غاية الأمر في البحث الفقهي مرّة نبحث في القاعدة، و مرّة في المسألة، بعبارةٍ أخرى، المسألة تبحث في الجزئي، و القاعدة تبحث في الكلّي.

واضحٌ الفرق بين القاعدة الأصولية و المسألة الفقهية، المشكلة في الفارق التقعيدي، مشكلة التشابه التي جرّتنا إليها ضرورة الفرق،حيث أنّ مشكلة القواعد (التقعيد)؛ فقد وجدنا قواعد فقهية، فنسأل ما ميزتها عن القواعد الأصولية؟ إذا عرفت هذا، فنأتي إلى الفارق الذي نقترحه؟

-الفارق الجوهري الذي نراه: من خلال ما ذكرنا يُعلم مايلي:

-أولاً: أنّ القاعدتين تختلفان موضوعاً و غرضاً، فالموضوع في القاعدة الأصولية هو دليلية الدليل، و غرضه إثبات الحجّية و عدمها، بينما الموضوع في القاعدة الفقهية هو الحكم، و غرضه نوع الدلالة و سعتها و شروطها و مقتضياتها و موانعها.

-ثانياً: إنّ البحث الأصولي يعدّ كبروياً بالنسبة إلى البحث في القواعد الفقهية، إذ هو بحثٌ صغروي، فتكون رتبة البحث في القواعد الفقهية متأخرة عن البحث في القواعد الأصولية.

-ثالثاً: لا يتخلّف هذا الميزان في أي موردٍ من موارد القواعد الأصولية و الفقهية، فكلّ القواعد الأصولية إنّما تبحث في دليلية الدليل لأجل الوصول إلى حجيته أو عدمها.

فالبحث في حجّية الظهور و كلّ صغرياتها بحثٌ في دليلية الظهور على الحكم المستكشف به، و البحث في الدليل العقلي بحثٌ في دليلية الدليل العقلي على الحكم الشرعي، و هكذا الحال بالنسبة إلى الأصول العملية، فإنّ البحث فيها ليس في الحكم، بل في دليلية الشكّ في جريان تلك الأصول، و كذا الأمر في باب التعارض، فإنّ المراد إثبات دليلية عدم الترجيح على التساقط، و الرجوع إلى العموميات و الإطلاقات أو الرجوع إلى الأصول عند عدمها.نعم، قد تجد بعض البحوث الأصولية ليست بحثاً في الدليلية، و ليس الغرض منها إثبات الحجّية، كالبحث في تفسير حقيقة الوجوب التخييري، و أنّه وجوبٌ واقفٌ على الجامع أو منحلٌّ إلى وجوبات مشروطة بعدد الأطراف أو وجوب متعلقٌ بالواقع المختار، أو بالفرد المردد، فهنا نرى البحث في الحكم، و حقيقته لا في دليليته.و لكن يمكن ردّه بأنّه ليس من مباحث علم الأصول؛ لأنّ دور الأصولي هو إثبات شيءٍ لشيءٍ، و ما كان على مفاد كان الناقصة، و أمّا البحث في ثبوت الشيء، و ما هو على غرار كان التامّة، فليس من المباحث الأصولية، و إنّما بحثه الأصوليين في الدليل العقلي أو في مباحث الأوامر؛ لعدم مناسبة ليبحث في غيره.

إنّ موضوع القاعدة الأصولية الدليلية،كلّ القواعد الأصولية على الإطلاق، سواء القواعد المرتبطة بالدليل اللفظي أو اللبّية (الشرعية أو العقلية)، حتى باب التعارض، كلّ الأبحاث الأصولية، بحثٌ في دليلية الدليل؛ فالقاعدة الأصولية لا تبحث عن نوع الحكم (حلال – حرام –واجب-...) بل تبحث، هذا دليلٌ أو ليس دليل، التعارض موجب لتساقط الدليل عن الحجّية أو العمل في القدر المتيقن، و يكون غرض الأصولي - إذا بنينا على التمايز بالأغراض- إثبات الحجّية أو نفيها، هذا ملاك القاعدة الأصولية، و لا نرى بحثاً في قاعدةٍ أصوليةٍ خارجةٍ عن نطاق إثبات الحجّية أو نفيها، فهذا قوام القاعدة.

مثلاً: البحث في ظهور صيغة (افعل) في الوجوب، بحثٌ في دليلية الظهور على إثبات الوجوب.

مثال آخر: دليلية ظهور أدوات العموم لشمول الحكم لكلّ مصاديقه.

مثال آخر: دليلية الإطلاق على نفي إرادة القيد.

مثال آخر: دليلية التلازم بين وجوب الشيء، و وجوب مقدمته على وجوب مقدمته.

مثال آخر: (البراءة): دليلية الشكّ لإثبات المعذرية للمكلف.

نعم قد نجد بعض البحوث الأصولية ليست في الدليلية.

مثلاً: في تحليل حقيقية الوجوب التخيري، أو أنّ الوجوب ينحلّ إلى وجوباتّ بعدد المصاديق و الأفراد، أو أنّه وجوبٌ مرددٌ (المحقق العراقي) أو وجوب مرددٌ لما يختاره المكلف في علم الله، فهذا ليس بحثاً أصولياً، و إن كان يُبحث في الأصول، كذلك بحث الوضع ليس بحثاً أصولياً؛ لأنّ علم الأصول يبحث في مفاد (كان) الناقصة (تصديقي)، و لا يبحث في مفاد (كان) التامّة (حقيقية)، لذلك يُبحث تبعاً في الدليل الشرعي اللفظي في دليلية الأوامر، كما فعله المشهور، فهو ليس بحثاً أصولياً بل استطرادياً، فرقٌ في أن نبحث في تطبيق، و أن تبحث في دليلية شيء.

تابع يا أخي، استعراض هيكلية الأبحاث الأصولية، و طبّق؛ تجد البحث في الأصول، بحثٌ في دليلية الدليل، و الغرض إثبات دليلية الدليل أو نفيها، أمّا في القواعد الفقهية، فهو استكشاف الحكم من الدليل، ماذا يدلّ خبر الثّقة؟ بعد إثبات حجّية الظهور؟ هذه الآية ظاهرة في...، على ماذا يدلّ البحث في دلالة الدليل بعد إثبات دليليته؟ ما هي شروطه؟ و ما هي مقوماته؟ و...

يجب إعادة هيكلية علم الأصول، لا ينبغي أن تكون حجّية الظهور في مكان، و هذه تُعتبر صغريات لحجّية الظهور، فقبل الدليل اللفظي، مبنى حجّية الظهور إذا ثبت، فهي من صغريات حجّية الظهور.

أعيد و أكرر استقرأت كلّ القواعد الفقهية، و كلّ القواعد الأصولية، وجدت أنّ هذا الفارق مطردٌ، البحث الأصولي بحثٌ في دليلية الدليل، و البحث في القواعد الفقهية بحثٌ في مفاد الدليل (الحكم الذي يستفاد من الدليل، و بيان شرائطه، و مقوماته)، و هو فرقٌ ذاتيٌ حقيقيٌ ماهوي؛ لأنّه بحثٌ في ثبوت القاعدة الأصولية ثبوتاً أسس لدليلية الدليل.

1.4- -و على هذا الفرق نستنتج عدّة أمور:

-الأمر الأول: أنّ البحث في القواعد الأصولية كبروي، و البحث في القواعد الفقهية بحثٌ صغروي، أي الأصولي متقدمٌ حال العلاقة بين الأصول، و مجمل المسائل الفقهية.

مثلاً: عندما نأتي إلى القياس الظنّي (التمثيل) الذي يعتمد على السبر و الإسقاط، هذا عنده لم تثبت دليليته، فلا نبحث عن مفاده.

الاستحسان: بعدما قام الدليل على نفي دليليته، لا نبحث عن مفادات الاستحسان.

-الأمر الثاني: أنّنا نستفيد من هذا الفارق بأنّ التمييز بين القواعد الفقهية و الأصولية، بالكلّية و الجزئية غير صحيح، كما ذُكر في بعض النظريات التي تقدّمت معنا، إذ نحن نقبل كون القاعدة الفقهية كلّية كالأصولية، إنّما الفرق من جهة نوع البحث، واقع البحث، مكنونات البحث، فليكن هناك تشابهٌ بالكلّية، ما دام أثبتنا التغاير الذاتي في نوع الدليلية.

هذا الفارق الذي ذكرناه إن قبلته فبها ونعمّت، و إن أبيت إلاّ ماعليه المشهور و تبعتهم، فنقول لا يمكن بعد هذا بنظرنا، أن يكون هناك فارقٌ حقيقي ماهوي، فيجب أن نتقبّل التفريق العرضي بين المقدمتين، هذه بعض آثاره، هيئاته، جمالياته...

 

1.5-


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo