< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

القواعد الفقهية

42/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: القواعد الفقهية/ مقدمات عامّة في القواعد الفقهية/ المقدمة الرابعة: في هندسة القواعد و ترتيبها.

-هناك مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وهي:

المقدمة الأولى: ما المقصود من القاعدة؟

المقدمة الثانية: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟

المقدمة الثالثة: ما هي مصادر القواعد الفقهية؟

المقدمة الرابعة: في تقسيم القواعد الفقهية وترتيبها بشكلٍ منطقي وهندسي بحيث تتناسب مع البحث في الأبواب الفقهية دون تداخلٍ بينها.

لازال الكلام في مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وصلنا إلى:

-المقدمة الرابعة: في هندسة القواعد و ترتيبها:

هناك عدّة نظريات في الترتيب الفني، و هذا بحثٌ مهمٌّ جدّاً، أكثر الطلاب لا يعي روابط قواعد العلم، بسبب عدم الفنية في ترتيبها، ثق و اعتمد يا أخي إلى أنّ الفنّية و ردّ الجزئي إلى الكلّي، و ردّ الصغريات إلى الكبريات، طريقٌ مهمٌّ للتحكم بهذه القواعد، بعكس الدراسة العشوائية.

مثال: علم الأصول، و بسبب عدم اعتناء كثيرٍ من العلماء في فنّية ترتيبه، أدّى إلى اضطراب بحثه و درسه، حيث أنّ هذا الترتيب المعمول به (السنّتي)، لا يوصل الطالب إلى متى يُطبّق القاعدة و ما مجالها، لذلك بالترتيب الموجود بين أيدينا من عصر السيد المرتضى (ره) إلى عصر المحقق الصدر (قده)، لم يتعرض إلى الترتيب الفنّي له؛ و السرّ في ذلك أنّ البحث الأصولي لم يكن بحثاً مستقلاً عن الفقه، كان يُدرس في أحضان الفقه، و لم يكن يدرس كعلمٍ بل كمقدمة لعلم الفقه، و أقول لك: لقد بقي أكثر مّما استخرج، و لازال يسرح في علم الفقه مع أنّها قواعد كبروية أصولية.

في تقرير السيد الهاشمي (قده) في مقدمة الجزء الأول، يعرض ترتيب المحقق الصدر (قده)، عندما يصل إلى الترتيب الفنّي، و بعد استعراض الترتيب القديم يُشكل عليه.... ثمّ يرتّب بطريقةٍ حديثةٍ في الحلقات الثلاثة، المحقق الصدر (قده) جعل بحث القطع في أول الأصول، بينما القدماء بحثوه في مباحث الحجج أي في الجزء الثاني، كما أنّ كثيراً من المباحث المرتبطة بالأوامر، بحثها في الدليل العقلي؛ لأنّها بحثٌ في الملازمة العقلية، بينما في الكفاية على سبيل المثال بحث الأوامر يعتبروه من عوارض الأمر.

أقول: اثنان من المعاصرين حاولا أن يخلقوا فنّيةً جديدةً في علم الأصول، أولهما المحقق الصدر (قده)، و الثاني الشيخ مكارم الشيرازي(د.ظ) في كتابه أنوار الأصول.

-وقد بادر جماعةٌ من الفقهاء إلى تقديم تقسيمٍ فنيٍ للقواعد الفقهية؛ ليسهل التعرّف عليها و على انتمائها:

هل بالإمكان أن نجد مائزاً جامعاً ماهوياً، يمكن من خلاله تقسيم القواعد، أو أنّ القواعد الفقهية قواعدٌ متفرقة؟ لا يمكننا أن نقسّمها لعدم وجود جامعٍ يعتبر مقسماً لها؟

حاول بعض المتخصصين بالقواعد الفقهية أن يرجع هذه القواعد إلى تقسيمٍ ماهوي (يشخّص المقسم ثمّ يذكر الأقسام المترتبة عليه).

و فيما يلي سنستعرض بعض هذه النظريات:

-النظرية الأولى: ما قام به بعض المتأخرين من ترتيبها و فهرستها على أساس الأبجدية، سواء القديمة أو الحديثة، فيجمع ما كان من القواعد المبتدأة بألفٍ تحت عنوانه، و المبتدأة بالباء تحت عنوانه، و هكذا.

و درج عليه مجموعة من الكتّاب، وجدوا أنّ هذا التوزيع منطقي، و يسهّل على الباحثين الوصول إلى تلك القواعد.

وفيه: أشكل على هذا التقسيم السيد محمد تقي الحكيم في كتابه (القواعد العامّة للفقه المقارن)، حيث أشكل على هذا التقسيم، و حاصله: " من الواضح أنّ هذا النهج إن صلح للفهرسة و لبعض الأعمال الموسوعية كدوائر المعارف، أو كتب اللّغة، فهو لا يصلح لكتابة علمٍ له مقوّماته، و معالم شخصيته"[1] ؛ أي أنّ الترتيب و التقسيم على أساس الألف بائي تائي، إنّما يتناسب مع دائرة المعارف و مع المعاجم، أمّا أن نقسّم و نوزع أبحاث علمٍ عريق على هذا الأساس، فهو غير مقبول؛ إذ لا توزع أبحاث العلوم، و لا تقسّم وفق الألف باء تاء.

و هذا الإشكال صحيحٌ، و إن كنّا نتحفظ على إطلاق مصطلح العلم عليه؛ لما عرفت من أنّه من بحوث علم الفقه، و ما ستعرفه من عدم توفّر قواعد العلم المستقل فيه، و لكن ما قاله صحيحٌ، لا يمكننا أن ندرس هذه القواعد بالألف باء تاء.

إذن هذه النظرية تسقط.

-النظرية الثانية: ابتدعها و ابتكرها نفس السيد محمد تقي الحكيم في كتابه (القواعد العامّة للفقه المقارن)، يقول: " و قد لاحظنا أنّ هذه القواعد يمكن أن تلتقي بقسمين رئيسين، اصطلحنا على أحدهما بـ (القواعد الواقعيّة) كما اصطلحنا على الآخر بـ (القواعد الظاهريّة).

القواعد الواقعية: و نريد بها القواعد الناظرة إلى الأحكام الواردة على موضوعاتها، دون لحاظ طروّ حالة الشكّ عليها، و ينتظم في ذلك قواعد (الضرر) و (الحرج) و (النيّة) و أمثالها.

القواعد الظاهريّة: و نريد بها القواعد الضابطة لأحكام أو وظائف يحدّدها الشارع أو العقل، عند طروّ الشكّ على الحكم الواقعي، أو موضوعه، سواء كان لسان هذه القواعد لسان أمارة أم أصل، و ينتظم في ذلك قواعد (الصحّة) و (الفراغ) و (التجاوز) و غيرها"[2] .

ثمّ قال (قده): "و هذه القواعد المنتظمة في هذين القسمين يمكن أن توزّع بحسب الالتقاء بينها إلى أبواب و فصول، فهناك مثلا عدّة قواعد تعالج مواضيع ضررية، و أخرى تعالج مواضيع حرجية، و ثالثة تعالج أحكاما ضمانية، و هكذا... فيأخذ كلّ واحد منها بابا أو فصلا في باب من أحد القسمين، و تختصّ كلّ قاعدة ببحث يأخذ موقعه من الباب أو الفصل"[3] .

الفيصل بينهما: يقول السيد محمد تقي الحكيم (قده)، هو إذا كانت القاعدة تنظر إلى تشخيص الحكم دون فرض الشكّ في الموضوع أو فيه، فالقاعدة ناظرة إلى تشخيص الحكم الواقعي (ما لا يفرض في موضوعه الشك في حكمٍ شرعي مسبق).

مثل قاعدة: (لا حرج)، حيث إنّها لا تجري في الشكّ، غاية الأمر أنّ هذا الأمر فيه شكّ، فأجري قاعدة الحرج، و كذلك قاعدة (لا ضرر).

إذن: إذا كانت القاعدة تشخّص حكماً دون لحاظ الشكّ فيه أو في موضوعه، فهي تستهدف الحكم الواقعي، أمّا إذا كانت القاعدة تبني على الشكّ، إمّا الشكّ في الحكم كما في (القرعة)، حيث تشكّ بالحكم الشرعي، فيجري قرعة، أو الشكّ في تشخيص الموضوع، مثل (قاعدة المصلحة) التي أسسها بعض العامّة-و التي نأتي عليها إن شاء الله- أي مصلحة حفظ النظام في الأحكام الشرعية.

إذن السيد محمد تقي الحكيم (قده) يقسّم القواعد الفقهية على أساس هذه، إمّا قواعد تستهدف الحكم الواقعي، و قواعد تستهدف الحكم الظاهري، ثمّ يقول (ره): " أمّا القواعد المستقلّة التي لا يجمعها مع غيرها قدرٌ جامع؛ فيمكن أن تبحث في بابٍ مستقلٍّ بعنوان (قواعد متفرّقة)، يلحق تبعاً لمداليل هذه القواعد في مكانه الطبيعي من القسمين"[4] ؛ و الظاهر أنّ الأساس الذي اعتمده في هذه القسمة هو الحكم، فيرجع التقسيم إلى أنّ بعض القواعد تعالج الحكم الواقعي، حيث لا شكّ فيه، و بعضها الآخر يعالج موارد الشكّ في الحكم لتنتج حكماً ظاهرياً.

أي يمكن أن نلاحظ وجود بعض القواعد التي لا تنتمي إلى الاثنين (لا تريد تشخيص حكم واقعي، و ليست في وارد تشخيص حكم ظاهري).

مثلاً: (دفع الضرر أولى من جلب المصلحة)، هذه تنظر إلى الشروط و الموضوعات لا تنظر إلى تشخيص الحكم الشرعي، فتلك القواعد نجعلها تحت عنوان المتفرقات، و بالتالي صارت قسمته ثلاثية، و يقول: "فيمكن أن تبحث في باب مستقلّ بعنوان (قواعد متفرّقة)، يلحق تبعاً لمداليل هذه القواعد في مكانه الطبيعي من القسمين. و على هذا فهيكل البحث يقوم على أساس تقسيم القواعد إلى قسمين، ينطوي كلّ قسم على أبوابٍ و فصولٍ"[5] .

0.1- -و لكن الإشكال في هذا التقسيم من جهات، منها:

-الإشكال الأول: أنّنا درسنا في المنطق أنّ التقسيم لا بدّ و أن يترتب عليه ثمرة هامّة، بحيث لا يمكن أن تستظهر إلاّ به، و إلاّ يصبح التقسيم عبثياً، كما لو قسمنا الإنسان إلى طويل و قصير، و قلنا كلاهما مكلفان، الذي كان من بادىء الأمر يمكن القول (الإنسان مكلّفاً)، و لا حاجة لمثل هذا التطويل، و ما يرتبط بالحكم الظاهري، مع أنّه من الجهة العملية لا يوجد فرقٌ بينهما، فإنّ المنجزية و المعذرية كما يترتبان على القواعد الواقعية مترتبان على القواعد الظاهرية، أعطني يا أخي ثمرة واحدة لهذا التقسيم (قواعد تشخص الحكم الواقعي (منجزة و معذرة)، و قواعد تستهدف الحكم الظاهري (منجزة و معذرة)، و قواعد فقهية مرتبطة بالعمل ، أنا لا أرى ثمرة.

-الإشكال الثاني: إنّ من شروط القسمة أن لا يبقى أي مصداق للقسم إلاّ و يدخل تحت الأقسام، و إلاّ فلا تكون القسمة حقيقية، و هنا يعترف (قده) بأنّ هناك جملةً من القواعد المتفرقة عن القسمين المذكورين، و لا يجمعها قدرٌ جامع. فالظاهر من تقسيمه كون أساس القسمة، الحكم الشرعي (ظاهري – واقعي)، و هذا الأساس إن تحقق في القسمين الأوليين، فهو غير موجودٍ في القسم الثالث (القواعد المتفرقة).

-الإشكال الثالث: يراد من التقسيم توضيح انتماء الأقسام إلى مائزٍ يميزها عن غيرها؛ لإظهار تلك الجهة و التنبيه عليها، و إلفات النظر إليها، و هنا ما الجهة المراد إظهارها و التنبيه عليها؟ فهل هي مجرد كون بعضها يعالج الأحكام الواقعية، و الآخر يعالج الأحكام الظاهرية؟ مع أنّ هذا المعنى واضحٌ لكلّ متفقهٍ فضلاً عن الفقيه؛ إذ ما يدرسه حتماّ يجب أن يرجع إلى هذين بلا ريب، فلم يقف هذا التقسيم على جديد.

فلما نجعل هذا العدد الضخم في قسمٍ اسمه المتفرقات؟ عادةً يجعلون قسم المتفرقات في بعض القواعد القليلة، القواعد التي لا تشخّص حكماً أصلاً لا واقعي و لا ظاهري، هذه القواعد ناظرة إلى شروط و ضوابط و ... ليست بالعدد الهيّن حتى تجعلها بقسم المتفرقات.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo